الحمد لله رب العالمين، حمدًا يليق بجلاله وكماله، والصلاة والسلام على خير الأخيار، وإمام الأبرار النبي العربي المختار وعلى آله وصحبه الغُرِّ الميامين. الدرس الثالث في هذه الموسوعة اليومية والسلسلة اليومية في قناة الفتح للسنة النبوية بعنوان: "التوجيهات الشرعية في التعامل مع المرضَي والجَرحَي" وفقَ منهج النبي صلى الله عليه وسلم. المساعدة النفسية للمريض اليوم تكاد تكون هي الأساس في الطب الحديث، وإن تقوية المناعة عند المريض بتوجيهاتٍ لطيفةٍ هي أقوي اتجاه في الجامعات البريطانية الآن، وأنا على يقين أنه عندما كان المسلمون يعيشون في الأندلس في أسبانيا، وكان منهم عباقرة كبارًا فإن علومهم تُرجِمت إلى اللغات الأوروبية، وأنا على يقين أن كثيرًا من الطب الحديث اُستُقِيَ من هَديِ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فإنك تحسب أن كثيرًا من هؤلاء الناس رغم كفرهم درسُوا الإسلامَ أكثرَ منا لأجل هذا فإن كثيرًا منهم قرأ العلوم الإسلامية بلُغته واستبطنها واستظهرها، ورأى أن فيها صلاحًا لحاله، وهذه مقدمة مهمة جدًّا. أما الناحية العملية، بماذا وجَّهَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المريض؟ خاصةً في الغزوات، عَنْ رُبَيِّعَ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: "كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَسْقِي القَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ القَتْلَى وَالجَرْحَى إِلَى المَدِينَةِ"( ). أخرجه البخاريُّ في كتاب الطب. وكتاب الطب عند البخاري لا يفوتُني التعقيب عليه، لماذا؟ لأن البخارِي رضي الله عنه مِن أقوَى الذين كتبوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وخَلَّدوا أحاديثَه الشريفة، ولا خلافَ على هذا، لا يمكن ولا يُعقَلُ أن البخاريَّ رحمه الله يأتي ببابٍ عن الطب النبويّ إلا إذا جُمِعَت عنده أحاديث متواترة صحيحة في هذا الباب، وليس مُستَهجَنًا أن النبيَّ المُعلِّم الأكبرَ صلى الله عليه وسلم يُعنَى بالناحية الطبية، لأن تطبيبَ البدن وتمريض البدن جزءٌ أساسيٌّ من حياة الإنسان فإننا كما نأكل فإنا نَمرَضُ وكما نَمرَض فإنا نُعالَجُ، فكيف يقدم البُخارِيُّ كتابا في الطب دون أن يُقدم فيه علاجات؟ صلَّيْتَ علي النبي؟ صلى الله عليه وسلم، قلنا تقول الصحابِيَّةُ رضِيَ الله عنها: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نَسقِي القومَ ونخدمهم، ونَرُدُّ القتلَي والجَرحَي إلي المدينة. أي إنه توجد إسعافات؛ فالحديث نفهم منه أنه كانت توجد إسعافات أوَّلِيَّة وغير أَوَّلِيَّة، فالذي يُنقَل للمدينة يُعالَج أم لا يُعالَج؟ يعالَج. إذن توجد أماكن للعلاج كانت موجودةً عند الحكماء والأطباء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إذن أخذنا ثلاثَ عِبَر: أولًا: كان هناك في الحرب ما يُشبه سيارات الإسعاف، أي: إنها قوافل طبية مثلًا أي أناس معهم دوابّ مستعدين لنقل الجرحَي بطريقة أو بأخرَي، أو على خيول أو على جِمال، أو كذا أو كذا المهم أنهم ينقلونهم إلى المدينة، وعندئذٍ يوجد من يَتولَّي أمرَهم فإنه من الصعب أن تُداوِي مريضًا في منطقة القتال؛ لأنه ما دام القتال قائمًا فالطبيب يكون في خطر والمريض في خطر فلا بد أن يُغادر المريضُ أرضَ المعركة بحيث يخرُجُ من حالته المعنوية السيئة إلي مكان آخر يجِد فيه راحتَه. " وكنا نسقي القومَ " معناه أنه كانت توجد مجموعات للسقاية "ونخدمهم" وهكذا معناه أن التشريع الإسلامي تشريعٌ مُنَظَّمٌ، إذن الجرحي يُعالَجون وتقول الصحابية رضي الله عنها: كنا أي إنهن كن ممرضاتٍ تُمَرِّضُ الرجال، فالحديث واضح. وقد استنبط العلماء جواز أن تُمَرِّض الممرِّضة أو الطبيبة المريض وتساعده في العلاج. قال ابنُ حجر في شرح فتح الباري: عند الضرورة وتُقَدَّرُ بِقدرِها فيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك، يعني حاجة أساسية فقط هي التي تُلزِم هذا، يعني هل الأمر فيه جواز؟ نعم جائز. والسيدة رُفَيدَةُ الأسلميَّة كانت تقوم بالتمريض والتطبيب، ورخَّص النبيُّ صلى الله عليه وسلم لها أن تُقامَ لها خيمةٌ في المسجِد أي كـ "مستشفي متنقل" أو كـ " مستشفي صغير" تُداوِي فيها الجرحَي، أي الناس الذين في أرض المعركة جرى عليهم المكروه فهؤلاء يُنقلون إلي السيدة رُفَيْدة الأسلَمِيَّة رضي الله عنها أين؟ في مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم. إن سعدًا بن مُعاذ، لما اشتدَّ الجُرحُ عليه جعل النبيُّ – صلى الله عليه وسلم - له خيمةً في مسجده يُداوَي ويُطَبَّب فيها ودخل النبيُّ عليه فمَرَّضَه بنفسِه، وكان جُرحُهُ يَنزِفُ، فوضع النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدَه علي الجُرح فالتأَمَ، ثم عاشَ ما عاشَ، ثم شاء الله له أن يموت شهيدًا فانفجر الجُرحُ! فلقِي اللهَ عزَّ وجلَّ. هكذا كان يُعالج النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي ويُداوِي ويعالِج بنفسه، ويضعُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدَه علي ما يُؤلِمُ المريضَ، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع السَّعدَيْنِ رضي الله عنهما: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في عام الهجرة عندما زاره وكان مريضًا، ووضع يده علي جبهته وعلى وجهه وعلي بطنه، فتوقَّف الألمُ عنه، كما فعل النبيُّ هذا في العام الخامس في غزوة الأحزاب مع سعد بن مُعاذ رضي الله تعالى عنه، أي: إنه كان هناك خيمة بالمسجد أشبه بالمستوصف، المُلحَق بالمسجد الذي يؤدي وظيفة طبيةً ووظيفةً إيمانيةً من هديِ النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم. من كتاب المعايشة النبوية لفضيلة الاستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي