الكريم
اسم من أسماء الله – تعالى – الحسنى، ومعناه أنه دائم المعروف،
وهو الغني الأكرم، كثير النوال، ذو الطول والإنعام، يداه مبسوطتان، يعطي من يشاء لمن
يشاء، وكيف يشاء بغير سؤال، وهو كثير العطاء، دائم الإحسان، واسع الكرم، إذا قدر
عفا، وإذا وعد وفى، وإذا سئل أعطى، وكفى، لا يضيع من أقبل عليه، ولا يترك من التجأ
إليه.
وورد ذكر اسم الله الكريم في قوله – تعالى -: {فَتَعَالَى اللَّهُ
الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [
المؤمنون: 116].
وقال – تعالى -: { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ
بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [ الانفطار: 6].
وقال – تعالى -: { وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [ النمل: 40 ].
ويختص هذا الاسم بعدة خصائص:
الأولى: أن الكريم هو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفا، وإذا أعطى
زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ؟ ولمن أعطى؟ وإن وقعت حاجة إلى غيره لا
يرضى، وإذا جفي عاتب، وما استقصى، ولا يضيع من لازمه، والتجأ، ويغنيه عن الوسائل
والشفعاء، فمن اجتمع له في جميع ذلك لا بالتكلف فهو الكريم المطلق، وذلك هو الله –
تعالى – فقط .
الثانية: أن الكريم هو الجامع لأنواع الخير والشر، والفضائل، ولا يضيع
من توسل إليه، ولا يترك من التجأ إليه.
الثالثة: أن الكريم هو الدائم البقاء الجليل بالذات الجميل
بالصفات .
انعكاسات وتجليات الاسم على حياة المسلم:
اعلم أخي المسلم أنه إذا ذكرت اسم الله – تعالى – الكريم، وآمنت
به حق الإيمان، فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: يدفع بالإنسان المسلم إلى إنعاش حقوق المسلمين:
عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْعَشَ حَقًّا بِلِسَانِهِ مُجْرًى لَهُ
أَجْرُهُ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوَفِّيَهُ ثَوَابَهُ».
الثانية: يجعل المسلم دائمًا ناصرًا للمظلوم آخذًا على يد الظالم
:
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَرُدُّهُ
عَنِ الظُّلْمِ».
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُصْرَةِ الْمَظْلُومِ».
الثالثة: يدفع المسلم إلى معونة إخوانه والسعي في حوائجهم:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ،
مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ
لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ،
وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ».
وعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ،
لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي
حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا
كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ
اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "
أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ: كَالرَّجُلِ المُسْلِمِ لاَ يَتَحَاتُّ
وَرَقُهَا، وَلاَ وَلاَ وَلاَ تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ " قَالَ ابْنُ
عُمَرَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ،
وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلَّمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَلَمَّا لَمْ
يَقُولُوا شَيْئًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ
النَّخْلَةُ» فَلَمَّا قُمْنَا قُلْتُ لِعُمَرَ: يَا أَبَتَاهُ، وَاللَّهِ لَقَدْ
كَانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ
تَكَلَّمَ؟ قَالَ: لَمْ أَرَكُمْ تَكَلَّمُونَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ
أَقُولَ شَيْئًا، قَالَ عُمَرُ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
كَذَا وَكَذَا.
الرابعة: يجعل المسلم عطاء في الخير:
عن أبي كَثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ
أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ بِهِ دَخَلَ
الْجَنَّةَ قَالَ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فقَالَ "يُؤْمِنُ بِاللَّهِ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّ مَعَ الْإِيمَانِ عَمَلًا قَالَ يَرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ قُلْتُ
وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا لَا شَيْءَ لَهُ قَالَ يَقُولُ مَعْرُوفًا بلسانه قال قلت
وإن كَانَ عَيِيًّا لَا يُبْلِغُ عَنْهُ لِسَانُهُ قَالَ فَيُعِينُ مَغْلُوبًا
قُلْتُ فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا قُدْرَةَ لَهُ قَالَ فَلْيَصْنَعْ لِأَخْرَقَ
قُلْتُ وَإِنْ كان أخرق قال فالتفت إلي وقال مَا تُرِيدُ أَنْ تَدَعَ فِي
صَاحِبِكَ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ فَلْيَدَعِ النَّاسَ مِنْ أَذَاهُ فَقُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ كَلِمَةُ تَيْسِيرٍ فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ
مِنْهَا يُرِيدُ بِهَا مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا أَخَذَتْ بيده يوم القيامة حتى
تدخله الجنة".
الخامسة: يجعل المسلم كريمًا جوادًا منفقًا واثقًَا بالله تعالى:
قال – تعالى -: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [ سبأ: 39].
وقال – تعالى -: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ
نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ
وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ
يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 270 - 272].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ
الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى
مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
فالكرم من أفضل الخصال، أما البخل فإنه من أسوئها، لذلك كان
الإسلام دين الكرم، وقد احتل إكرام الضيف فيه مكانة بارزة ومنزلة عظيمة .
وإكرام الضيف صفة تحلى بها الأنبياء والمرسلون، وكان رسولنا – صلى
الله عليه وسلم – أجود الناس وأكرم الناس، وأفضل الناس – صلى الله عليه وسلم -، ولقد
حثنا ديننا الحنيف على إكرام الضيف، فقد قال – تعالى – مخبرًا عن كرم أبي الأنبياء
إبراهيم – عليه السلام -: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ
الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ
قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [ الذاريات: 24- 27].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
ولإكرام الضيف فيا الإسلام آداب، نذكر منها ما يلي:
- استقباله بالترحيب والبشاشة وطلاقة الوجه، وأن نجلسه في مكان
مريح ومناسب له، وأن نعرفه مكان قضاء الحاجة .
- إعداد الطعام بحسب الاستطاعة ودون تكلف .
- تلبية مطالب الضيف وقضاء حاجته في حدود الاستطاعة حتى ينصرف وهو
راضي النفس، مجبور الخاطر .
- ألا نستخدم الضيف في أي عمل؛ لأن ذلك مما يتنافى مع المروءة
والأدب.
- التحدث مع الضيف بما يحب في حدود طاعة الله تعالى، وأن نشعره
بالفرحة للقائه والأسف لفراقه .
- عدم الشكوى من ضيق اليد أمام الضيف والحذر من التبرم أو
الانفعال أو ضرب أحد أمامه (الطفل مثلًا).
- تعجيل الضيافة بتقديم الطعام على وجه السرعة قال – تعالى -: {وَلَقَدْ
جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ
فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69]. أي: أن إبراهيم – عليه
السلام – لم يتأخر عن إكرام الضيف .
- أن يباشر المرء خدمة ضيفه بنفسه، وأن يلاطفه في الكلام على
الطعام، قال – تعالى -: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ}
[الذاريات: 27].
- ألا يستضيف المسلم أهل
البدع والضلال، وألا يدعوهم إلى طعام لإحياء بدعتهم ؛ لأن في ذلك تعاون على الإثم
والعدوان.
- عند مغادرة الضيف، يقوم صاحب البيت بتوديعه إلى خارج البيت، وإن
كان مسافرًا يودعه في مكان مغادرته .
هذا وعلى الضيف نفسه أن يراعي بعض الآداب عند زيارته لأخيه، منها:
- عند النزول ببيت أحد الأصدقاء فمن اللائق أن يراعى مواعيد خروج
صاحب البيت إلى عمله، بحيث يخرج معه، ولا يتسبب في تعطيله عن العمل، وعند العودة
إلى البيت يجب أن يعود مع صاحب البيت.
- ألا يغادر بيت المضيف إلا بعد استئذانه .
- على الضيف أن يشكر لأهل البيت ضيافتهم له، قال – صلى الله عليه
وسلم -: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ».
- أن يدعو الضيف لأهل البيت، فكما ورد أن النبي – صلى الله عليه
وسلم – أكل عند سعد بن عبادة، ثم قال: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ،
وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ».
وورد ذكر اسم الله الكريم في قوله – تعالى -: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [ المؤمنون: 116].
وقال – تعالى -: { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [ الانفطار: 6].
وقال – تعالى -: { وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [ النمل: 40 ].
ويختص هذا الاسم بعدة خصائص:
الأولى: أن الكريم هو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفا، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ؟ ولمن أعطى؟ وإن وقعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب، وما استقصى، ولا يضيع من لازمه، والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء، فمن اجتمع له في جميع ذلك لا بالتكلف فهو الكريم المطلق، وذلك هو الله – تعالى – فقط .
الثانية: أن الكريم هو الجامع لأنواع الخير والشر، والفضائل، ولا يضيع من توسل إليه، ولا يترك من التجأ إليه.
الثالثة: أن الكريم هو الدائم البقاء الجليل بالذات الجميل بالصفات .
انعكاسات وتجليات الاسم على حياة المسلم:
اعلم أخي المسلم أنه إذا ذكرت اسم الله – تعالى – الكريم، وآمنت به حق الإيمان، فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: يدفع بالإنسان المسلم إلى إنعاش حقوق المسلمين:
عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْعَشَ حَقًّا بِلِسَانِهِ مُجْرًى لَهُ أَجْرُهُ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوَفِّيَهُ ثَوَابَهُ».
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَرُدُّهُ عَنِ الظُّلْمِ».
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ».
عن أبي كَثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ "يُؤْمِنُ بِاللَّهِ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مَعَ الْإِيمَانِ عَمَلًا قَالَ يَرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ قُلْتُ وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا لَا شَيْءَ لَهُ قَالَ يَقُولُ مَعْرُوفًا بلسانه قال قلت وإن كَانَ عَيِيًّا لَا يُبْلِغُ عَنْهُ لِسَانُهُ قَالَ فَيُعِينُ مَغْلُوبًا قُلْتُ فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا قُدْرَةَ لَهُ قَالَ فَلْيَصْنَعْ لِأَخْرَقَ قُلْتُ وَإِنْ كان أخرق قال فالتفت إلي وقال مَا تُرِيدُ أَنْ تَدَعَ فِي صَاحِبِكَ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ فَلْيَدَعِ النَّاسَ مِنْ أَذَاهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ كَلِمَةُ تَيْسِيرٍ فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا يُرِيدُ بِهَا مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا أَخَذَتْ بيده يوم القيامة حتى تدخله الجنة".
قال – تعالى -: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [ سبأ: 39].
وقال – تعالى -: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 270 - 272].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
وإكرام الضيف صفة تحلى بها الأنبياء والمرسلون، وكان رسولنا – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس وأكرم الناس، وأفضل الناس – صلى الله عليه وسلم -، ولقد حثنا ديننا الحنيف على إكرام الضيف، فقد قال – تعالى – مخبرًا عن كرم أبي الأنبياء إبراهيم – عليه السلام -: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [ الذاريات: 24- 27].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
- استقباله بالترحيب والبشاشة وطلاقة الوجه، وأن نجلسه في مكان مريح ومناسب له، وأن نعرفه مكان قضاء الحاجة .
- إعداد الطعام بحسب الاستطاعة ودون تكلف .
- تلبية مطالب الضيف وقضاء حاجته في حدود الاستطاعة حتى ينصرف وهو راضي النفس، مجبور الخاطر .
- ألا نستخدم الضيف في أي عمل؛ لأن ذلك مما يتنافى مع المروءة والأدب.
- التحدث مع الضيف بما يحب في حدود طاعة الله تعالى، وأن نشعره بالفرحة للقائه والأسف لفراقه .
- عدم الشكوى من ضيق اليد أمام الضيف والحذر من التبرم أو الانفعال أو ضرب أحد أمامه (الطفل مثلًا).
- تعجيل الضيافة بتقديم الطعام على وجه السرعة قال – تعالى -: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69]. أي: أن إبراهيم – عليه السلام – لم يتأخر عن إكرام الضيف .
- أن يباشر المرء خدمة ضيفه بنفسه، وأن يلاطفه في الكلام على الطعام، قال – تعالى -: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [الذاريات: 27].
- ألا يستضيف المسلم أهل البدع والضلال، وألا يدعوهم إلى طعام لإحياء بدعتهم ؛ لأن في ذلك تعاون على الإثم والعدوان.
- عند مغادرة الضيف، يقوم صاحب البيت بتوديعه إلى خارج البيت، وإن كان مسافرًا يودعه في مكان مغادرته .
هذا وعلى الضيف نفسه أن يراعي بعض الآداب عند زيارته لأخيه، منها:
- عند النزول ببيت أحد الأصدقاء فمن اللائق أن يراعى مواعيد خروج صاحب البيت إلى عمله، بحيث يخرج معه، ولا يتسبب في تعطيله عن العمل، وعند العودة إلى البيت يجب أن يعود مع صاحب البيت.
- ألا يغادر بيت المضيف إلا بعد استئذانه .
- على الضيف أن يشكر لأهل البيت ضيافتهم له، قال – صلى الله عليه وسلم -: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ».