فتوى : ما حكم الأموال التي تجمع من المواطنين بواسطة اللجان الشعبية لتدفع للعامين في مجال رصف الطرق وغيرها من الأعمال، وهل تعتبر رشوة؟
فتوى : ما حكم الأموال التي تجمع من المواطنين بواسطة اللجان الشعبية لتدفع للعامين في مجال رصف الطرق وغيرها من الأعمال، وهل تعتبر رشوة؟ فإن الله تعالى يقول: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقد ذكر أهل التفسير من بين أنواع أكل أموال الناس بالباطل أخذ الرشوة قلت أو كثرت. قال القرطبى رحمه الله فى تفسير هذه الآية: ((اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قل أو كثر فإنه يفسق بذلك، وأنه محرم عليه أخذه)). وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال: ((لعن الراشي والمرتشي)) وفى رواية ثوبان زاد: (والرائش يعنى الذى يمشى بينهما) . قال ابن الأثير فى النهاية: (والرشوة: الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشا الذى يتوصل به إلى الماء؛ فالراشى من يعطى الذى يعينه على الباطل، والمرتشى الآخذ، والرائش الذى يسعى بينهما يستزيد لهذا أو يستنقص لهذا) إذا علم هذا من أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى فلابد من بيان أمور يتضح بها الجواب عن المسألة: أولها: أن الأصل في الرشوة أنه حرام على المعطى دفعها، وعلى الآخذ قبضها أو الانتفاع بها؛ لعموم اللعن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا الواجب على من كلف بعمل وتقاضى عليه أجراً أن يؤديه على الصفة المطلوبة في الوقت المطلوب دون أن يطلب زيادة أو يتحايل على أخذ شيء من الناس؛ وقد قال النبى ((من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول)) . ثانيهما: أنه يستثنى من هذا الأصل أحوال الضرورة التي تتعين فيها الرشوة سبيلاً وحيداً للحصول على الحق أو الخلاص من ظلم، قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: (الراشي المعطى، والمرتشي الآخذ، وإنما تلحقهما العقوبة معاً إذا استويا في القصد والإرادة، فرشا المعطى لينال به باطلاً، ويتوصل به إلى ظلم، فأما إذا أعطى ليتوصل به إلى الحق أو يدفع به عن نفسه ظلماً فإنه غير داخل في هذا الوعيد) وقد روى أن ابن مسعود رضى الله عنه أخذ في سبي وهو بأرض الحبشة فأعطى دينارين حتى خلى عن سبيله ثم قال: وكذلك الآخذ إنما يستحق الوعيد إذا كان ما يأخذه على حق يلزمه، فلا يفعل ذلك حتى يرشى، أو عمل باطل يجب عليه تركه فلا يتركه حتى يصانع أو يرشى. وقال ابن الأثير: (فالراشي من يعطى الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا أو يستنقص لهذا، فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه… ثم أورد الرواية عن ابن مسعود وقال: وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم). ثالثهما: أنه يمكن لمن أراد من الناس استعجال قضاء حاجته من رصف طريق أو توصيل كهرباء أو مياه أو غير ذلك من المصالح الحاجية التي تنزل منزلة الضرورة أن يكون بينهم وبين العمال عقد إجارة بعوض معلوم على أن يقوموا بإنجاز هذا العمل في غير أوقات الدوام الرسمي، وعلى ألا يتعمد أولئك العمال أن يبطئوا في العمل رجاء الدخول في عقد إجارة مع السكان؛ لأنهم في تلك الحال يكونون قد تحايلوا على أخذ الحرام، والعلم عند الله تعالى.