حال العبد مع
أسماء الله الحسنى وصفاته:
ومداار الأمر
في الوصول إلى الله – تعالى – من أسمائه الحسنى وصفاته يأتي من خلال معرفة العبد
بتفرد الله – تعالى – بالضر، والنفع، والعطاء، والمنع، والخلق، والرزق، والإحياء،
والإماتة، يثمر له عبودية التوكل عليه باطنًا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا،
وعلمه بسمعه – تعالى – وبصره، وعلمه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا
في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يثمر له حفظ
لسانه، وجوارحه، وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء
بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياة باطنًا، ويثمر له الحياة اجتناب
المحرمات والقبائح، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه، ورحمته توجب له سعة
الرجاء، وتثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته، وعلمه،
وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له
تلك الأصول الباطنة أنواعًا من العبودية الظاهرة هي موجباتها، وكذلك علمه بكماله
وجماله وصفاته العلى يوجب له محبة خاصة بمنزلة أنواع العبودية، فرجعت العبودية
كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات، وارتبطت بها ارتباط الخلق بها فخلقه – سبحانه –
وأمره هو موجب أسمائه وصفاته من العالم، وآثارها، ومقتضاها ؛ لأنه لا يتزين من
عباده بطاعتهم، ولا تشينه معصيتهم .
إن المسلم إذا
تمعن في كل صفة من صفات الله – تعالى – على حدة فإنه يؤثر تأثيرًا مباشرًا في
إحياء العبودية لربه صاحب تلك الصفات، وتقوي عنه أسس المراقبة له فيزداد إيمانه،
وتتأصل عنده الأمانة، وتتمكن في نفسه التكاليف، ويتذكر يوم القيامة، ويفوز بالجنة
ورضى ربه عليه، وفيما يلي أمثلة على ذلك:
أولًا صفة
الوحدانية لله – تعالى -:
ومعناها أن
الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لا شريك له في خلق الخلائق، وتدبير أمرهم، وهم
جميعًا ملك له، ورهن قبضته، وطوع مشيئته الغالبة، وكل هذا الإحساس الذي تنشئه صفة
الوحدانية في النفس الإنسانية يخدم مبدأ المسئولية ويجليه في الفكر والشعور،
فالخالق الواحد هو: الآمر الناهي الرقيب الحسيب المعز المذل الحكم العدل، لا شريك
معه يخشى فيطاع، أو يرجى فيسأل، وإنما هو إله واحد فرد صمد .
فالإنسان إذا
تحقق من معنى الوحدانية، أشرقت في قلبه معاني المسئولية العظمى تجاه الذي خلقه
فسواه، ثم أطعمه وسقاه، فأدرك أن الذي يستحق الطاعة والعبادة هو الله الواحد
الديان، وأنه وحده أهل للخشية والتقوى والشكر والإنابة، فإذا أسلم وجهه إليه اطمأن
على نفسه من كل الشرور، وأمن عليها من كل الأخطار، وتيقن أنه لا يقع في ملك الله
إلا ما أراد واختار .
فالتوحيد الذي
تقوم عليه الديانات السماوية ينسجم تمامًا مع مسئولية الإنسان بحيث تتحدد به وجهته
في الحياة، ويحتمي في ظله من التمزق النفسي والتشتت الفكري الملازم لتعدد الأرباب
وتضارب مراداتهم {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ
وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [ الزمر: 29] .
إن وحدانية
الله – تعالى – تحقق التوحيد في مصدر المسئولية ومقاييسها ونتائجها، وتقيمها على
أساس العدل المبين .
ويبرز ذلك في
متعلقات التكليف من الجهات التالية:
توحيد مصدر
التكليف: فمصدر المسئولية الشرعية هو الله وحده، وكل تكذيب يتوجه إلى الإنسان في
إطار الشرع المستوعب لقضايا الحياة يلزم أن يؤسس على مراد الله من عباده، وكل
اجتهاد تشريعي لا بد أن يوصل بكليات الدين ومقاصده العامة، ويربط إلى الأدلة
الشرعية المعتبرة {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ
أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا
تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ
مَنْ يُنِيبُ} [ الشورى: 13] .
وقال – تعالى
-: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ
اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [ الشورى: 21].
وزادت
السنة هذا الأمر تأكيدًا ووضوحًا، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول
الله – صلى الله عليه وسلم -: «من صنع أمرًا على غير أمرنا فهو رد»