غزوة مؤتة


غزوة مؤتة في التاريخ العسكري من أصعب الغزوات وأشدها التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم، يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في كتابه: "السيرة النبوية" وَهِيَ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي نَحْوٍ من ثلاثة آلاف إلى أرض الْبَلْقَاءِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثَةَ إلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ: إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى النَّاسِ فَتَجَهَّزَ النَّاسُ ثُمَّ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ . وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ( )، لم يكتف ابن كثير رحمه الله تعالى بذكر أخبار الغزوة، بل من إعجابه بها تحول من مؤرخ إلى قصاص.
وقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الناس فقال: ((زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن قتل عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم))
قال النعمان: أبا القاسم إن كنت نبيًا فلو سميت من سميت قليلًا أو كثيرًا أصيبوا جميعًا، فلَمَّا حَضَرَ خُرُوجَهُمْ وَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا وَدَّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَنْ وَدَّعَ مِنْ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ يَا بْنَ رَوَاحَةَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا بِي حُبُّ الدُّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَذْكُرُ فِيهَا النَّارَ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71]، فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمْ اللَّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ، وَرَدَّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رضي الله عنه: لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً وَضَرْبَةً ذَاتَ فَزْعٍ تَقْذِفُ الزَّبَدا، ثمَّ إنَّ الْقَوْمَ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رضي الله عنه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَدَّعَهُ، ثُمَّ قَالَ:
فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَاَلَّذِي نُصِرُوا
إنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي ثَابِتُ الْبَصَرِ
أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ
ثُمَّ خَرَجَ الْقَوْمُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا وَدَّعَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ، ثم مضوا حتى نزلوا معاناً مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ، مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَالْقَيْنِ وَبَهْرَاءَ وَبَلِيٍّ مِائَةُ أَلْفٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنَ بَلِيٍّ
ودع النبي صلى الله عليه وسلم الوداع الأخير وكان متأكدًا أنهم سيتشهدون في هذه المعركة الصعبة، فَبَلَغَهُمْ أَنَّ هِرَقْلَ نَزَلَ بِمَآبَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ من الروم ومائة ألف من المستعربة، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانٍ لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَالُوا: نَكْتُبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُّونَا، فَإِمَّا أَنْ يَمُدَّنَا بِالرِّجَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ، فَنَمْضِيَ لَهُ، قَالَ: فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَقَالَ: يَا قَوْمِ، وَاللَّهِ إِنَّ الَّتِي تَكْرَهُونَ لَلَّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشَّهَادَةُ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلَا قُوَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إِلَّا بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا ظُهُورٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ، قَالَ فَقَالَ النَّاس: قَدْ وَاللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ، فَمَضَى النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ ، لَقِيَتْهُمُ الْجُمُوعُ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ، فَدَنَا الْعَدُوُّ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مُؤْتَةَ، فَالْتَقَى النَّاسُ عِنْدَهَا، فَتَعَبَّى الْمُسْلِمُونَ
جرت العادة أن العرب يلاقي بعضهم بعضًا، أما اليوم فهي حرب عالمية شديدة.. فَتَعَبَّى الْمُسْلِمُونَ" يعني أقاموا ميمنة وميسرة ووسطًا..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ مُؤْتَةَ فَلَمَّا دَنَا مِنَّا الْمُشْرِكُونَ رَأَيْنَا مَا لَا قِبَلَ لأحدٍ بِهِ مِنَ الْعُدَّةِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ، فَبَرِق بصري، فقال لي ثابت بن أرِقم رضي الله عنه: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كَأَنَّكَ تَرَى جُمُوعًا كَثِيرَةً؟ قلت نعم! قال إنك لم تشهد بدراً معنا، إِنَّا لَمْ نُنْصَرْ بِالْكَثْرَةِ"، ثُمَّ اقْتَتَلُوا وَالرَّايَةُ فِي يَدِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ بِهَا حَتَّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ، وَخَرَّ صَرِيعًا، وَأَخَذَهَا جعفر، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا أَرْهَقَهُ الْقِتَالُ، اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَكَانَ جعفر أَوَّلَ مَنْ عَقَرَ فَرَسَهُ فِي الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْقِتَالِ، فَقُطِعَتْ يَمِينُهُ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ بِيَسَارِهِ فَقُطِعَتْ يَسَارُهُ، فَاحْتَضَنَ الرَّايَةَ، حَتَّى قُتِلَ، قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه "يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا طَيِّبَةٌ بَارِدَةٌ شَرَابُهَا وَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا"، ثُمَّ أَخَذَ الراية عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رضي الله عنه وَتَقَدَّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ قَالَ:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ لَتَنْزِلِنَّ أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ إنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرَّنَّهْ
مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ
هَلْ أَنْتِ إلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ؟
يَا نَفْسُ إلَّا تُقْتَلِي تَمُوتِي هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيَتْ
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتُ إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتُ
"فِعْلَهُمَا" أي زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما، أخذ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رضي الله عنه الراية الآن بعد استشهاد زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم يصف المعركة للصحابة رضي الله عنه كأنه يراها، ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدًا، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدًا»، ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدًا))، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((لقد رفعوا إليَّ في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارًا عن سريري صاحبيه، فقلت عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بن رواحة بعض التردد ثم مضى)).
الآن المعركة على أشدها فقد استشهد الأمراء الثلاثة رضي الله عنهم، ليس فقط جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه هو شهيد مؤتة، ولكن الذي فتح الله تعالى به بلاد الحبشة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه الذي هاجر إلى الحبشة مرتين.. جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه الذي شارك في فتح خيبر، إن طال بنا الزمان إن شاء الله تعالى نكمل غزوة مؤتة التي لم تنته وما سيأتي سيكون أعظم إن شاء الله تعالى لأن نصر المسلمين حدث مع
استشهاد الأمراء الثلاثة رضي الله عنهم.


تصفح أيضا

المجيب

المجيب

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض