ما حكم الاحتفال بعيد الأم، وهل صحيح أنه بدعة؟
ولماذا يكون بدعة؟ ألم يأمرنا النبى e بحسن صحبتها؟
أعزكم
الله وأحبكم ورفع شأنكم وأعلى ذكركم
قبل البدء فى بيان حكم عيد
الأم يحسن بنا أن نقدم لذلك بمكانة الأم فى الإسلام، وما يستلزمه ذلك من حق لها
يكفله الإسلام، فقد جعل لها حقوقا كثيرة، وذلك اعترافاً بما قدمته، ودورها فى
الحياة.
بر الأم كان من صفات الأنبياء:
فبر الأم صفة ليست بعيدة عن
الأنبياء، فهم القدوة فى ذلك يحكى الله تعالى فى وصف عيسى وهو فى المهد: ] وَبَرّاً
بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً[ (مريم:14) وهذا يعنى البر
وحسن الصلة وعدم التجبر، فكأن عدم البر لهما يعنى التجبر، ويعقبه الشقاء.
البر بالوالدين بعد
توحيد الله تعالي:
ولم يقتصر البر عليهما فى أثناء حياتهما فقط بل امتد
بعد وفاتهما روى مسلم عن أبى هريرةt، عن النبى e. قال "رغم أنف ثم رغم
أنف، ثم رغم أنف "قيل: من يا رسول الله ! قال " من أدرك أبويه عند
الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة" .
فكأن إدراك الأبوين عند كبرهم، والبر لهما سبب فى
دخول الجنة.
جعل الله سبحانه وتعالى بر
الوالدين والإحسان لهما قرين العبادة فى الأمر به، يقول الله تعالي: ]وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً[ (النساء: 36) ويقول تعالي:
] وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا
فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً[ (الإسراء:23) .
فبعد الأمر بتوحيد الله تعالى كان الأمر بنفس الدرجة
بالإحسان للوالدين. وذلك لعظم حقها على الابن.
البر حتى بعد الموت:
ووردت نصوصٌ كثيرةٌ تعنى ببرهما حتى بعد وفاتهما
حبًّا لهما وتقديراً فعن ابن عباس رضى الله عنهما: "أن امرأة من جهينة جاءت
الى النبى e فقالت: إن أمى نذرت أن تحج
فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت
قاضيته، اقضوا حق الله فالله أحق بالوفاء" .
وبعد موتها يُسنُّ برُّها
بصلة من كانت تصله فى حياتها كأقاربها وأصدقائها، فعن عبد الله بن عمر رضى الله
عنهما أن النبى e قال: "إن من أبر البر
صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى" .
وروى أبو داود فى سننه أن رجلاً سأل النبى e هل بقى من بر أبوى شىء بعد
وفاتهما، قال: نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وتنفيذ وصيتهما وصلة الرحم
التى لا توصل إلا بهما وتسديد ديونهما".
حق الأم وإن كانت غير
مسلمة:
إن كانت غير مسلمة فلها حق، قالت أسماء بنت أبى بكر
للنبى e: أمى زارتنى وهى مشركة،
أفأصلها؟ فنزل قول الله تعالي: ] لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[ (الممتحنة:8)
.
هذا كله مادامت لا تنهى عن
طاعة الله، ولا تدعو لشرك، فإن فعلت فلا سمع ولا طاعة، ولكن يبقى البر.
تفضيلها
فى البر:
وجاء رجل إلى النبى e يسأله: من أحق الناس
بصحابتي؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟
قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من ؟ قال:
"أبوك" .
دل هذا الحديث على عظم حق الأم، وتفضيلها فى البر
على الأب، وهذا لأكثر من سبب منه الحمل والولادة، والألم، والتربية، والحنان
والعطف، والقرب والملازمة، وغير ذلك مما يجعلها فى نظر الابن أقرب مما يبدو،
فيدعوه هذا ـ ربما ـ للتساهل معها؛ فدل الحديث على غير ذلك.
ولعل السبب فى ذلك أن الله تعالى أوصى بها بصورة
خاصة مع ذكر السبب فقال تعالي: ] وَوَصَّيْنَا
الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ
فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَى الْمَصِيرُ[ (لقمان:14).
ومن عظم البر أن استئذانهما فى الجهاد واجب، فعن عن
عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبى e فاستأذنه فى الجهاد، فقال
له رسول الله e: أحىًّ والداك؟ قال: نعم قال:
ففيهما فجاهد.
وهذا يتطلب عدم الإيذاء ولو بالكلمة لقوله تعالي: ]فَلا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [ (الإسراء:23).
الاحتفال بعيد الأم:
كل هذه الأمور تعنى أن للأبوين، وبخاصة الأم مكانة
عظيمة؛ لذا فتكريمها واجب، ولا يكفى التكريم يوماً واحداً بل ينبغى أن يكون طوال
العام كله وليس فقط كما يفعل الغربيون.
وقد اختلفت الآراء اختلافاً كبيراً فى هذا الأمر
فمنهم من يقول ببدعية الاحتفال فى يوم
واحد، وأن هذا تشبه بالغربيين وهو منهى عنه، والآخرون يعدونه من بدع العادات ولا
يرون مانعاً من ذلك.
والذى نراه أنه ليس هناك
مانع من الأمر بشرطين:
-أن يكون تكريماً
إضافياً.
-ألا يكون هذا عيداً بالمعنى
الشرعى للعيد.
وهذا اليوم الذى تكرم فيه الأم ويسميه الناس
"عيد الأم" هو من بدع العادات، لا من بدع العبادات، وبدع العادات لا
يأمر بها الإسلام، ولا ينهى عنها إلا إذا كانت تتصل بالدين من قريب أو من بعيد،
فإذا كانت هذه العادات تعبر عن الوفاء والاعتراف بالجميل، وتدعو إلى البر والإحسان
إلى من يستحق البر والإحسان، كالأم والأب ومن فى حكمهما كالجدة والجد، فإن الإسلام
يبارك هذه العادات ويقرها.
أما إذا كانت هذه العادات تعبر عن الضد من ذلك، أو
يترتب على فعلها ما يعيبه الإسلام وينهى عنه، كالإسراف والتبذير والعبث واللهو
واللعب والتفاخر، فإن الإسلام ينهى عن ذلك، ويحذر منه وقد عرف "الشاطبي"
البدعة فقال:
"هى طريقة فى الدين مخترعة، تضاهى الشرعية، يقصد بالسلوك عليها التعبد لله
سبحانه وتعالي".
أما العادات فليست طريقة مخترعة فى الدين، بل هى أمر
من أمور الدين ترك لنا توسعة علينا، فإن أدت هذه الطريقة المعتادة إلى إخلال بسنة
من السنن المشروعة فهى بدعة. وعيد الأم لا يؤدى إلى إخلال بالسنن المشروعة،
وبالتالى لا يعد من البدع.
ويرى بعض العلماء أن الاحتفال بعيد الأم فى اليوم
المحدد ذلك (21 من مارس) أقل أحواله الكراهة، ولا يبعد أن يكون حراماً، ليس بسبب
البدعة، ولكن بسبب تقليد غير المسلمين فى عاداتهم وأعيادهم، وقد وردت عدة أحاديث،
ينهى النبى e فيها أمته عن التشبه بأهل
الكتاب، من ذلك ما جاء عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى e قال: "من تشبه بقوم
فهو منهم" .
ومنها، ما جاء عن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال: رأى النبى e على ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب الكفار لا تلبسها"
كما روى أحمد فى مسنده أن عمر t كتب إلى المسلمين المقيمين
ببلاد فارس: "إياكم وزى أهل الشرك".
وبناء على ما سبق أرى ما
يلي:
أولاً: أن توقير الأم والاحتفاء ـ فضلاً عن الاحتفال ـ بها فى كل لحظة، وليس
فى كل يوم من الأمور الواجبة شرعاً.
ثانياً: أن أوامر الشرع تحض على ذلك.
ثالثاً: أنه ليس فى شرعناً ما ينهى عنه.
رابعاً: أنه ليس بدعة دينية، وهى كما جاء فى بيان للناس من الأزهر الشريف:
"تكون فى الأصول المتفق عليها، أما الفروع التى هى محل الاجتهاد وفيها خلافات
للعلماء فلا ينبغى أن توصف بالبدعة، وقد قال العلماء: إن العمل المستحدث إذا استند
إلى حديث ولو كان ضعيفاً يخرجه عن نطاق البدعة".
وبالتالى لا أرى هناك مانعاً من الاحتفال بشروط هى :
ألا يكون فى الاحتفال شىء مما نهى الشرع عنه كاختلاط
منبوذ أو محرم، أن لا يقصد التشبه بالغرب، أن يكون ضمن احتفاله طوال العام بها.