ما فضل قراءة القرآن والعمل به؟
أعزكم الله تعالى، وأحبكم، ورفع شأنكم وأعلى ذكركم
يظهر فضل العمل بالقرآن من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً يوم القيامة ، ضوؤه أحسن من ضوء الشمس فى بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذى عمل بهذا".
في هذا الحديث تبيان لمكانة وثواب قارئ القرآن الذي يعمل به، حتى إن ثوابه لا يقتصر عليه وحده بل يعم إلى والديه (إن كانا مؤمنين، أما إن لم يكونا مؤمنين فلا يغني عنهما شيئاً).
لماذا يلبس والداه التاج يوم القيامة وهما لم يقرآ القرآن ولم يفعلا ما فعل ولدهما؟ الجواب على ذلك أنهما تسببا في صلاح ولدهما إما عن طريق تعليمهما إياه وتربيتهما له، وإما عن طريق دعائهما له، أو لأنهما أنشآه نشأة صالحة عن طريق إطعامه الطعام الحلال، قال رسول الله : "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". فالمتوفى هنا تسبب في هذه الأمور الثلاثة: فثوابها يلحقه في حياته وبعد وفاته. وهنا الولد الصالح الذي قرأ القرآن وعمل به هذا هو ثواب والديه فهما قد أرشداه إلى الخير، والدال على الخير كفاعله (إلا أن الله يضاعف الثواب لمن يشاء، وليس معنى ذلك أن الله يضاعف لفاعل الخير مثل مضاعفته للدال عليه، فإن المضاعفة لفاعل الخير إن أخلص النية لله ربما كانت أعظم من الدال عليه).
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ» , قَالَ: وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ , قَالَ: «يَأْتِيَانِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ ، أَوْ كَأَنَّهُمَا ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ يُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا» .
فأهل القرآن أهل الله وخاصته، ويأتي هذا القرآن شفيعاً لصاحبه الذي كان يعمل به في الدنيا ومقدمة القرآن البقرة وآل عمران فهما يتقدمان في الشفاعة والذود عن قارئهما والعامل بهما ومن عمل بما في البقرة وآل عمران من أحكام فقد عمل بما في القرآن كله تقريبا لكثرة ما يتضامنان من أحكام.
قال أبو سعيد الخراز رضى الله عنه : أول الفهم لكتاب الله عز وجل العمل به؛ لأن فيه العلم والفهم والاستنباط وأول الفهم إلقاء السمع والمشاهدة لقول الله عز وجل: {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (قّ:37) كما قال: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ} (الزمر:18) والقرآن كله حسن، يعني اتباع الأحسن ما يكشف للقلوب من العجائب عند الاستماع وإلقاء السمع من طريق الفهم والاستنباط، وأول إلقاء السمع لاستماع القرآن هو أن تسمعه كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأه عليك ثم ترقى عن ذلك فكأنك تسمعه من جبريل رضى الله عنه{ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ رضى الله عنه (الشعراء:192-194) ثم ترقى عن ذلك فكأنك تسمعه من الحق عز وجل.
وأخرج الدرامي عن على رضى الله عنه أنه قال: يا حملة العلم: اعملوا به فإن العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون مع الخلق يباهى بعضهم بعضاً، حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى.