التسامح نقيض التعصب الديني

الرئيسية المقالات مقالات دينية

التسامح نقيض التعصب الديني

التسامح نقيض التعصب الديني
حارب الإسلام التعصب والتطرف، وذم كل سلوك ينزع إلى الغلو والتزيد، فقال صلى الله عليه وسلم : (إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين) رواه أحمد، وقال في حديث مسلم عن ابن مسعود (هلك المتنطعون) أي المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم، وقال في حديث أنس بن مالك (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قومًا شددوا على أنفسهم، فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا﴾ [الحديد: 27].
من أجل ذلك قاوم النبي الكريم كل اتجاه ينزع إلى الغلو في التدين، وأنكر على من بالغ من أصحابه في التعبد والتقشف، مبالغة تخرجه عن حد الاعتدال الذي جاء بها الإسلام، ووازت به بين الروحية والمادية، كما أنكر على أصحاب النزعات التطرفية الذين ظنوا أن عبادتهم تفوق عبادته .
وقد عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ إطالته بالناس في الصلاة وقال: (إن منكم منفرين. من أم بالناس فليتجوز، فإن خلفه الكبير والضعيف وذا الحاجة) رواه البخاري ومسلم. وروى مسلم عن عثمان بن أبي العاص، قال: آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أممت قوما فأخف بهم الصلاة"، انتهى. وفي لفظ له: "فمن أم قوما فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم المريض، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده، فليصل كيف شاء".
ويذمّ الرسول الكريم سلوك التطرف «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى» أخرجه أحمد من حديث أنس. والمنبت الذي انقطع به السفر وعطبت به راحلته ولم يقض وطره اسم مفعول من انبت، (لا أرضا قطع ولا ظهرًا أبقى) فما بلغ مراده ولا أبقى ظهره، كذلك من أوغل في الدين انقطع ولم ينل منه ما كلف به.
ومن أخطر صور التطرف أن يتعصب المرء لرأيه تعصبًا لا يعترف معه للآخرين بوجود، وجموده على فهمه مما لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، ولا مقاد الشرع، ولا ظروف العصر، ولا يفتح نافذة للحوار مع الآخرين، ومحاولة الحجر على آراء المخالفين وإلغائها. ورغم أن الحق في جانبه وحده، وأن الضلال والجهل لدى من يخالفه، ويتهم من يخالفه بالفسوق والعصيان.
وهذا التعصب المقيت الذي يثبت للمرء فيه نفسه، وينفي كل ما عداه، ويدعي أن له الحق في الكلام، وعلى غيره أن يسمع فقط، وأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب، وبهذا لا يمكن أن يلتقي بغيره أبدًا، لأن اللقاء يمكن ويسهل في منتصف الطريق، وهو لا يعرف الوسط ولا يعترف به ويزداد الأمر خطورة حين يراد فرض الرأي على الآخرين بالعصا، وهذه العصا هي اتهام الآخرين بالابتداع أو الاستهتار بالدين أو بالكفر والمروق.
ومن مظاهر التطرف كذلك عدم التسامح مع الآخرين، والغلظة في التعامل، والخشونة في الأسلوب، والفظاظة في الدعوة، خلافًا لهداية الله تعالى، وهدي رسوله الكريم، وليس هذا وحسب بل نجد لديهم سوء الظن بالآخرين، والنظر إليهم من منظار أسود، يخفي حسناتهم، ويضخم سيئاتهم.
وذلك راجع إلى ضعف البصيرة بالدين، وفهم النصوص ظاهرها، فقط، والإسراف في التحريم، والتباس المفاهيم، وضعف المعرفة بسنة الله في خلقه.
وينبغي أن يكون التيسير لا التعسير والغلو هو سلوكنا، وأن ندعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنى، ومراعاة الرفق وعدم الغلظة على الناس ومراعاة أدب الحوار، ومعايشة جماهير المسلمين، ومعرفة مشاكلهم، ومعاملة الناس على أنهم بشر وليسوا ملائكة أولي أجنحة، فهم لم يخلقوا من نور، وإنما خلقوا من حمأ مسنون، ومن الطبيعي أن يقعوا في الخطأ، وعلينا أن نفتح لهم باب الأمل في عفو الله ومغفرته، وبجوار تخويفهم من عقاب الله وبأسه.
كما يجب عدم أخذ الناس بظاهر أعمالهم، وإن انغمس المسلم في المعاصي والكبائر فإنه لا يزال على إيمانه، ولا ينبغي تكفيره أو إساءة الظن به. ذلك أن لعن الناس وعدم التسامح معهم ولو كانوا عصاة منحرفين، لا يصلحهم ويقربهم من الخير، بل هو أحرى أن يبعدهم عنه. وبدلًا من ذلك ينبغي النصح والدعوة الحسنة وقد قال الحكيم: بدل أن تلعن الظلام أضئ شمعة تنير الطريق!

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض