مِن أين يأتي مدخل الصدق؟ ومِن أين يأتي مخرج الصدق؟

الرئيسية المقالات مقالات دينية

مِن أين يأتي مدخل الصدق؟ ومِن أين يأتي مخرج الصدق؟

مِن أين يأتي مدخل الصدق؟ ومِن أين يأتي مخرج الصدق؟
قال سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنه: "المؤمن له خمسة أنوار: كلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ويبعث يوم القيامة في نور"، هذا معنى: رب أدخلني مدخل صدق، فالإنسان إذا نزل مكانًا لا بد أن يكون هذا المكان فيه صدق مع الله تعالى، فلا تدخل هذا المكان إلا أن تكون فيه صادقًا مع الله رب العالمين، أي مكان يقربك إلى الله تعالى فهو مدخل صدق، وأيُّ مكان يأخذك بيدك إلى طاعة الله تعالى من طاعة إلى طاعة فهو مدخل صدق، لأنه يثبت الصدق في قلبك حتى إذا ما لقيت الله سبحانه وتعالى يقول لك، كما جاء في قوله تعالى {قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(المائدة: 119).
الأمر الأول: مدخل الصدق، المسجد مدخل صدق، لأنه منزل مبارك، ومجلس علم.. وبيتك الذي تقرأ فيه القرآن، وتستغفر فيه، وتقوم فيه الليل مدخل صدق، فكل هذه مداخل صدق، والمسلم إذا كان مدخله صدقًا في الدنيا فإن الله تعالى يجعل القبر له مدخل صدق، فاللهم اجعل قبورنا مدخل صدق، واجعل خروجنا منها مخرج صدق، واجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا.
فالمؤمن مدخله مدخل صدق، فإذا ما دخل في مكان فإنه يصلح فيه بين الناس، ولا يفسد بين الناس، إذا ما تكلم فإنه يتكلم بالصدق، لأنه يعلم أن الملكين الكريمين يسجلان عليه.
الأمر الثاني: لسان صدق، فالمؤمن له في الحياة مدخل صدق، أي لا يدخل الأماكن إلا إذا كانت فيها طاعة، وإذا مَرَّ على مكان فيه معصية فإنه يفرُّ منه، فإذا ما كان على هذه الحالة جعل الله تعالى له لسان صدق في الآخرين، أي بعد أن يموت فإنه يُذكر بالخير، أي إن الذين يتكلمون عنك بعد الموت يتكلمون بالصدق.
الأمر الثالث: قدم صدق عند ربهم، أي إنهم عندما يأتون ربهم سبحانه وتعالى فإن الله تعالى يقدمهم في الصادقين، أي ينقلهم إلى المرتبة الرابعة التي هي مقعد صدق {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55)} (القمر: 54-55)، أي إن المتقين في بساتين عظيمة، وأنهار واسعة يوم القيامة، وفي مجلس حق، لا لغو فيه ولا تأثيم عند الله الملك العظيم، الخالق للأشياء كلها، المقتدر على كل شيء تبارك وتعالى.
فعندنا مدخل صدق، ومخرج صدق، ولسان صدق، وقدم صدق، جاءت في قوله تعالى {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} (الإسراء: 80)، وقول تعالى{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (الشعراء: 84)، أي: واجعل لي ثناء حسنًا وذكرًا جميلًا في الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة، وكذلك قوله تعالى {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} (يونس: 2)، أي: أكان أمرًا عجبًا للناس إنزالنا الوحي بالقرآن على رجل منهم ينذرهم عقاب الله، ويبشرّ الذين آمنوا بالله ورسله أن لهم أجرًا حسنًا بما قدَّموا من صالح الاعمال؟ فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي الله وتلاه عليهم، قال المنكرون: إنَّ محمدًا ساحر، وما جاء به سحر ظاهر البطلان. كما جاء في قوله تعالى{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ(55)} (القمر: 54-55).
ومعنى قوله {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ}، أي: إنهم ما بلغوا هذه المقاعد في الجنة وما كانوا إخوانًا متقابلين في جنة عالية إلا لكونهم كانوا صادقين مع الله، مثل الصحابي الجليل الذي كان في الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل من أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم في لحظة عظيمة من لحظات الصدق كانت معه تمرات في يده، فنظر إلى هذه التمرات وهو داخل في الجهاد في سبيل الله، نظر في التمرات وتعجب، قال: هذه التمرات تحول بيني وبين الجنة! هذه التمرات تمنعني من دخول الجنة! وألقى التمرات على الأرض، ولقي الله تعالى وهو في هذه الحالة، في لحظة صدق نادرة، لأن الجنة كانت تنادي عليه، لأن مقعده في الجنة كان ينادي عليه، مثل هؤلاء هم الذين قال الله عنهم: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)} (الرحمن: 1-2).
كأنك تستشعر العظمة في القرآن كما ذكرنا في خواتيم سورة القمر، فدخلنا في سورة الرحمن، فالذي وهبنا القمر هو الله سبحانه وتعالى، والذي جعل القمر ينشق بين يدي الحبيب هو الله، كما قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ} ( القمر: 1)، فالذي شقه هو الرحمن، الآيات يفسر بعضها بعضًا، ما الذي بلغ المسلم هذا المقعد الصدق إلا أن يكون صادقًا، فأنت لا تبلغ مراتب الصديقين إلا إذا كنت صادقًا، ولا تبلغ رفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا كنت مع الصادقين، وإذا أردت أن ترتفع فأنت مع الصادقين.. مَن الصادقون؟ قال تعالى:{وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (النساء: 69).
وأنت تقرأ في الفاتحة قوله تعالى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المـَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (الفاتحة: 7)، أي: طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهم أهل الهداية والاستقامة، ولا تجعلنا ممن سلك طريق المغضوب عليهم، الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به، ومنهم اليهود، ومن كان على شاكلتهم، والضَّالِّينَ، وهم الذين لم يهتدوا، فَضَلُّوا الطريق، وهم النصارى ومَن اتبع سنتهم.
وفي هذا الدعاء شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال، ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام، فمَن كان أعرف للحق وأتبع له كان أولى بالصراط المستقيم، ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم السلام، فدلت الآية على فضلهم، وعظيم منزلتهم رضي الله عنهم.

ربما يقول المرء في نفسه: يا رب، ومَن الذين أنعمت عليهم؟ فقال لك ربك: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا(70)} (النساء: 69-70).

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض