أولًا: تعريف الوسواس القهرى:
الوسوسة لغة:
الوسوسة: مصدر قولهم: وسوس يوسوس مأخوذة من مادة (و س س) التي تدل على صوت غير رفيع: يقال لصوت الحلي: وسواس، وهمس الصائد: وسواس، وإغواء الشيطان ابن آدم وسواس.
يقال: وسوست إليه نفسه وسوسة ووِسواسا بكسر الواو، والوَسواس بالفتح الاسم مثل الزِّلزال، والزَّلزال. قال أبو عبيدة: الوسوسة في التنزيل هو ما يلقيه الشيطان في القلب.
الوسواس اصطلاحًا:
المراد بالوسواس القهرى: هو ذلك السلوك الذى يظل مسيطرًا على تفكير الإنسان وسلوكه فى سائر أحواله لا ينفكّ عنه، أما الوسوسة الطارئة وخاطرة السوء والهمّ بالمعصية الذى يعرض للعبد أحيانًا فهذا لا يُعدّ مرضًا، وأمره سهل بإذن الله تعالى، ولا يضرّ العبد ذلك ولا يحاسَب عليه إذا طرده وتخلّص منه، قال النبى صلى الله عليه وسلم: (تـجوَّزَ لِأُمَّتي عما حدَّثَتْ في أَنْفُسِها، أو وسْوسَتْ به أَنْفُسَها، ما لَـمْ تَعْمَلْ به، أو تَكَلَّمْ به).
ثانيًا: أسباب الوسواس القهرى:
لا تزال أسبابُ الوَسواس القهريّ غيرَ معروفة على وجه الدِّقَّة. لكن من المُرجَّح أنَّ هناك عوامل كثيرة تؤثِّر في هذا الاضطراب.
ومن الممكن أن تكونَ للوَسواس القهريّ صلةٌ بالبيولوجيا، وهذا يتضمن تغيرات في كيميائية الجسم البَشَريّ أو بطريقة عمل الدِّماغ.
ويُمكن أن يكونَ الوَسواس القهريّ ناجما عن نقص مادَّة السيروتونين في الدِّماغ، وهي مادَّةٌ يُنتجها الدِّماغُ لاستخدامها في إرسال الرسائل إلى مختلف الأعصاب في الجسم.
الأسباب المتعلقة بالحالة الإيمانية:
1- عدم الالتزام بالطهارة والوضوء والصلاة.
2- الانغماس في الملذات والشهوات وهي كثيرة جدا.
3- ضعف الإيمان أمام الصدمات وهذا يؤدي إلى الكفر نتيجة سيطرة الشيطان في هذه اللحظة.
4- مرافقة أصدقاء السوء.
5- إهمال قراءة القرآن الكريم، وترك الأذكار.
ثالثا: أنواع الوساوس:
1 - الوسواس القهرى أو اللاإرادى: وهو ما يتعلق بالسلوك اليومي، والتردد فى فعل أشياء تتكرر فى حياة الإنسان كالتأكد أكثر من مرة فى إغلاق باب البيت، وهذا مجال بحثه فى: "علم النفس".
2 - (وسوسة العبادة): وفى هذا النوع تكون الوسوسة مرتبطة بالدين حيث يصبح هدف الشيطان إخراج العبد عن طاعة ربه بكل الأساليب والوسائل كما أخرج آدم من الجنة بعد أن نسي أمر ربه، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 7].
3 - وسواس الطهارة: من أساليب الشيطان فى الوسوسة التشكيك فى الطهارة، ومن مظاهر هذا الوسواس غسل الأعضاء أكثر مما نصّت عليه السنة، وإعادة الوضوء مرات عديدة.
رابعًا: الأصل في الوسواس القهرى أنه من عمل الشيطان:
في صحيح مسلم: (أنَّ عُثْمَانَ بنَ أَبِي العَاصِ، أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ الشَّيْطَانَ قدْ حَالَ بَيْنِي وبيْنَ صَلَاتي وَقِرَاءَتي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ذَاكَ شيطَانٌ يُقَالُ له خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ باللَّهِ منه، وَاتْفِلْ علَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا قالَ: فَفَعَلْتُ ذلكَ فأذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي).
قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} [سورة الناس].
وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه: (ذكر لى أن الشيطان الوسواس ينفث فى قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح فإذا ذُكر الله خنس) وقال بن عباس رضي الله عنهما فى قوله: (الوسواس الخناس) الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذُكر الله خنس.
خامسًا: الآيات الواردة فى الوساوس:
* قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} [سورة الناس].
* قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 20].
* قال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: 120].
* قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16].
سادسا: الأحاديث الواردة في الوسواس:
- عن ابن عباس قال: (جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال يا رسولَ اللهِ إنَّ أحدَنا يجدُ في نفسِه، يعرضُ بالشيء، لأن يكونُ حممة أحبَّ إليه من أن يتكلَّم به، فقال: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، الحمدُ للهِ الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسةِ).
-وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: (شَكَوْا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَجِدونَ منَ الوَسوسةِ، وقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّا لَنَجِدُ شيئًا لو أنَّ أحَدَنا خَرَّ منَ السماءِ كان أحبَّ إليه من أنْ يَتكلَّمَ به، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ذاك مَحضُ الإيمانِ)
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَزالُ النَّاسُ يَتَساءَلُونَ حتَّى يُقالَ: هذا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فمَن خَلَقَ اللَّهَ؟ فمَن وجَدَ مِن ذلكَ شيئًا، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ. وفي رواية: يَأْتي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ السَّماءَ؟ مَن خَلَقَ الأرْضَ؟ فيَقولُ: اللَّهُ...، ثُمَّ ذَكَرَ بمِثْلِهِ وزادَ: ورُسُلِهِ).
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أذَّن المُؤذِّنُ أدبَر الشَّيطانُ وله ضُراطٌ فإذا سكَت أقبَل فإذا ثوَّب أدبَر وله ضُراطٌ فإذا سكَت أقبَل يخطِرُ بَيْنَ المرءِ ونفسِه حتَّى يظَلَّ الرَّجُلُ لا يدري كم صلَّى فإذا صلَّى أحَدُكم فوجَد ذلكَ فلْيسجُدْ سجدتَيْنِ وهو جالسٌ).
من كتاب: بيان للناس فى علاج الوسواس لفضيلة الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي