الحمد لله رب العالمين، الذي علم العلوم، وأنزل الكتاب والحكمة والبيان، وسبحان من قال عن نفسه "الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان، والسماء رفعها ووضع الميزان".

والصلاة والسلام على خير الأنام ومفتاح دار السلام، وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار.

نتكلم في هذا الدرس عن ابن القيم الجوزية رحمه الله، وسأبين للأمة قصة عالمٍ سمعوا اسمه كثيرا، ولم يعلموا عنه إلا قليلا، وقد كانت سعادتي كبيرة عندما تكلمت الجمعة الماضية عن الإمام أحمد ابن تيمية، وهما موصولان تحت راية واحدة، وهي راية الثبات على الحق.

ما أكثر المخلصين، وما أقل الثابتين!

فهم خلاصة الأمة، وخلاصة العالم الإسلامي، وهم زهرة الأكوان، أسماؤهم سمَّعت في الملأ الأعلى قبل الملأ الأدنى.

ولكنه التلميذ النجيب للإمام الفريد ابن تيمية، اعتُقلا معا في قلعة دمشق على فتوى شرعية قالوها، وهي فتوى عدم جواز شد الرحال إلى قبر سيدنا إبراهيم في مدينة الخليل، وكانوا قبل ذلك يعتبرون الذهاب إلى سيدنا إبراهيم بمثابة حجة.

كان والده قيما، والقيم وظيفة، والجوزية اسم البلد التي نزح منها حتى استقر في دمشق.

كان ذا ذهن سيال، وفكر إلى حل الغوامض ميال ورحال، أكب على الاشتغال ومال، أخذ من العلوم ما هو نفيس وغال.

مؤلفاته كانت في موضوعات لم ولن يتكلم عنها أحد.

ابن القيم يعد أكبر علماء القرن الذي عاش فيه القرن السابع وامتد إلى القرن الثامن.

جاءتني رحلة دعوية من إيطاليا إلى فرنسا، فأخذت معي كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، للعلامة الإمام شيخ الإسلام علم العلماء الأعلام ابي عبد الله محمد ابن أبي أبي بكر الدمشقي الشهير بابن قيم الجوزية.

صحبت هذا الكتاب، وشغلتني ضية: قل انظروا ما في السماوات، علمنا في الأرض قليل، فما بالك بعلنا بما في السماء، فظللت متحيا في الآية، وذات فجر فتحت هذا الكتاب على صفحة فإذا بابن القيم قد أجاب على كل ما في قلبي، وهذه سمة العلماء الاكابر يجيبونك قبل أن تتكلم.

{قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (101) } يونس.

كتاب الوابل الصيب، من أمتع ما قرأت في حياتي.

وإذا سألتني عن المذاهب الإسلامية فهو أكبر عالم في تاريخ الإسلام رد على المذاهب المخالفة.

وعن التفسير فسر المعوذتين في مجلد كبير، وإذا سألتني عن حسن الخواتيم جاءه سؤال من أحد الحكام: ما علامات حسن الخواتيم وسوء الخواتيم؟ فألف كتابين: بديع الفوائد، والجوابا لكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وإذا أردت أن تعرف كيف تغزو الشيطان اقرأ كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.

كتاب زاد المعاد، في سيرة خير العباد، هذا الكتاب في السيرة.

كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح يكتب فيه عن الجنة. يتكلم عن زخارف الجنة، ويقول شعرا في كل شيء في الجنة.

فقلت له: أين أرواح لمؤمنين الآن؟ فألف كتابا اسمه الروح، أعظم كتاب في تاريخ الإسلام يتكلم عن الحياة البرزخية.

وكتاب شفاء العليل، وكتاب الطب النبوي مدبجا بأحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

فقلت له يا شيخنا حدثني عن أعلام الإسلام، فألف كتاب: أعلام الموقعين عن رب العالمين.

فقلت له: زدنا شوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كنت مغرما بالصلاة على النلي، فألف كتاب: جلاء الأفهام في الصالة على خير الأنام.

فما أحوالا لمحبين عندك؟ فقال: روضة المحبين، ونزهة المشتاقين.

كيف نهاجر إلى الله؟ قال: سآخذ بيدك إلى طريق الهجرتين، وباب السعادتين.

فقلت له: حدثنا عن فضل الصابرين، فإن الأمة مبتلاة، وأنت شربت من كأس البلاء، فقال: شربت منه كثيرا حتى أتعبني، ثم أسعدني ثم رقاني، فقال: الفت كتاب مرجعيا إلى يوم الدين: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين.

علوم نادرة لا تدري كيف وأين قر هذا الكلام، تلك علوم لا يفتح الله بها إلى على الصالحين الموصولة قلوبهم برب العالمين، مباشرة.

وإذا أردت أن تعرف كيف أنصف أهل السنة، ألف عدة كتب في أهل السنة والجماعة، اقتضاء الصراط المستقيم.

قال تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}.

كان إذا رحل إلى مكان جذب الناس، فيلتم الناس حوله، ويسبقه الكبار والصغار، ولكن بعض الحاقدين نعتوه بما ليس فيه.

هنيئا لك يا رسول الله أن نورك موصول، وأن زرعك أثمر، حق لي أن أقول على أمثال شيخ الإسلام ابن القيم: يعجب الزراع.

إنهم الواقفون على يمين النبي صلى الله عليه سلم على حوضه.

هم الذين أوصلوا أنواره إلينا، وهم الذين حببوا النبي فينا، وحببونا في النبي صلى الله عليه وسلم، جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام.

اللهم لك الحمد على نور الإسلام، ولك الحمد على نور الإيمان، ولك الحمد على العلماء الكبار، فكانوا أعمدة لهذا الدين، ورفعوا راية الدين، ضد الملاحدة والمخربين، فكانوا لسان حق إلى يوم الدين، يحق فيهم قوله تعالى: يعجب الزراع، وقوله تعالى:{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (90)}.