إذا كان الله أنيسك وطاعته جنتك فلا تخف
من نار المخلوقين
من
حفظ الله فى الرخاء حفظه فى كل شدة وبلاء، وإن الله أكرم من أن يترك عبده المطيع فى
وحشة الألم والحزن لحظة، وإن ابتلاء الله للعبد المطيع الصالح هو دليل الحب، فلا تأسف
ولا تحزن ولا تأسى إذا أصابك البلاء مرة فإنه بلاء من الحبيب، وإن الرحيم بعباده الذى
أخلصت له فى وقت الرخاء سيجيبك وقت الشدة فبيده الأمر من قبل ومن بعد، وهو الذى يبتلى
أحبابه ولا يردهم عن بابه.
إذا
أصابك بلاء فاجعل أنسك بالله وناجه فى هدأة الليل، قل له: يا رب أنت المعطى وأنت المانع،
كل شيء بيدك، ولا يخرج شيء عن ملكك، ما أعظمك، من لى غيرك إذا أغلقت بابك دوني، مناجاتك
زادي، وقربك جنتي، وطاعتك نعمة على لا أبلغ شكرها، كيف يدخل الحزن قلبى وأنت الحبيب،
وكيف أحس بوحشة وأنت الأنيس، لو يعلم الناس لذة مناجاتك لعلموا أنى فى ظاهر البلاء
الذى يرونه بى فى أعظم النعم، وفى ظل ظليل، يحجب عنى هجير الحياة، وألم البلاء.
إن
الذين يأنسون بالله فى كل أحوالهم، علموا أن الله أعظم محبوب، وإن لنا فى التاريخ ومضات
مضيئة لثبات قلوب المحبين ونجاة الصالحين بدعائهم لمن يملك أمر الدنيا والآخرة، ومن
أمثلة الذين نجاهم الله وقت الشدة لأنهم حفظوا الله أبو مسلم الخولانى.
فها
هوَ الأسودُ العنسى ذلكم الساحرُ الظالمُ الذى ادعى النبوةَ فى اليمن: يجتمعُ حولَه
اللصوصُ وقطاعُ الطرق، ليكونُ فرقةً ليذبحَ الصالحين المخلصين لله، وكان من هؤلاء أبو
مسلمٍ الخولانى عليه رحمةُ الله ورضوانه.
عذبَه
فثبتَ كثباتِ سحرةِ فرعون، حاول أن يثنيَه عن دعوته قال: كلا والذى فطرنى لن أقف فاقض
ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا، فما كان منه إلا أن جمع الجموع كلها وقال
لهم: إن كان داعيتكم على حق فسينجيه الحق، وإن كان على غيرِ ذلك فسترون، ثم أمرَ بنارِ
عظيمةِ فأضرمت، ثم جاءَ بأبى مسلم الخولانى عليه رحمة الله فربط يديه وربط رجليه ووضعوه
فى مقلاع ثم نسفوه فى لهيب النار ولظاها، وإن هذه النار كما يقولون: كان يمر الطير
من فوقها من عظم ألسنة لهبها؛ فتسقط الطيور فى وسطها، وهو بين السماء والأرض لم يذكر
إلا الله جل وعلا وكان يقول: حسبى الله ونعم الوكيل.
ليسقطَ
فى وسط النار، وكادت قلوبُ الناس أن تنخلع وكادت أن تتفطر، وانتظروا والنارُ تخبو شيئًا
فشيئًا وإذ بأبى مسلم قد فكتُ النارُ وثاقَه، وثيابه لم تحترق، ورجلاه حافيتان يمشى
بهما على الجمر ويتبسم، ذهل الأسود العنسى، وخاف أن يسلم من بقى من الناس فقام يتهددهم
ويتوعُدهم.
أما
هذا الرجل فانطلق إلى المدينة النبوية، إلى أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى
خلافةِ أبى بكر، ووصل إلى المسجد وصلى ركعتين، ويسمعُ عمرُ رضى الله عنه بهذا الرجلِ،
فينطلقُ إليه يأتى إليه ويقول: أأنت أبو مسلم؟
قال:
نعم. قال: أنت الذى قذفت فى النارِ، وأنقذك اللهُ منها؟
قال
نعم، فيعتنقُه ويبكى ويقول: الحمد لله الذى أرانى فى أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم
من فعلَ به كما فعلَ بإبراهيم عليه السلام.
إذا
كان الله أنيسك فلا تخف من نار المخلوقين، ولا يضرك كيد الكائدين، ولا تترك الحزن يتسلل
إلى قلبك، وابتسم لأن قلبك مليء بنور الإيمان.