الحوار في السنة النبوية

الرئيسية المقالات مقالات دينية

الحوار في السنة النبوية

الحوار في السنة النبوية

الحمد لله رب العالمين حمدًا يليق بحلاله وكماله وعظمته وكبريائه، والصلاة والسلام على أسعد الخلق بالله تعالى، وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين.
الدرس الحادي عشر في المدارسة الحديثية حول الحوار في السنة النبوية، هذا الموضوع ألفت فيه مجموعة كتب منها فقه الحوار في السنة النبوية و فقه الحوار مع الآخر وأيضًا الحوار في الإسلام والتفاعل الحضاري مع الآخر، والحوار في القرآن الكريم منهج يقوم على الحوار مع المخالف ومع الموافق.
عندنا حوارات القرآن الكريم مع إبليس ومع فرعون ومع ذي القرنين، لا محدودية للسنة النبوية في أمر الحوار، ولقد فتحت السنة النبوية آفاقًا واسعة لتجديد الخطاب الديني على نحو يتسع فيه الأمر لاستيعاب الآخر، فعن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رضي الله عنه يَقُولُ "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي"، نصف السنة النبوية حوارات مع الصحابة رضي الله عنهم، والسنة النبوية لم تخلُ من الحوارات مع المعارضين، والمعارضون أربع جبهات: الجبهة الأولى هم الكفار، الجبهة الثانية هم اليهود، الجبهة الثالثة هم المنافقون، الجبهة الرابعة هم الأعراب، وكان هؤلاء يسألون النبي صلى الله عليه وسلم من باب إيقاع التهم بالإسلام، أو محاولة تعجيز النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألوه عن أهل الكهف وذي القرنين وهكذا..
لم يتخيل هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يجيبهم على أسئلتهم، فترى السنة النبوية في العقيدة، وفي القضاء والقدر، عن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَام لَيْلَةً فَقَالَ: ((أَلَا تُصَلِّيَانِ؟)) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، لم تكن الإجابة في الحوار موافقة لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الوصول لحل المسألة.. فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]، إشارة إلى عدم إعجابه برد الإمام علي رضي الله عنه، وكان النبي صلى الله عليه فِي جَنَازَةٍ فِي البَقِيعِ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلَّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً قَالَ فَقَالَ رَجَلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ فَقَالَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَقَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10)} [الليل].
تعاليم الدين جاءت من الحوار..
معظم تعاليم الدين هي الحوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه رضي الله عنهم، وإن أسلوب الوعظ المباشر قد لا يترك أثرًا عند كثير من الناس وبعض الناس لا يحب الوعظ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رض يالله عنهما، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها "تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لأَسْمَعُ كَلامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي، ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، قَالَتْ: فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الآيَاتِ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1]، فالظهار كان معروفًا في الجاهلية، فظاهر هذا الرجل من امرأته فالتمست الفتوى من النبي صلى الله عليه وسلم، وَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي وَشِدَّةَ حَالِي وَإِنَّ لِي صِبْيَةً صِغَارًا إِنْ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيَّ جَاعُوا، وَجَعَلَتْ تَرْفَعُ رَأْسَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك، اللَّهُمَّ فَأَنْزِلْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ، وَكَانَ هَذَا أَوَّلُ ظِهَارٍ فِي الْإِسْلَامِ، الحوار هادئ جدًا والنبي صلى الله عليه وسلم يتلقى الإجابة من الله تعالى ويبلغها إياها، هذه عذوبة الإسلام ومراعاة الإسلام لظروف هؤلاء الناس معالوقوع في الذنب .
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: ((أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) ، فالحوار هنا كان ولا زال مثمرًا وأتى بنتائج باهرة، ليس هناك حوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الناس إلا كان مثمرًا، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يحب الجدال.
أتى عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودخل في الإسلام لأول وهلة، معكون عدي رضي الله عنه يلبس ملابس الصلبان ودار حوار طويل بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فالحوار هو الذي أتى بعدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه لكي يسلم، حوار النبي صلى الله عليه وسلم هو حوار الأدب وحوار العقل الذي لا خلاف على أرجحيته، ولقد تعلم الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن ما يأتي من الله تعالى يقدم على كل شيء في الدنيا.
النبي صلى الله عليه وسلم كانت له إجابات حوارية على كل ما يستفتى، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم فِي الْبَحْرِ: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)) .
من أهم الحوارات الحوار الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، كانت المسألة عندهم صعبة لأنهم يواجهون النبي صلى الله عليه وسلم.
النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن الحوار لا بد أن يكون مفيدًا ونافعًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ فِي الْقَلْبِ، فَذَاكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ، فَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ تعالى عَلَى خَلْقِهِ)) ، نحن أمة لها تاريخ يقوم على الحوار والمناقشة والحب والعطاء، قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} [مريم: 96].

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض