سعيد بن المسيب

سعيد بن المسيب

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، بيده الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، اللهم لك الحمد عى كثير إمدادك ولك الحمد على مزيد إحسانك، تعطي المزيد وتفعل ما تريد، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].

سبحان من علم الأنبياء وعلم الشهداء وعلم العلماء وعلم النبلاء. والصلاة والسلام على أسعد الخلق بالله تعالى وسيد الأنقياء وسيد البلغاء،  وخير من نطق بالضاد وأتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 هذه دروس جميلة نتدارس فيها أحوال الصالحين، وأخلاق الصالحين، معنا إمام من أئمة التابعين في المدينة، وهو الإمام التابعي سعيد بن المسيب بن حزن رضي الله تعالى عنهم تتلمذ على يد أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقرب عهده بالصحابة تزوج ابنة صحابي فقير، وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وزوج ابنته لأبي وداعة رغم أنه كان شابا فقيرا جدا، ولكنه كان صالحا جدا وتقدم ولي العهد، يعني من سيكون خليفة لكي يتزوج ابنة سعيد فرفضه وقال: إني لا أضع يدي في أعوان الظالمين، مما جلب عليه أن غضب عليه الوليد بن عبد الملك، وألبسه المسوح وطاف به في المدينة وجلده جلدا عظيما، فزاد استمساكا بالله تعالى.

 إذا تحدثنا عن الصالحين فذاك رجل من كبار كبار الصالحين، وإذا تحدثنا عن العلماء فهو من أسياد العلماء وإذا تكلمنا عن الفقراء فهو متشبه بحال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 لقد اعتدنا في الدروس الماضية أن نقول: إن فلانا صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، أبو حنيفة وغيره خمسين سنة، لكنه بقي خمسين سنة يصلي العشاء بوضوء الفجر خمسين سنة يصلي العشاء العتمة بوضوء الفجر طبعا ليس أنه محافظ على الوضوء لا، ولكن لأن شغله كله مع الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) ([1]).

 وحجّ أربعين مرة، كطاووس بن كيسان اليمني حج أربعين مرة، وكان يسرد الصيام وكان يسرد الصيام يعني مواصل قال ابن الجوزي: وكان يسرد الصيام.

 ابن الجوزي في (صفة الصفوة) عندما يتكلم عن هؤلاء الأكابر ينبسط في الكلام فتكلم عن سعيد بن المسيب في صفحة ونصف، وقال: ونظرا لكثرة مناقبه وكثرة إمداده وكثرة علمه وتميزه، فقد جعلت له مجلدا خاصا به ([2])، أنا استغربت الأول وأنا بحضر الدرس كيف يعني يعطيه صفحة ونصف لا تليق بسعيد، يعني سعيد حاجة عظيمة مزلزل.

 فقال ابن الجوزي: خصصت له مجلدا على حده كان يسرد الصيام يعني مواصل الصيام، ولكونه كان على هذه الحالة فقال: ما فاتتني تكبيرة الإحرام خمسين سنة، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أذن المؤذن في المسجد في حلٍ ولا سفر أو لما يروح يحج إلا وأنا في المسجد وطبعا أكيد أن هؤلاء ظهرت لهم كرامات.

 في واحد له كتاب جميل جدا سأدلكم عليه لطلاب العلم هذا الكتاب اسمه كتاب (المستغيثين بالله عند المهمات والحاجات والمتضرعين إليه سبحانه بالرغبات والدعوات، وما يسّر الله لهم الكريم من الإجابات والكرامات)، هذا عنوان الكتاب فقط عنوان مجلد، تأليف الإمام الحافظ قلنا: الحافظ هذا يعني حافظ الدنيا كلها لو قلت له: السماء فيها كم نجم سيقول لك، حافظ كل حاجة كلمة حافظ يعني: حافظ كل الدنيا من أول سيدنا آدم إلى الوقت الذي هو عايش فيه.

 ألفه الإمام أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال المشهور بابن بشكوال صاحب كتاب (الصلة) هذا الكتاب جميل جدا ذكر ابن بشكوال في كتابه (المستغيثين بالله تعالى) هذه القصة والقصة أحضرتها معي كما أن ابن أبي الدنيا أيضا ذكر قصة لسعيد في إجابة الدعاء أورد ابن بشكوال هذه القصة، أن رجلا اشتكى شكوى شديدة وأعياه الأطباء فأتى يوما إلى سعيد بن المسيب رضي الله عنه فقال: يا أبا محمد إني اشتكيت شكوى طالت بي يعني مريض من زمان مرض مزمن وقد أعيت الأطباء، وقد جئتك أتوجه بك إلى الله فادعو الله أن يكشف عني فقام فتوضأ، ثم صلّى ركعتين ثم دعى الله تعالى فما لبث الرجل أن برئ وصح والحمد لله كثيرا، هذه القصة أوردها ابن بشكوال في كتابه (المستغيثين بالله عند المهمات والحاجات، والمتضرعين إليه سبحانه بالرغبات والدعوات، وما يسر الله لهم من الإجابات والكرامات)، أما ابن أبي الدنيا صاحب كتاب (مجابو الدعاء) رغم أنه كتاب مختصر جدا، ولكنه ذكر هذه القصة عن سعيد بن المسيب، أن رجلا كان يسبّ الصحابة رضي الله عنهم فكان يسب طلحة بن عبيد الله وكان يسب الزبير بن العوام، وكان يسب الإمام علي رضي الله عنهم والثلاثة يعتبرون من حواري رسول الله، والثلاثة مبشرون بالجنة، فسبهم هذا الرجل فقام سعيد وسط الناس وقال: اللهم إن كان كاذبا فيما يقول فسود وجهه الآن، فخرجت قرحة في وجه، ثم انتشرت في وجهه في وجه الرجل ثم انتشرت في وجهه، ثم انتشرت في وجهه فسار الرجل كل وجهه أسود وجسمه أبيض، وبقي على هذا إلى أن مات فسوّد الله وجهه بدعوة سعيد وسوّد الله وجهه بسبه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 يقول سعيد: ما أعزت العباد نفسها بمثل طاعة الله تعالى([3]).

الملاحدة، كالذي كان داعية، وملتحي وإمام وخطيبا، ثم كفر بالله يقول: لماذا نعبد ربنا؟ ما الذي يوجب علينا أن نشكر الله؟، الإجابة أنك محتاج إلى الله طيب أشكر ربنا ليه هو ربنا استشرني لما خلقني، أنت تشكره؛ لأنك أنت محتاج إليه {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] الطاعة في الإسلام للمسلم هي الوقود الذي يتزود به، وهي الطاقة التي يستعين بها والإنسان بلا عبادة فليس له مجالسة ولا مؤانسة ولا حب عند الله، {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77] الذي لا يدعو الله، ولا يعبد الله فقد كذب، وكذب نعم الله فيه كذب نعم الله فيه؛ لأن الخلق أحوج ما يكونون إلى الخالق {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].

 وكان يقول سعيد: من استغنى بالله من استغنى بالله افتقر الناس إليه. ولذا هذه الجملة سببت له مشاكل كثيرة جدا؛ من استغنى بالله افتقر الناس إليه، فكان الخلفاء والأمراء يرسلون إليه لكي يأتي إليهم بطريقة لا تعبر عن مقام العلماء، فكان يرفض لم يكن يرفض من باب كتم العلم أو حجب النصيحة، ولكن كان يرفض؛ لأن الطريقة التي كان يدعى بها يعني إليهم كانت مهينة، فذات مرة كان يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة الضحى هو الدرس الوحيد الذي كان موجودا أيامها، فأرسل الوليد عندما كان يحج هذا العام، فقال: احضروا إلي عالما يحدثني. يعني يقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب إليه أحد أتباع الخليفة وسعيد منهمك في الدرس فأشار إليه هكذا، يأتيه، فلم يرد عليه ثم قال له: ألم أقل لك؟، فقال له: إذا أراد أمير المؤمنين أن أحدثه فليأتي كي أحدثه هنا مع الناس، قلت لك: هذه المواقف التي بها عز العلماء مواقف مكلفة للإنسان في حياته؛ لأنها تقع بينه وبين علماء السلطة، ولكن في الوقت نفسه تجلب عليه محبة الناس ويموت هؤلاء الناس ويبقى ذكرهم في الكون إلى أن تقوم الساعة.

 وكان سعيد رضي الله تعالى عنه قد أتى إليه رجل وهو في وقته راحته مثلا فقال له: حدثني حديثا فقام سعيد وتوضأ ولبس أفضل ما عنده وقال: ها أنا ذا جاهز كي أحدثك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأدب الأدب مع الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 وكان يقول: لا تقولوا مسيجد تصغير مسجد، ولا تقولوا مصيحف تصغير مصحف، فلا تصغروا مع عظم الله هذه الكلمة تكتب بمداد الذهب، لا تقولوا: مسيجد ولا تقولوا مصيحف ولكن قولوا: مسجد ومصحف فلا تصغروا ما عظم الله حياتهم هكذا، لا تلين لهم قناة. يعني عندهم ثبات في الدعوة رهيب، ولا تنكسر لهم راية، ولا يدنس لهم عرض ليه، لأن الذين ينزلقون خلف السلطة إما أن يكذبوا وإما أن يضيعوا دينهم لحاجتهم إلى المال.

 وهذا الرجل كان يكفيه في اليوم الواحد رغيف واحد فقط؛ لأنه كان يواصل الصيام فليس محتاجا إنه ينكسر إلا لله، ولذا فإن هذه المواقف تعلموها من أصحاب رسول الله صلى اله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، مما أورثهم مهابة عند الناس يعني الناس يهابونهم؛ لأنه خاف الله لأنه خاف الله، فجعل الله له خوفا في قلوب الناس من خاف الله. يقول الحسن البصري: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، وأتى الأسد نفسه إلى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يركبون زورقا أو مركبا فتشتت بهم فتقاذفتهم الأمواج فتعلق بلوح حتى كان في جزيرة فلما أفاق فإذا بالأسد أمامه فاغرا فاه مقبلا إليه فقال له: أنا صحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى الخلف، يعني أوسع لك كي تركبني، فلم يركب وصلى ركعتين فظل الأسد حارسا إياه لأنهم حرسوا، حرسوا بالسين- قلوبهم من المعاصي فحرسهم الله عن الظالمين، مرة ثانية، لأنهم خافوا من الله فأخاف الله منهم كل شيء.

 يقول: إن كثيرا من الناس والعلماء وأصحاب الفضل لهم عيوب شيء طبيعي، ولكنهم من سوءاتهم أنهم لا يحبون أن يذكرهم أحدا بعيوبهم ومن ذكرك بعيبك فقد أحبك في الله ودا كلام جديد جدا، ومهم لأن في ناس بسطاء أو علماء عندهم عيوب مثلا حب الذات حب الشهرة العصبية الزائدة المبالغة في الصراع على الدنيا محتاج أحد يعطيه كبسولة يصحصحه فهو لو أعطيته الكبسولة سينفجر في وجهك.

 وهذه كانت أزمة كثير من الناس الذين كان يحتكرون السلطة في هذه الأيام، إن هو محتاج مواعظ على كيفيه، لكن عندما تقترب من الكلام على الظالمين، وهو يعرف إنه ظالم، فإنه لا يحب أن يستمع إليك {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} هذا منهج، اسمه المنهج الوقائي {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113].

 هذا الرجل سعيد بن المسيب ثاني واحد في الطبقة الأولى. وليست الثانية. الطبقات هذه مهمة جدا في الطبقة الأولى من طبقات علماء المدينة من التابعين أولهم: الإمام محمد بن علي بن أبي طالب سامع الاسم المزلزل ابن من؟ ابن سيدنا علي وبعده: سعيد بن المسيب وبعده سعيد بن جبير، نلتقي به  الدرس القادم إن طال بك الزمان.

 اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك،  اللهم علّمنا كما علمتهم، اللهم نورنا كما نورتهم، اللهم أسعدنا كما أسعدتهم، اللهم اجعل أنسانا إليك وافتقارنا إليك والتجاءنا إليك {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84] ارض عنا، واجبر خاطري في أحبابي.

 اللهم كما جبرت سعيدا بن المسيب في مرات عديدة كما استمعنا وشاهدنا فكان مجاب الدعاء فاجعلني وإياكم من مجابي الدعاء.

 اللهم إنه كان صبورا على طاعتك وكان صواما قواما متوضأ فنقسم بك عليك أن تنالنا بركاته وكراماته، واجعلنا من المستغيثين بالله ممن يلجئون إلى الله عند الملمات والمهمات والحاجات، ومن أغدق الله عليهم بالكرامات والبركات، كما قال الإمام الحافظ ابن بشكوال، اللهم اجعلنا منهم يا الله يا الله، واجعلنا من مجابي الدعاء الذين ذكرهم الإمام الحافظ ابن أبي الدنيا، اللهم إنا نحبهم؛ لأنهم عرفونا بك اللهم إنا نحبهم لأن حياتهم عظيمة، اللهم إنا نحبهم لأنك أجريت الخير على أيديهم وثبت بهم، اللهم اقضي حاجتنا بحبنا لهم، بحبنا لهم.

 أقسم بك عليك يا الله اجعل دروسي هذا منقولة إلى الملأ الأعلى إلى الملأ الأعلى، ويذكرها ملائكتك وحملة عرشك، تتذكرها ملائكتك الآن، فجد علينا يا الله واعف عنا يا الله، واعف عنا يا الله، فأنت حيلتنا وأنت غايتنا وأنت قصدنا وأنت ملاذنا وأنت مغيثنا وأنت مجيبنا {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات: 75].

 أقسم بك عليك يا الله، أظنها الآن ساعة فرج، أظنها الآن ساعة إجابة، أظنها الآن ساعة رضا، فارض عنا الآن وعن كل محبينا، ومن أخلصوا في الدعاء معنا، {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار} [غافر: 14 - 16] {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 40، 41] بلّغ صلاتنا وسلامنا إلى من بيته في طيبة حرم، واسمه قسم من أعظم القسم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 



([1]) حسن: أخرجه أحمد في مسنده (22432) ، وابن ماجه في سننه (277) عن ثوبان.

([2]) انظر صفة الصفوة (1/ 347).

([3]) انظر صفة الصفوة (1/ 346).

تصفح أيضا

الرحمن

الرحمن

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض