صوم القلب دواء القلوب وهدى للإنسان
صوم القلب هو الثمرة
اليانعة، والنور الذي يهدي الإنسان في سبل الحياة. فإذا صام قلبك عرف طريق الله،
وأحس بحلاوة الإيمان، ورق للمسكين والفقير، وهانت عليه الدنيا، وامتلأ حبًا وشوقًا
للقرب من رب العالمين.
وصوم القلب أن تنقيه من
كل الشوائب التي تحول بينك وبين ربك، وكل الحجب التي تحجب عنك حقيقة العبادة
والمعرفة.
صوم القلوب ثمرة للتفكر
والتأمل، ومدعاة للزهد في الدنيا بملذاتها وأترافها وهو من أرقى أنواع الصيام، وقد
سمَّاه الغزالي - رحمه الله - في (الإحياء): بصيام (خصوص الخصوص)، وهو عبارة عن
صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله بالكلية، فهو
إقبال بكل الهمة على الله - عز وجل - وانصراف عن غير الله سبحانه.
ما أروع هذه الكلمات أن
تكف نفسك عما سوى الله تعالى، وأن تولي وجهك لربك فتنشغل به عما سواه، ولا تدعو
إلا إياه، تهيم في عالم الحب والتسبيح والذكر والدعاء والتضرع، أي حلاوة، وأي نعيم
يضاهي نعيم خلوتك بربك، وانقطاعك إليه، وقربك منه.
إنه الله، الذي خلقك في
البدء، وتعود إليه في الختام، فما أجمل وأروع وأجل أيام تعود إليه في الدنيا قبل
أن تعود إليه في الآخرة.
القلب هو محل السعادة
والشقاء، والإيمان والكفر، واليقين والشك، وإنما فرض الصيام لأسرار وحكم لا يدركها
مَن كان أكبر همه أن يمتلئ بطنه بعد طول فراغ، وأن يطفئ حرارة الجوع، وشدة العطش
عند مغيب الشمس، وذلك آخر عهده بالصوم.
فبالصوم تنسد مسالك
الأكل والشرب، ويفرغ القلب للتذكُّر والتدبُّر، والنظر والتأمُّل، فيرى حقيقة
الدنيا وحقارتها، وقلة شأنها وهوانها، وأنها مهما عظمت فهي حقيرة، ومهما طالت فهي
قصيرة.
فإذا صام القلب؛ فإنه
يصبح قلبًا طاهرًا عامرًا بحب الله، فقد أخرج ابن ماجه بسند صحيح عن عبد الله بن
عمرو - رضي الله عنهما - قال: (قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال:
كل
مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو
النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد).
إن الله عز وجل لا ينظر
إلى الظاهر إنما محل نظر الرب إلى القلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في (صحيح
مسلم): (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
وكان النبي صلى الله
عليه وسلم يقول كما في (مسند الإمام أحمد): (التقوى ها هنا) ويشير إلى صدره.
فإذا صلح القلب واستسلم
صلحت الجوارح واستقامت كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن
بشير - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن
في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
الصوم دواء القلب
وسكينته وطمأنينته وهداه، والنور الذي يغسل عنه الأحقاد والأمراض، والظل الذي
يقيهمن هجير العصيان والإباق، الصوم دواء القلب كما قال الحبيب النبي صلى الله
عليه وسلم: (ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال: صوم
ثلاثة أيام من كل شهر)رواه النسائي. ومعنى وحر الصدر: أي حقده وحسده.
يقول أبو سليمان
الداراني رحمه الله: (إن جاعت النفس وعطشت، صفا القلب ورقَّ، وإذا شبعت ورويت عمِي)،
نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا صفاء القلب ورضا الرب، وجنة القرب.