حول
إجابة الدعاء
الحمد لله رب العالمين، إن الحمد لله، لك الحمد على نعمائك الجزيلة وآلائك
العظيمة تُعطي بغير حساب، وتجود بغير حساب، وأنت المتفضل على عبادك وعلى عبيدك،
وأنت الجوَّاد الكريم، سبحان من على فعلى، سبحان من على فحكم، سبحان من حكم فقدَّر،
سبحان من قدَّر فغلب، سبحان من هو الرحمن المستعان على ما تصفون، والصلاة والسلام
على خير الأنام، سيد الأنام، ومفتاح دار السلام خير من بلَّغ ودعا وتضرَّع، وخير
من ركع وسجد وخضع، وأناب بين يدي قيوم السماوات والأرض، وعلى آله وصحبه الطيبين.
أحبابي
الكرام، إن هذه المناظرة تحمل مفاجآت عظيمة في مواجهة الفكر بالفكر، والملاحدة لا
يكفون، ولا يستريحون ولا يهدئون؛ لأنهم دائما يحبون أن يعكروا صفو الناس، ويعكروا
صفو الحياة، وهم مغتاظون من الدين وهم مغتاظون من الإسلام بصورة خاصة، ولذا جميع
الملاحدة في الأساس يهاجمون الإسلام لا غيره؛ لأن الإسلام مسموع، وودت لو أنني ذات
مرة جعلت عنوانا لإحدى هذه المناظرات لماذا يغتاظون من الإسلام؟
سبب
اغتياظ الملاحدة والعلمانيون من الإسلام
لماذا الملاحدة والعلمانيون يغتاظون من
الإسلام بالذات؟ والإجابة بإيجاز أنهم يغتاظون من الإسلام؛ لأن الإسلام مؤثر،
ودائما ضعاف النفوس على مستوى العالم لا يحبون المؤثرين أي إنسان مؤثر سترى له
أعداء كثيرين جدا، ومن هنا كثر الأعداء ضد سيدنا صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ النبي
الكريم كان مؤثرا تأثيرا بالغا تأثيرا شديدا، ومن تأثيره -صلوات ربي وسلامه عليه-
أن الكفار كانوا يسلمون وأنَّ اليهود والنصارى كانوا يسلمون لمجرد رؤيته، ورؤية
نوره صلى الله عليه وسلم.
ولكن
لماذا لا يهاجمون التوراة والإنجيل، ويهاجمون الإسلام؟!
أقول لكم: لأن الإسلام دين مؤثر، ولأنه مؤثر
يكثر تابعوه يوما بعد يوم حتى توشك دول أوروبية أن تكون هذه الدول مسلمة يوما ما،
وهذه النقطة بصراحة بالنسبة لي نقطة مهمة جدا جدا، والذين يتنبؤون ويرصدون المد
الإسلامي في العالم لا يخفى عليهم التنبؤات التي أشارت إلى أن بلجيكا مثلا على
سبيل المثال خلال أقل من نصف قرن ستكون دولة عربية إسلامية بحكم الغلبة العربية
والإسلامية هناك وأن القساوسة، وأن الفاتيكان نفسه تنبأ أن الولايات المتحدة
الأمريكية خلال قرن ستكون ولاية عربية إسلامية ليس بالقوة ولا بالتنظيمات
الإرهابية ولا التفجيرات، لا، ولكن بحكم المدّ الإسلامي بحكم التأثير الإسلامي،
وبحكم أن المسلمين مؤثرون في كل مكان أقوياء في كل مكان لا يستسلمون للصعاب في
حياتهم.
أحبابي الكرام، إنَّ هذا الكلام لا يُعجب
الملاحدة وأراهم غاضبين من كلامي؛ لأنهم يعتقدون بخلاف هذا تماما.
موضوع اليوم يختلف عن الغيظ من الإسلام، ونركز
فيه على قضية واحدة وهي إجابة الدعاء الملاحدة يقولون: إن ربكم يعدكم بالأماني
والوعود الخادعة، ثم لا يفعل لكم شيئا، كيف تصدقون أن الله تعالى يستجيب دعاءكم،
وأنتم لا زلتم على حالكم؟
ومن
الملاحدة من يقول: إنكم تخدعون أنفسكم وتخدعون الشعوب، وتصدرون الوهم عندما تؤمنون،
أو تعتقدون أن إلهكم يستجيب الدعاء، ولو استجاب إلهكم الدعاء ما كان هذا حالكم.
ومن الملاحدة أيضًا من يقول: لو أن إلهكم
استجاب الدعاء على المنابر ضد اليهود لانتصرتم على الأعداء، ولكن لا زال اليهود
يسيطرون على أجزاء مهمة من فلسطين وسوريا وغيرهم، ولم ينتصر العرب ولا المسلمون في
معاركهم مع اليهود رغم الدعاء المتواصل بطلب النصرة على اليهود.
ومن الملاحدة أيضا من يقول: إن إلهكم لا
يستطيع أن يستجيب لطلبات عباده؛ لأن طلباتهم كثيرة ومتنوعة، وهو على حد زعم هذا
الملحد لا يستطيع أن يستجيب لكل طلبات العباد.
ومن الملاحدة أيضا من يقول: إني أتحدى أن يكون إلهكم يسمع
دعاءكم أتحدى أن يكون إلهكم يسمع دعاءكم.
بالعقل
نتغلب على الملاحدة
أحبابي الكرام، من الواضح أن هذه المناظرة
مناظرة عاصفة مناظرة مرهقة مناظرة شديدة مناظرة قوية، وإني أحب المواقف الصعبة -أحبابي
الكرام- الحوار مع الملاحدة دائما لا نحتاج فيه إلى نصوص قرآنية، أو إلى نصوص
نبوية؛ لأنهم في الأساس ينكرون كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم،
وبالتالي يحتاجون إلى طريق آخر يقوم على العقل، وعلى إعمال العقل للتغلب على
كلامهم الفظّ الشديد الذي لا يرقى إلى مستوى التصديق عند المسلمين.
الملحد الأول يقول: إن الدعاء لا يُرفع ولا
يُستجاب، وليس هناك دعاء مستجاب وكل ما قرأتموه في قرآنكم عن الدعاء وعن استجابة
الدعاء هذه أمور خادعة، وأمور باطلة، ونقول له: حنانيك تمهل هل أصابك ضر يوما ما؟
فقال كثير، قلت له: ماذا فعلت؟ فقال: كنت أحيانا أنكفئ على نفسي حزينا كاسف البال،
وكنت أحيانا أخرى أبحث عن أحد أصدقائي لكي أفضفض معه، قلت له: عندما فضفضت معه على
حد قولك: هل استرحت؟ قال: جدا.
قلت له: لماذا جدا؟ فقال: لأنني أخرجت ما
عندي، وعندما أخرجت ما عندي استشعرت راحة تامة، وخففت الأعباء الثقال والتبعات
الثقال التي كانت تئن على صدري، وينوء بها ظهري، بمعنى أنك أيها الملحد عندما
فضفضت استرحت من الناحية النفسية، فقال: استرحت، قلت له: وهل استطاع زميلك الذي
فضفضت له أن يُغيثك في شيء؟ قال: نعم استمع إليهم أعطاني أذنيه لمدة ربع ساعة أو
ساعة وتحملني وتحمل همي وواساني وواساني وواساني.
قلت
له: إذًا فالإنسان عندما يشتد عليه الكرب يحتاج إلى أن يفضفض عن نفسه قال صحيح: هل
هذا كلام من الناحية النفسية أم من الناحية العقلية أم من الناحية الوجدانية، فقال:
من الناحية النفسية، وهذا صحيح من الناحية العقلية صحيح من الناحية الوجدانية، وهل
حديث البشر مع البشر فيه راحة؟ قال الملحد: نعم فيه راحة فيه سكينة، وتخفيف عن
معاناة الإنسان.
الدعاء تقديم شكوى لله تعالى
أحبابي الكرام، لعلكم لاحظتم أن الملحد رد
على كلامه بنفسه فهو يقول: إنه عندما تشتد عليه الأحوال، وتشتد عليه المصائب،
وتهجم عليه الهموم والأحزان، فإنه في حاجة إلى من يتحدث إليه، محتاج إلى من
يُعبِّر له عن شكواه، مجرد كلام كلام فقط من باب الراحة وإخراج ما في القلب وما في
الصدر، قلت له: جميل، ماذا لو أن الإنسان فضفض إلى الله؟
ماذا لو أن الإنسان بثّ الشكوى إلى الله؟ بث
الشكوى وعبَّر عن مأساته إذا كان حديثك إلى البشر -أيها الملحد- قد أراحك وأراح
صدرك العليل، وخفَّف أعباءك الجسام ما بالك إذا توجَّهت إلى فاطر الأرض والسماوات؟!
ما بالك صديقي الملحد إذا كان الإنسان يبث شكواه إلى قيوم السموات والأرض؟! ما
قولك؟
فقال: لو الإنسان عنده يقين أن الله يسمع
إليه، أو أن الله يستجيب له أو أن الله موجود في هذه الحالة، فإنه سيستريح حتى وإن
لم يستجب له الدعاء، ولكنني - هذا كلام الملحد - لست أعتقد في إلهكم، ولست أعتقد
في أنه يستجيب الدعاء لكم أو يستجيب دعاءكم على غيركم، أو يستجيب دعاءكم لأنفسكم؟
قلت له: دعني أقول لك: اعتبر الدعاء عبارة
عن رسالة شكوى، الإنسان يشكو حاله إلى نفسه، قال: فعلا الإنسان يعاتب نفسه.
الدعاء
علاج نفسي واعتزاز بالله تعالى
قال: فعلا الإنسان أحيانا يكلّم نفسه عندما يشتدّ
الضغط النفسي عليه، قلت له: ألا ترى أن الدعاء علاج نفسي لنا؟ فسكت الملحد، قلت
له: ألا ترى أن الدعاء عند المسلمين، وعند غيرهم حالة من الاستجارة؟ حالة من
التقوي؟ حالة من الاعتزاز بالله عز وجل؟ ألا ترى هذا؟
فقال: لقد آمنت بنصف كلامك، أما النصف الآخر
فلست مصدقا به، قلت له: كيف؟ قال: آمنت بنصف كلامك أن الإنسان كلما تكلم، وأسمع
غيره استراح صدره، وأن الدعاء تعبير عن الأماني، وعن الطموحات وعن الطلبات التي
يحتاج إليها الإنسان؛ كي يسعد في حياته أو كي يُسعد غيره في حياته.
صديقي الملحد أشكرك؛ لأنك تفاعلت معي، وفهمت
كلامي بسرعة وفهمت لهجتي وإحساسي بسرعة، وأنك قلت: آمنت بنصف كلامي في أن الدعاء
عبارة عن راحة نفسية، وأن الدعاء فضفضة، وأن الدعاء سكينة وأن الدعاء راحة ورحمة
وكذا وكذا وكذا، أما النصف الآخر – الذي لا تؤمن به - وهو أن الله تعالى يستجيب
الدعاء فأقول لك: إن الدعاء في حد ذاته
فرج حتى، وإن لم يستجب الدعاء فإن الإنسان يستريح، وإذا بالملحد يسخر من كلامي هذا
ويقول لي: هذا عندكم أنتم أيها المسلمون في الفهم الإسلامي، قلت له: دعني أسألك
ألا تأتي وتقف بجواري، فقال: لا حرج.
الملحد الآن يقف بجوار خادمكم، قلت له: مم خلقت؟
فقال من الأرض، فقلت له: وهذا يعني أنك مثلنا مخلوق من هذه الأرض، اجلس اجلس
بجواري، فجلس، قلت له: عندما تتعب وعندما تضيق عليك الأرض ما رحبت ماذا تفعل؟ فقال
الملحد: كأنك تُلمِّح للسجود، قلت له: نعم، فقال: أنا قرأت في الماضي بحثا وهو أن
الواحد عندما تضيق عليه الحياة، ويلصق وجهه بالأرض حتى، وإن لم يدعو فإن الأرض -
هذا كلام الملحد - أنا لم أتكلّم، فإن الأرض تمتص الشحنات الزائدة التي عنده، فإن
الأرض - التي هي أمه هذا كلامه أيضا - فإن
الأرض التي هي أمه عندما يلتصق خدّه بها يشعر بحالة من التفاعل، وحالة من القرب -
هذا كلامه - أنا لم أتكلم، قلت له: هل
صدقت هذا البحث؟
قال: صدقته، قلت له: لماذا؟ فقال: لأننا
جئنا من هذه الأرض، قلت له: جميل، قلت له: ما رأيك أن الإسلام قال أفضل من هذا،
اجلس بجواري، فقال: ماذا قال إسلامكم؟
العلاقة
بين السجود والعلاج النفسي
قلت له: إسلامنا. قال: إن الإنسان إذا سجد
فإن السجود بالنسبة له حالة من العلاج النفسي، قال الملحد: هذا كلام عجيب عليَّ
ولأول مرة أسمعه في حياتي، فما العلاقة بين السجود الذي هو عبادة والعلاج النفسي؟
قلت له: الأرض منها خلقنا، قال: نعم، اتفقنا
على هذا. قلت له: والإنسان عندما يضيق صدره يلجأ إلى هذه الأرض؟ قال: نعم يلجأ
إليها. فقلت له: انزل، فقال لي الملحد: ماذا تعني: قلت له انزل معي اسجد معي، فقال
الملحد لي: لا لن أنزل لأني لو نزلت معك لأسلمت، قلت له: انزل ولا تخف، فنظر لي
وقال "هل إسلامكم يكون بالغصب!" هذا إكراه في الدين، قلت له: لا تنـزل،
دعني أنزل أنا؛ فأنا سوف أنزل لكي أعرفه أن الإنسان عندما يضيق صدره وتكثر أوجاعه
ويشتد أنينه فهو في حاجة إلى الله، أكيد في حاجة إلى الله، قلت للملحد: الأرض من
خلقها؟
وهكذا بدأ الملحد ينفعل، وأصبح عنده حالة من
الاشمئزاز، اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة، قلت له: البحث الذي أنت قرأته في
الماضي وهو أن الإنسان عندما يلتصق بالأرض ألا زلت موقنا به؟ قال: نعم، هذا كلام
علمي وهذا بحث علمي وقرأته في مجلة أمريكية محكمة عالمية، قلت له: سأعطيك أفضل ما
قدمته المجلة الأمريكية المحكمة العالمية، قال لي: تفضل، قلت له: ما سأعطيه لك
عبارة عن قرآن أتقبله؟ فقال: أقبله أسمعني إياه، قلت له: يقول تعالى: {وَلَقَدْ
نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 97، 98]، قلت له: انزل، فقال: لن
أنزل، لن أنزل، قلت له: سأنزل أنا، فقال الملحد لي: ماذا تفعل؟
قلت له: أنا أعرفك أنَّ الإنسانَ ينـزل
برأسه فيلتصق بأمه، وأنا ملتصق الآن، بماذا؟ قال: بالأرض، قلت له: الأرض عبارة عن
ماذا؟ فقال عبارة عن أمي وأمك، قلت له: جميل، أنا الآن ساجد ولم أمارس شيئا، انتبه
أيها الملحد، أنا لا أمارس الآن شيئا إلا أنني ساجد، لن أتكلم، سوف أنزل على
الأرض، أطبطب عليها وتستقبلني، أُطبطبب عليها وتستقبلني، وضعت جبهتي على الأرض
وأنفي على الأرض ويديَّ على الأرض، والأرض ترحب بي الآن أهلا بك يا ولدي، تُكلمني
الأرض ماذا بك يا ولدي؟
إن صدرك ينهج يا ولدي انفعالاتك زائدة يا
ولدي، أنا أقول لها: أغيثيني يا أمي، خذي بيدي يا أمي، قالت: حاضر يا ولدي، بدأت الأرض
تسحب الشحنات الزائدة الموجودة عندي، أنا الآن داخل عملية جراحية يُسحب من كل جسمي
كله الشحنات الزائدة، الآن بدأت أُحسّ أنّ الشحنات الزائدة، والضغوط النفسية التي
عليَّ والإحباطات التي في حياتي، والصراعات التي في حياتي بدأت تنسحب مني في عملية
جراحية تتم لي الآن.
صديقي الملحد يقول لي: أنت تؤدي المشهد بكل
أعصابك، قلت له: فعلا أنا الآن بدأت أستريح، قال لي: اسمح لي أن أفعل مثلك، قلت
له: تفضل فنـزل، والملحد الآن وضع رأسه على الأرض، قلت له: ماذا تفعل؟ قال: أعمل
مثلك، قلت له: لا أنت الآن عندك مشاكل في حياتك، قال: طبعا، قلت له: انظر ماذا
سيجري عليك، وتركته الآن، تركته ساجدا.
أحبابي الكرام، أنا حتى الآن لم أمارس عبادة
كل ما فعلته هو حركة تمثيلية لمعنى السجود، لم أمارس العبادة الأصلية في السجود،
وهي الدعاء مجرد ملاصقتي الأرض علاج، والملحد معجب جدا بهذا، ومنسجم جدا ومستريح،
قال: لا أنا مستريح جدا، مستريح من ماذا؟ من السجود من غير دعاء أو شيء، إني أراه
منسجما منفعلا متفاعلا أمامي بالسجود، قلت له: ارفع فرفع، فقلت له: كيف حالك الآن؟
فقال: استرحت، فقلت له: استرحت من ماذا؟
فقال: كل المشاكل التي كانت عندي والكهرباء
التي كانت عندي، والإحباط الذي كان عندي كله الآن خرج مني ونزل إلى أمي يعني
الأرض، قلت له: ما رأيك أن نجري هذه المحاولة مرة ثانية، فسكت وهو قد شعر،
وأَحَسَّ أَنَّ الإسلامَ يشده.
قلت
له: اسمح لي سأسجد سجود عبادة، سأبدا الآن السادة الكرام أسجد والملحد يركز معي
والملاحدة الثلاثة الآخرون جالسين يفعلون هكذا في حالة من الترقب الرهيب هم يعلمون
أنني لو وُفِّقت مع الملحد الأول لأصبحت المسألة سهلة عليَّ وصعبة عليهم بأمر الله
أنا الآن سأمارس السجود عبادة، في المرة الأولى عندما سجدت أمامك كان الغرض منه
علاج نفسي السجود كعلاج نفسي.
أنا
الآن سأسجد وأنا محتاج إلى الله، الله أكبر، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى،
سبحان ربي الأعلى، اللهم إني في حاجة إليك يا الله فقد اجتمع الضر عليَّ وحاصرتني
الدنيا وحاصرتني الأيام وتكالبت المشاكل عليَّ وأنا عبدك الضعيف المؤمن بك القائم
بين يديك أدعوك وأنا أشد حاجة إليك أن تنجيني مما أنا فيه فإن هناك مشكلة كبيرة في
حياتي أنت تعلمها، وأنت عليم بحالي فأقسم بك عليك اجعل لي الآن مخرجا، بيدي خذ
بيدي خفِّف عني ما أنا فيه اكتب لي الخير واصرف عني الشر.
أجرني من الهم ومن الغم ومن الكرب العظيم أحتاج
إليك يا الله فإن الأمور صعبة لديَّ وإن لم تكن معي يا الله فإنني سأتعب في هذه
الحياة سأشقى في هذه الحياة أعني على مرضي الذي هاجمني أعني على كرباتي التي
حاصرتني، أعني على نوائب الدهر، وشدة الأيام، أعني على قسوة القلوب، وكثرة الكروب
وكثرة الذنوب وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين، يا مقلّب القلوب ثبت قلب على
دينك، الله أكبر، صديقي الملحد ما قولك فيما قلته؟
تأثر
الملحد من الاستغاثة بالله تعالى
إني أره متأثرا، قلت له: ما لي أرى وجهك وقد
تغير؟ لماذا تغيرت؟ قال: صراحةً كلامك أثر فيَّ، قلت له كيف؟ قال ما فعلته أنت - يعني
يقصد خادمكم - إنك قد أخرجت كل ما عندك، وقد بُحْت بكل أسرار نفسك، لكن الملاحظ -
الملحد يقول لي - الملاحظ في دعاءك أنك
عندك يقين كبير في الله أنه يستمع إليك، قلت له: أرجو أن توضح للناس في العالم
كله، فقال: أنا فهمت اليوم لأول مرة في حياتي أننا نرى المسلمين في المساجد يصلون،
ويؤمنون وهم في غفلة من الدعاء، يقول: لأول مرة في حياتي أسمع أحدا يدعو.
يقول: أنا أرى المسلمين يدعون باستهتار، وكنت
دومًا أقول وأتساءل: كيف يدعون هكذا؟ فقلت له: أرجو أن توصل للناس الكلام، فقال:
أنا فهمت اليوم أن الذي يطرق على الباب بشدة سينفتح له الباب، قلت له: ماذا تقصد؟
قال: أنا كنت في الماضي قبل أن آتي إلى هذا المكان لم يكن عندي يقين في الدعاء،
ولا في أنَّ الله يستجيب الدعاء، لكني فهمت الآن أن حالة الذي يدعو مثل خادمكم تلك
الحالة الانفعالية التي عنده معناها أنه صادق في الدعاء، وصدقه في الدعاء هذا
يعتبر فرجا، قلت له ما بالك لو أن الله استجاب لي؟
فقال: إذًا الفرج يصبح فرجين، والفتح يصبح
فتحين، قلت له: فلماذا؟ قال: قلتُ في البداية إنَّ ربكم لا يستجيب الدعاء، وأن
الدعاء لا يُغيِّر من الأمرِ شيئًا، وكنت
أحكم على الناس الذين رأيتهم أمامي، وأنا صغير يدعون قائلين: آمين يا رب، وكنت أرى
منهم من هو نائم، ومن هو تائه، ومن هو في غير تركيز وكذا وكذا، فأقول: هؤلاء كيف
يُستجاب لهم؟ فقلت له: هل المشكلة عندك فيمن يدعو أم من يستجيب؟
الدعاء
القوي يرتفع إلى السماء
فسكت الملحد، قائلا: صراحة المشكلة عندي في
الاثنين؛ فلم يكن عندي يقين أن الله في الأساس يستجيب الدعاء لأحد، وليس متفرغًا
لعباده ولا لهموم عباده، أمَّا الآن فقد فهمت أنَّ الدعاء القوي يرتفع إلى السماء،
والقضية الآن قضية خاصة بمن يدعو بحالته عند الدعاء، كما رأيتك ساجدا منيبا متضرعا
- هذا كلامه عني - قبل قليل كنت -يا فضيلة الدكتور- تدعو بكل أعصابك وتُخْرِج كل
ما عندك إلى الله كأنه أمامك، قال لي: أنا شعرت وأنت ساجد أنك تُكلِّم الله، وأنك
تراه - هذا أيضا كلام الملحد، وليس كلامي – ولقد أحسست أنك لديك حالة من الصدق في
الدعاء إلى حد المشاهدة - هذا كلامه أيضا -.
قلت
له: إذا كان الأمر كذلك ألا يستريح الإنسان عندما يفضفض على حد قولك أنت؟ قال لي:
نعم، ألا يستريح الإنسان عندما يفضفض إلى الله؟ فنظر إليَّ حبا بعد أن كان ينظر
إليَّ شزرا، يعني غير مقتنع لا بالإسلام، ولا مقتنع بي ولا مقتنع بالسنة، ولا
مقتنع بأي شيء، أما الآن ترى الملحد يقول: إن أي إنسان عنده يقين في الله، ودعا
الله تعالى بيقين معبرا عن حالته فاحتمال كبير كبير أن هذا الدعاء سيُستجاب.
ثم
قال لي: أحب أن أفاجئك مفاجأة، قلت له: خيرا، قال: إذا لم يُستجب الدعاء - ركزوا
معي في هذه النقطة - إذا لم يُستجب الدعاء، فلا حرج فالذي يدعو أخذ حظه من الراحة
النفسية، والراحة الصدرية، وأخرج ما في قلبه فقد استراحت نفسه وهدأت نفسيته، الله
أكبر - هذا كلامه أيضا - معشر السادة الكرام الأماجد - وعلى هذا فإن الملحد الأول
تنازلَ عن أفكارهن وإن لم يتنازل عنها بصورة كاملة لماذا؟ لأن يقينه في الله
مهزوز، نعم، والذي يقينه في الله تعالى مهزوز لا يعتقد أن الله تعالى يسمع أحدا،
أو يستجيب لأحد، أو أن هناك ملائكة يرفعون الدعاء، أو أن الله تعالى يسمع الدعاء،
أو أن هناك ملائكة يسطرون الدعاء.
المفاهيم
الغيبية في فكر الملاحدة منعدمة
إنَّ المفاهيم الغيبية في فكر الملاحدة
منعدمة ليس عندهم إيمان لا بالملائكة، ولا بالجن ولا بالقضاء والقدر، ولا بالغيب؛
فكل هذا عندهم لا قيمة له أحبابي الكرام.
حسنا إني مستريح جدا في حواري مع الملحد
الأول؛ لأنني زحزحته ولله الحمد عن بعض أفكاره، وليس عن كل أفكاره، ولاحظوا أنني
أتكلم معهم اليوم في قضية واحدة فقط، وهي القضية التي قالوا عنها بنفس العنوان إذا
كان إلهكم لا يستجيب الدعاء فكيف تؤمنون به؟
أنا أرد على دعاوى الملاحدة، ومناظرة اليوم
في الرد على قولهم: "إذا كان ربكم لا يستجيب الدعاء فلماذا تؤمنون به؟"
ولا زلت أحاورهم في هذه المسائل وأنا على يقين تام أنهم ليسوا على صواب في كلامهم،
وربما إن طال بي الوقت، وحاورتهم ثلاث ساعات، أو أربع ساعات سأخرج من هذه المناظرة
بكل أدب وبكل عفة وبكل تواضع، وقد انتصرت عليهم، وبددت أفكارهم، وإنني بفضل الله
قادر على هذا القضية الأساسية قضية عقيدة، قضية إيمان، فالصراع بين الملاحدة
وبيننا هو صراع في الإيمان؛ لأنهم لو سلَّمُوا بقضيةِ الإيمان لَحُلَّت جميع
المشاكل، ولكن هذا حتى الآن لم يحدث.
وها هو صديقي الملحد الثاني، والذي كان
عربيا مسلما، ثم ترك الإسلام واعتقد أن الإسلام عبارة عن أوهام، وعبارة عن خيالات
وخداع، يقول هذا الملحد: لقد عشت في أرض فلسطين، ثم تركته وسافرت إلى بلد أوروبي،
وتنكرت لديني وتركت الإسلام الذي كنت أعتقد فيه عندما أيقنت أن دينكم عبارة عن
خزعبلات وعبارة عن أخاديع تخدعون بها عقول العوام من الناس.
قلت
له: لماذا هذا الكلام الصعب؟، فقال: قضيتك عن إجابة الدعاء، قلت له: بإذن الله،
قال: اليهود منتصرون عليكم إلى الأبد، قلت له: هذا كلام خطأ، في البداية قال: دعني
أكمل لا تقاطعني أرجوك، قلت له: تصعدون على المنابر منذ خمسين سنة وتدعون، ومنكم
المشايخ والعلماء والأئمة: اللهم انصرنا على اليهود الظالمين، اللهم انصرنا على
اليهود الغاصبين، اللهم اكسرهم، اللهم كذا وكذا هذا كلامه، ورغم هذا لم ينكسر
اليهود، ورغم هذا لم تذهب دولة إسرائل، ورغم هذا اليهود لا زالوا غصة في حلوق
العرب ورغم هذا اليهود لا زالوا شوكة في ظهور العرب، فماذا فعل دعاءكم بإسرائيل؟
إنَّ إسرائيل تزداد في كل يوم قوة، وتحاصركم،
وعندها أسلحة كميائية، وعندها مفاعلات ذرية، وعندها جامعات عالمية، وأنتم لا زلتم
في ركب الحضارة، وإسرائيل ليس عندها إسلام، ولا عندها منابر، ولا عندها الله،
وأنتم عندكم إسلام، وعندكم منابر وعندكم الله، وعندكم رسول الله، وعندكم كتاب،
وعندكم سنة وعندكم دعاء.
أحبابي الكرام، إن الملحد قد أخرج قنابل
ذرية كانت في قلبه، ويطيب لي أن أرد عليه؛ فالقضية عنده قضية أن الله لم يستجب لنا
الدعاء على دولة إسرائل والملحد للأسف يقول: لو أن الله يستجيب لكم لأباد إسرائيل،
ولو أن الله يستجيب لكم ما كانت هناك إسرائيل؟
ولو أنَّ اللهَ يستجيب لكم لحطم كل دولة
إسرائيل؟ قلت له: ونحن ما أردنا هذا ولا حتى في الدعاء أردنا هذا نحن أردنا في
الدعاء أن الله تعالى لا يمكن منا دولة إسرائيل، أردنا في الدعاء أن إسرائيل لا
يكون لها سلطان على العرب، وعلى المسلمين، أحبابي الكرام، سأقول لكم وأقول له
أيضا: الأمور في الكون قدرية، الأمور في الكون مرحلية بمعنى أن هناك صراعا بيننا،
وبين اليهود وهذا الصراع مستمر لأن الصراع بين الإيمان وبين الكفر صراع مستمر،
وهذه أمور ثابتة في الحياة، من يتقدم على الآخر؟ فمن ينتصر في النهاية هي مشيئة
الله سبحانه وتعالى جل جلالك يا الله.
الملحد يقول: أرجوك لا داعي لهذا الخداع اللفظي،
وادخل في موضوعك مباشرة، لماذا لم يستجب ربكم لكم في دعاءكم على دولة إسرائيل؟ ولا
زالت إسرائيل جاسمة على صدوركم وتحاصر أقواتكم ورياحكم من كل مكان؟
قلت له كما قلت لزميله الأول: الدعاء في حد
ذاته فرج، الدعاء في حد ذاته راحة نفسية، الدعاء في حد ذاته تخفيف للأحمال التي لا
يستطيع الإنسان أن يتحملها وحده، ولا بد أن تكون هناك إعانة قوية من الله تعالى له
كي يقدر على تحمل الحياة وويلات الحياة، فقال: حتى الآن فإني لا أفهم من كلامك
شيئا، قلت له: الأمور القدرية في علم الله لا نستطيع أن نغير منها شيئًا إلا أن
يخفف الله عنا ونتحمل المصيبة حتى يأتي الفرج.
قال
لي: أعطني مثالا، قلت له: شخص – مثلا سُجِنَ ظلما، وأُخذ غدرا، أو لُفِّقت له تهمة
فأصبح حبيس الجدران، ويقتن خلف القضبان، ماذا يفعل لو جرى عليك هذا؟ ماذا أنت
فاعل؟ فقال: سأستسلم. قلت له: لماذا؟ فقال: ربما يأتي الفرج، فقلت له: ومتى يأتي
الفرج؟
فسكت الملحد، فهو لا يريد أن يقول الله
- أعلم هذا - لأنه ارتد عن الإسلام،
فسألته: هل الدعاء فرج؟ فهز الملحد رأسه بالموافقة.
أحبابي الكرام، أما عن التسليم بالواقع، فهو
أن هذا الشخص الذي حُبس ظلما قد أُجرت عليه حادثة التسليم بالواقع، ودعوني أسأل
الملحد: هل التسليم بالواقع هنا تسليم إيمان أم تسليم حال؟ فقال الملحد: حال، حال.
وهذا معناه أن هذا الشخص ليس عنده بديل إلا
أن يلم بما حدث، فقلت للملحد: عندنا في الإسلام التصديق بالحال هو إيمان في حدّ
ذاته، فقال: كلامك صعب عليَّ هذه المرة، قلت له: أريد أن أقول: إن الأمور
التاريخية في الكون مرتبة بقدرة معينة عند الله سبحانه وتعالى، قال لي: ماذا تقصد؟
الدعاء يُهَيئ أسباب النصر
قلت له: الصليبيون دخلوا بيت المقدس، قال:
فعلا، قلت له: ومكثوا بها مائتي سنة، قال: فعلا، قلت له: ورغم هذا لم يخرجوا منها
إلا عندما أتى صلاح الدين.
قال
لي: ماذا تقصد؟ قلت له: يعني أنَّ الدعاء يُهَيئ أسباب النصر، قال لي: هل هناك فرق
بين النصر وأسباب النصر؟ قلت له: نعم، النصر على الأعداء هو الثبات على الموقف كما
تلاحظ في أهل غزة إنهم منتصرون على إسرائيل، فقال: كذب، قلت له: لا ليس كذبا؛
فثباتهم انتصار وتكاتفهم انتصار ورجولتهم انتصار وحبهم للأرض انتصار، وحبهم للعرض
انتصار فالانتصار هنا الثبات، أما أسباب النصر فهذه الأسباب من عند الله تعالى
يقدمها كيف يشاء حتى يأتي وقت النصر، ومتى يأتي الوقت؟ علمه عند الله، فقال: لا
تقل الله، فقلت له: علمه عند التاريخ لا حرج، ولكنه سيحدث لا محالة، {إِنْ
يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160].
فالقضية هنا قضية ثبات، فالنصر لا يأتي فجأة من
السماء، وإنما النصر له أسباب ومن أسباب النصر الدعاء، فقال: فعلا، والملحد الآن
بدأ يفهم أنَّ النصر فقط ليس بالدعاء وإنما النصر بأخذ الأسباب القوة العسكرية
والمناعة الإيمانية والاقتصادية والثبات على الموقف وكذا وكذا.
كل
هذه أسباب نصر، أما النصر قراره عند الله عز وجل، أي أن الله تعالى يستجيب الدعاء
لنا بجميع الأحوال التي نعرفها والتي لا نعرفها، ولكن الكفّ عن الدعاء والكف يعني
عدم الدعاء للاعتقاد أن الله لا يسمع، ولا يستجيب ولا يجيب حاشاه فهذا معناه أن
الإيمان صفر،كمثل شخص لا يصلي، وعندما تسألاه لماذا يرد قائلا: لأنني لا أعرف
الخشوع في الصلاة، وهكذا يبقى إيمانه صفرا؛ فالدعاء في حدّ ذاته علامة من علامات
قوة الإيمان - كما لاحظتم- وعدم الدعاء مؤشر على عدم صدق اليقين في الله عز وجل.
قد أجريت
حوارا مع الملحد الأول والملحد الثاني، ولم يتم إجراء حوار مع الملحد الثالث
والرابع، ولكنني أرى أنهما كانا منفعلين معنا أن القضية واحدة وهي قضية إجابة
الدعاء أنَّ الملاحدة كانوا يعتقدون، ولا يزالون أن الله لا يستجيب الدعاء ولا
يسمع الدعاء وليس متفرغا لإجابة الدعاء، ولعلي شرحت لهم أن الإجابة لها وقت معين
لها إرادة معينة، وأن الذي يدعو بقلبه ويدعو بلسانه بخلاف الذي يدعو بلسانه ولا
يدعو بقلبه.
أحبابي الكرام، الحوار لم ينته لكنني سعيد
في هذه المناظرة جدا لأنني دخلت إلى هذا الموضع المهم الحساس؛ لأن كثيرا من
المسلمين يؤسفني أن أقول: إنَّ لهم نفس الكلام ونفس الرؤية التي قالها الملاحدة،
فأردت أن أضرب مجموعة عصافير بحجر واحد؛ لقد ألقيت بحجرة كبيرة في الماء الراكد
مؤكدا على أن الدعاء ليس فقط قضية إيمانية، لا، وإنما قضيةٌ نفسية وقضية اجتماعيةٌ،
وقضيةٌ فيها راحة وقضيةٌ فيها سكينةٌ، وأن الجوانب النفسية في الفضفضة في الدعاء
التي ذكرها الملحد هي باب من أبواب الراحة، وباب من أبواب الفرج.
وهذه
المحاضرة كانت محاضرة عقلية في الأساس لم أذكر فيها شيئا من القرآن، أو السنة حيث
إنَّ الملاحدة لا يعجبهم الاستعانة بالقرآن، والسنة عند مناظرتهم.
في
جميع الأحوال دخلنا معهم مناظرة ومعركة بكل أدب بكل احترام حتى أبنَّا لهم أنه ليس
هناك شيء في الكون أعظم من الله، ولسان حالنا ما قاله الملك وبه نختم رحلتنا، لكن
حبنا دائم مع أمة الإسلام:
{أَفَغَيْرَ
دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83].