الحمد لله رب العالمين، لا تراه العيون، ولا تخالطه
الظنون، ولا يصفه الواصفون، وأمره بين الكاف والنون، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت
علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات يؤوب إلى رحمته، حمده واجب، {وَقُلِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ۚ وَمَا رَبُّكَ
بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}
حمده واجب، {وَقُلِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي
الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا
(111)}.
وأشهد أن لا إله إلا الله، {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ
وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا
تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87)}
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وأستاذ العالم
ورسول العالم صلى الله عليه وسلم، الذي نور الدنيا كلها برسالته، {وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
اللهم اجعله راضيا عنا، اللهم اجعل نبيك راضيا عنا يا رب
العالمين.
الخطبة الحادية والأربعون، وعنوانها قد يبدو جديدا
عليكم، وهو: "دندنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
الدندنة هي الذكر الخفي، واذكر ربك في نفسك،
الدندنة بأذكار معينة لا تكاد تُسمع.
الدندنة هي الكلام الخفي الذي هو مناجاة، فالدندنة حالة
مناجاة مستمرة بينك وبين الله، ممكن تكون 1000 مرة، أو 2000 مرة، وأبو هريرة كان
يدندن في اليوم 40000 مرة.
اللسان عبارة عن جارحة الذكر، لكن الذكر في الأساس في
القلب، قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}.
ما تقول في الصلاة؟
هذا السؤال كان يسأله النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة،
يعلم الناس الصلاة، فسأل النبي رجلا من بني سلمة، اسمه سليم، يقول له: ما تقول في
صلاتك؟ فقال: أتشهد وأستعيذ بعدها من النار، وأسأل الله الجنة، هذا الكلام مأخوذ
من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
"اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو
عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل".
الموضوع الخاص بالدندنة له قصة، أن معاذ بن جبل كان يصلي
العشاء مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الصلاة يذهب إلى قومه بني
سلمة، الذين يعيشون في أطراف المدينة، فكانت المسافة بعيدة بين الحرم وبين بني
سلمة، فيأتي معاذ إماما لهم، وسيدنا معاذ يبعث يوم القيامة إماما للعلماء.
يصلي مع سيدنا العشاء، وبعدها يذهب ليصلي بقومه، وذات
يوم رجل اسمه سليم استبطأ معاذا، فصلى وحده، فلما أتى معاذ قيل له إن سليما تعجَّلك
وانصرف، وفي اليوم التالي شكى معاذ سليما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم
يصدر النبي عليه حكما غيابيا، فجيء بسليم فسأله، فقال سليم: يا رسول الله إني أعمل
طوال النهار، فاستبطأت معاذا وأنا مرهق فصليت وانصرفت، فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم: يا سليم، ما تقول في صلاتك، فقال:
أتشهد، وأستعيذ بالله تعالى من النار ثلاثا، وأسأل الله الجنة ثلاثا، غير أني لا
أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ.
ليس عندي طاقة على الطاعة والعبادة والذكر مثلك يا رسول
الله ولا مثل معاذ رضي الله عنه.
أيكم كأبي هريرة؟ لا أحد، أيكم كهذا الشاب الذي ذكره أبو
رجب الحنبلي؟ يذكر قصة في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال لسانك
رطبا بذكر الله"، فكان هناك شاب صالحا طوال اليوم يسبح الله ويحمد الله، ويذكر
الله، حتى مات وهو يذكر، فلما أتوا كي يغسلوه ظل أصبعه مسبحا كما كان مسبحا في
الدنيا.
الشاب الصالح كان له دندنة، ولكل مسلم يعرف أذكارا معينة
يختم بها الصلاة، أنا لا أتكلم عن هذه الأذكار، أنا أتكلم عن خصوصية أو خبيئة تكون
بينك وبين الله عز وجل.
في أحاديث أخرى أن دندنة معاذ هي: "ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: "حولهما ندندن".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله
الجنة ثلاثا، واستعاذ من النار ثلاثا وجبت له الجنة"
سألوا رسول الله عن دندنة معاذ، فقال معاذ: دندنتي يا
رسول الله: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولهما ندندن.
وأجمل دندنة هي الصلاة على سيدنا صلى الله عليه وسلم؛
لأن أثرها موجود بالفعل في نفس الوقت.
قال أبي بن كعب: أجعل صلاتي كلها لك يا رسول الله، يعني
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لمن يكثر منها من فعلها تغنيه عن باقي
الأذكار والتسابيح.
قال أبي بن كعب: أجعل صلاتي كلها لك يا رسول الله، فقال
صلى الله عليه وسلم: إذن يكفيك الله تعالى همك، ويغفر لك ذنبك.
من أكثر من الصلاة والسلام على سيدنا صلى الله عليه وسلم
كفاه الله همه، وغفر الله له ذنبه.
وذكر ابن رجب أنه كان هناك شاب صالح في بلاد الأندلس،
كان لا يتكلم مع أحد إلا إذا صلى على سيدنا رسول الله، وعاش الشاب على هذا، فغيروا
اسمه، أصبح اسمه: صلى الله على محمد.
عندنا في السنة الأدعية الكوامل، تقول السيدة عائشة رضي
الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الكواكل من الدعاء،
"اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما
قرب إليها من قول أو عمل".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الأمة:
"اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم،
وأستعيذ بك من شر ما استعاذ به عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم".
هل الأفضل أن الإنسان يدندن، أو يكون ذكره عاليا؟ الأفضل
الدندنة لأنها سر بينك وبين الله عز وجل "الذكر الخفي" أو المناجاة.
فمن زحزح عن النار
كأن أحدا يشدك ويزحزحك عن النار، الذي شدك وشد الأمة هو
رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثلكم
كرجل أشعل النار، فجعلت الجنادب والفراش كلما اقتربت منها تحترق، أما مثلي ومثلكم،
عبارة عن رجل يتقدم إلى النار وأنا آخذ بحجزك، وأنتم تتفلتون مني، وأنتم تتقاذفون
فيها، {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}.
الخطبة الأخرى..
الحمد لله رب العالمين، سبحان من سبح الرعد بحمده،
والملائكة من خيفته، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ
السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ
قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62)} والصلاة والسلام على نور الكمال وكمال النور،
وصاحب الشفاعة العظمى وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين.
كل مسلم لا بد أن يكون له ذكر خفي بينه وبين الله تعالى،
واللسان لا يعمل إلا إذا كان القلب يعمل، {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ
عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد رأيت هذا مع أبي رحمه الله، وكنت
أظنه من الصالحين، كان يجلس بجواري، وينام، وهو مسبح، فمن كان مشغولا بالله تعالى
في يقظته، كان مشغولا بالله تعالى في منامه.
وأثنى الله تعالى على الذاكرين، لأنهم هم المصلون
والمزكون والحجاج، والذاكرين الله كثيرا والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجرا
عظيما.
دعاء الدندنة
يا فارج كل هم، يا كاشف كل كرب، يا أمان الخائفين، يا
ولي الصالحين، أقسم بك عليك يا الله، اجعلنا مشغولين بك لا بغيرك، اجعل انشغالنا
بك لا بغيرك، استعملنا لا تستبدلنا وأعنا على ما كلفتنا يا الله، ارزققنا دندنة
معاذ "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"،
نسألك دندنة معاذ: "اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار"، نسألك
دندنة رسول الله: "اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ
بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل".
يا الله خذ بأيدينا إلى أن نكون من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات،
أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما، اجعلنا ممن قال عنهم الرسول الكريم: لا يزال
لسانك رطبا بذكر الله، ولا تفتنا بالدنيا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ
علمنا، ولا إلى النار مستقرنا، اللهم إنا نسألك من خير ما سألبك به نبيك وعبدك
محمد صلى الله عليه وسلم، اجعلها ساعة الفرج، لكل المهمومين والمديونين والغارمين
والتعبانين والمرضى ومن اشتد عليهم البلاء ومن جرت عليهم الحوادث، ومن هم في العنابات
المركزة، ومن توالت عليهم الأمراض، فلم يجدوا بابا إلا بابك، فأنت الفرج كله ومنك
العطاء كله وإليك يرجع الأمر كله..
"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا (56)"
"رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ "