صور من حفظ الله للصالحين
كان هناك مولى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي خادم يساعده، ضل الطريق ذات يوم، وانقطعت به السبل في صحراء واسعة، فهيَّأ الله له أسدًا وصَّله إلى مأمنه.
وذكروا رجلًا من الصالحين كان يقوم الليل، فظل يصلي ويناجي، فإذا بأسد بجواره يستكين ويهدأ ويستمع إلى قراءته العذبة، حتى سلم فانصرف الأسد، فأتى إليه أحبابه فقال لهم: لما قمت بين يدي الله استحييت أن أكون بين يدي الله وأخشى غيره.
والثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة، وما كان لهم من ملاذ إلا أن استجاروا بعملهم الصالح، كل واحد منهم استجار بعمله الصالح لوجه الله، فإذا بالصخرة تنفرج ويخرجون، حفظهم الله في شدتهم بعمل صالح.
إن الإنسان يعمل الصالح لنفسه ولذريته من بعده، قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} (النساء:9)، ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع، فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم، وذلك بحفظ أموالهم، وحسن تربيتهم، ودفع الأذى عنهم، وليقولوا لهم قولًا موافقًا للعدل والمعروف.
كذلك قال تعالى:{قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالليْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ} (الأنبياء:42)، والمعنى: قل أيها الرسول لهؤلاء المستعجلين بالعذاب: لا أحد يحفظكم ويحرسكم في ليلكم أو نهاركم، في نومكم أو يقظتكم، من بأس الرحمن إذا نزل بكم، بل هم عن القرآن ومواعظ ربهم لاهون غافلون، هل من أحد يحفظكم غير الرحمن؟ بل هم عن ذكر ربهم معرضون.
اللهم عافني في سمعي، وعافني في بصري، وعافني في بدني.. اللهم احفظني بالإسلام قائمًا، واحفظني بالإسلام قاعدًا، واحفظني بالإسلام راقدًا، اللهم إني أعوذ بك أن اغتال من تحتي، اللهم متعني بسمعي، ومتعني ببصري، ومتعني بقوتي ما أحييتني، واجعله الوارث مني، واجعل ثأري على من ظلمني، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي، اللهم احفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
إذا سألتم الله فاسألوه العفو والعافية..كثير من الناس حجبت عنهم هذه النعمة، وكم من نعمة أعطاكها الله سلبت من غيرك، ومن أفضل وأعظم النعم نعمة لذة الإيمان، لأنها الحافظة لك، احفظ الله يحفظك، الإيمان نور كبير وهو خير حافظ من الله تعالى، قال تعالى:{وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} (الأنفال:23).
ولو علم الله في هؤلاء خيرًا لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره، حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه وبراهينه، ولكنه علم أنه لا خير فيهم، وأنهم لا يؤمنون، ولو أسمعهم على الفرض والتقدير لتولَّوا عن الإيمان قصدًا وعنادًا، بعد فهمهم له، وهم معرضون عنه، فلا التفات لهم إلى الحق بوجه من الوجوه.
القلوب السامعة هي القلوب الصادقة مع الله، فإنها تُحفظ من الله جل في علاه، وأعظم نعمة تحفظ بها هي نعمة صلاة الفجر قال صلى الله عليه وسلم: "مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشيءٍ فيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ"، أي في جوار الله، في راية الله، الحجاج ابن يوسف أتى برجل فقال: اقتلوه، وكان جالسًا بجواره سالم بن عبدالله، سألوه هل صليت الفجر؟ قال: صليت الفجر في جماعة، فقال: لا تقتلوا رجلًا جعله الله في جواره، فصلاة الفجر حفظته من القتل، ومن أضر رجلًا في ذمة الله لعنه الله تعالى، أي إذا صلى رجل وأنت ظلمته أو آذيته فإن الله يلعنك، لأنك أسأت إلى رجل جعله الله في جواره، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.