قصة العابد والفاجر
الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ذكر أنه كان هناك
رجلان أخوان شقيقان: أحدهما عابد وزاهد، والآخر كان فاجرًا ماجنًا، ظل العابد يعبد
الله تعالى ستين سنة في حالة خلوة، بعيدًا عن الدنيا، له حال واحد، هو "ففروا
إلى الله"، أما الماجن العاصي فقد ظل يبارز الله تعالى بالمعصية ستين
سنة، وفي إحدى الليالي أتى الرجلَ الماجنَ الفاجرَ العاصي ملكٌ يذكره بالله تعالى،
قال له الملك: إلى متى تبقى على هذه الحالة؟ كم بقي من عمرك؟ ماذا فعلت لك المعاصى
إلا تسويد الوجه، وإلا غضب الرب؟ فقال: والله لأتوبن الآن.
وأما العابد فقد تسلل إليه شيطان، فقال له: عبدت الله
تعالى ستين سنة، وأنت كما أنت على حالتك، لم يتقدم شيء، ولم يتأخر شيء، فما بالك
لو نزلت إلى أخيك الذي يفعل المعاصي كي تجرب هذه المعاصي، لعلك تذوق لذتها، وكان
في لحظة انكسار فاستجاب للشيطان، الرجل الطائع الذي سيفسق كان يعيش في الطابق
الأعلى، والعاصي كان يعيش في الطابق الأدنى، العاصي صاعد إلى أخيه لكي يتوب،
والعابد نازل إلى أخيه لكي يغضب الله رب العالمين، فالتقيا على السلم فماتا، هذا
معنى فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فهو من أهل النار، أو يسبق عليه
الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فهو من أهل الجنة، فختم لكل واحد منهما على نيته، على
ما مات عليه، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ
خيرًا عَسلَهُ، قِيلَ: وما عَسلَهُ؟ قال: يَفتحُ لهُ عملًا صالِحًا قبلَ مَوتِه،
ثمَّ يَقبِضُهُ عليهِ"([1])، أي يستعمله بعمل صالح، وعسله يعني غفر له ذنوبه.