ثمرات الصدق نأتي إلى بيان ثمرات الصدق الذكية التي يجنيها أهل الصدق مع الله تعالى. الثمرة الأولى: راحة النفس، فالصادق في أقواله وأفعاله يشعر براحة النفس، وهدوء الخاطر، وطمأنينة لا حدود لها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ، فإنَّ الصِّدقَ طُمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ رِيبةٌ"، فالكذاب دائمًا في حيرة وقلق، تعصف به الاضطرابات النفسية كعصف الرياح بأوراق الشجر البالية، أما الصادق فلا يشعر إلا بالراحة والأمان والاطمئنان، لأنه في حمى الرحمن. الثمرة الثانية: البركة في الكسب وزيادة الخير، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "البَيِّعَان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقَت بركة بيعهما". الثمرة الثالثة: الفوز بمنزلة الشهيد، لقوله صلى الله عليه وسلم "مَن سَألَ الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه"( )، فلو اشتاقت نفسك إلى الجهاد وخوض الحرب المقدسة ضد أعداء الله لرفع راية الله، وأخلصت النية في طلبك للشهادة بلَّغَكَ الله منازل الشهداء وإن متَّ على فراشك في دارك، ومثل هذا يظهر مما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الذين حبَسَهُم العذر يوم تبوك، والحديث يرويه أنس بن مالك، وفيه "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجَعَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنا مِنَ المَدِينَةِ، فقالَ: إنَّ بالمدِينَةِ أقْوامًا، ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، ولا قَطَعْتُمْ وادِيًا إلَّا كانُوا معكُمْ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وهُمْ بالمدِينَةِ؟ قالَ: وهُمْ بالمدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ"، فانظر كيف أن النية الصادقة جعلت أجر الغازي في سبيل الله كأجر غير الغازي. الثمرة الرابعة: النجاة مِنَ المكروه، فقد حكى بعض الصالحين أن رجلًا هاربًا ظل يعدو ويجري خلفه الناس يطلبونه، فلجأ إلى بيت أحد الصالحين الصادقين، فقال له: اخفني يرحمك الله، فهناك من يبحث عني، فما وجد الرجل الصالح غير أن قال له: نَمْ هنا، ثم ألقى عليه حزمة من الحطب! فجاء مَن يبحثون عنه، فقالوا: أيها الرجل الصالح، أين الهارب؟ لقد رأيناه يدخل هنا، فقال الرجل لصدقه: إنه هنا تحت هذا الحطب، فظنوا أنه يسخر منهم ويهزأ بعقولهم، فتركوه وانصرفوا.. فنجا الرجل الهارب ببركة صدق الرجل الصالح. ويُحكَى أن رجلًا كان يعصِي الله سبحانه، وكان فيه كثير من العيوب، فحاول أن يصلح نفسه فلم يستطع، فذهب إلى عالم، وطلب منه وصية يعالج بها عيوبه، فأمره العالم بأن يعالج عيبًا واحدًا وهو الكذب، وأوصاه بالصدق في كل حال.. أراد الرجل أن يشرب خمرًا فاشتراها، وملأ كأسًا منها، وعندما رفعها إلى فمه قال: ماذا أقول للعالم إن سألني: هل شربت خمرًا؟ فهل أكذب عليه؟ لا، لن أشرب الخمر أبدًا. وفي اليوم التالي أراد الرجل أن يفعل ذنبًا آخر، لكنه تذكر عهده مع العالم بالصدق، فلم يفعل ذلك الذنب، وكلما أراد الرجل أن يفعل ذنبًا امتنع عن فعله حتى لا يكذب على العالم، وبمرور الأيام تخلَّى الرجل عن كل عيوبه بفضل تمسكه بخلق الصدق. فالصدق من أجَلِّ الأخلاق وأعظمها، وهو منبع كثير من الفضائل الخلقية، حيث تتشعب منه الأمانة والعفة والوفاء والشجاعة وغيرها، وهو ليس قاصرًا على صدق القول، بل يشمل صدق الفعل والحال، كما قال المحاسبي: الصدق في ثلاثة أشياء لا يتم إلا بها: صدق القلب بالإيمان تحقيقًا، وصدق النية في الأعمال، وصدق اللفظ في الكلام. من كتاب الأدعية ابحث عن الصادقيين لفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي