((المحنة في المنحة، والمنحة في المحنة)) من كتاب خزائن الحكم لفضيلة الدكتور / أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامى
المحن موجودة في الحياة، أي أن الحياة بها مشاكل، معنى المحن، أي المشاكل والأزمات، وهي موجودة، والمنح أيضا موجودة، لكن في هذا ابتلاء، وفي هذا ابتلاء، فإذا منحك امتحنك، وهذا قول الشيخ: ((المحنة في المنحة))، الله تعالى يمنحك، لكي يمتحنك، وماذا أيضا؟ والمنحة في المحنة، الله تعالى يمتحنك لكي يرفعك، هذا هو ملخص هذه الحكمة. فالإنسان بين مجموعة تناقضات، تأتيه محنة؛ فيحزن من المحنة؛ لأنها تقصم ظهره، وتأتيه منحة؛ فيفرح، ولا حرج أن يفرح، لكن هو لا يدري ربما كانت هذه المنحة ابتلاء شديدًا له. مثال على ذلك: شخص يسعى لمنصب ما، هو يعتقد خطأ أن عدم وصوله للمنصب هذه محنة بل مصيبة، ولكن الله تعالى ينبهه، المنصب سيأتي لك على سبيل المنحة، لكن سيكون داخل المنحة محنة. ما هي المحنة؟: أنه لا يدوم لك، ولو دام إلى غيرك ما وصل إليك، هذه الحكمة بين المنع والعطاء، المنع له حكمة، والعطاء له حكمة، المرض محنة، لكن في داخله منحة، ورد في صحيح مسلم((إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي))( )، فالله تعالى يفتح على العبد بالمال أو يغتني بالمال هذا منحة، لكن في داخل المنحة محنة، داخل العطاء توجد ابتلاءات، قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44]، هذه منحة، {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]، هذه محنة. الله تعالى أعطاهم منحة، لكن داخل المنحة محنة.. الرجل طلب المال، فقال: يا رب أريد مالًا لكي أتصدق به وأكون غنيًّا، وأعطي عباد الله، فـأعطاه الله المال وزاده هذا المال من الله تعالى منحة، لكنه للعبد محنة، لماذا؟. لأنه سيفشل في إدارة المال، فهذا المال الذي ظاهره منحة أصبح في الواقع محنة؛ لأنه سيحاسب عليه حسابًا عسيرًا، ويقول يوم القيامة: يا ليتني قدمت لحياتي، يا ليتني كنت فقيرًا. حياة الإنسان بين المتناقضات من المنع والعطاء، وهو لا يعرف أين الخير، حياة الإنسان بين الإشراق والإخفاق، فالإشراق أي يرتفع يرتفع، وبعد ذلك يخفق ويخفق ويخفق، وهو يرتفع يجب عليه أن يتذكر ساعات الإخفاق؛ لأنه لن يبقى مرتفعًا العمر كله، فهكذا هي الحياة.. الإشراق يصحب الإخفاق. وساعات التوبة وساعات الغفلة وساعات الضحك وساعات البكاء، نضحك لكي نبكي، ونبكي لكي نضحك، ويبكي غيرنا لكي نبكي معهم، ويبكي غيرنا لكي نضحك عليهم، {وأنه هو أضحك وأبكى}[النجم: 43]. الموت محنة ومنحة: محنة لأنه فراق صعب، ولأنه مصيبة، لكنه منحة من الله رب العالمين لك، لماذا؟ لأن استمرارك في الحياة مستحيل. أتعمر ألف سنة، كما عمر نوح عليه السلام؟ وماذا بعد؟ الموت في ظاهره محنة، ولكن في باطنه منحة، الله تعالى يريحك بالموت، لكي لا تقهر نفسك، وتذل نفسك للناس. قد ينظر الإنسان إلى الظواهر ويترك البواطن، فينظر إلى آلام المخاض وينسى فرحة الميلاد، إن الذهب حينما يستخرج خامًا لا بد أن يوضع في النار حتى ينقى من الشوائب ويصير ذا قيمة كذلك تفعل المحن بالمسلم، قال تبارك وتعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 141]. وفوائد المحن كثيرة، منها: أنها تظهر الصديق من العدو، وتعرف الإنسان محبيه من مبغضيه فيظهرون وقت الشدة، أما المحب فيقف بجانبك منصفًا، وأما المبغض فيقف وراءك شامتًا، والشماتة ليست من خلق المسلم وفي الأثر ((لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك))( )، وقد قال الشاعر: جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُـلَّ خَيْرٍ وَإِنْ كَانَتْ تُــغَصِّـصُنِي بِـرِيـقِي وَمَا شُكْرِي لَهَا حَمْدًا وَلَكِنْ عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي وفي المحن يبحث لك المحبون عن عذرٍ، والمبغضون يبحثون لك عن عثرة، والمنصفون يوازنون الأمور حتى يحكموا بالعدل... وفي النهاية من المحن تأتى المنح.