خطبة الجمعة " الظانُّون بالله "

الرئيسية المقالات مقالات دينية

خطبة الجمعة " الظانُّون بالله "

 

خطبة الجمعة

الظانُّون بالله

فضيلة الأستاذ الدكتور

أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامي

6 من شهر صفر 1444هـ

2/9/2022م

 

 

الحمد لله رب العالمين، سبحان من سبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، لا إله إلا الله، له الملك وله الحمد، وله الجمال، وله الجلال، وله العظمة والكبرياء، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)}.

وأشهد أن لا إله إلا الله، يحكم بالحق، ويقضي بالحق، وهو الحق، والقرآن حق.

وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله سيرته خير السير، وعترته خير العتر، اللهم ارزقنا شفاعة النبي الكريم واحشرتا في زمرته وتوفنا على ملته وأنت راض عنا يا رب العالمين.

الخطبة الخامسة والأربعون، بعد أن تحدثت عن المعوقين والمخلفين، اليوم موعد جديد مع خطبة جديدة عنوانها: الظانون بالله.

الظن بالله تعالى أخطر قضية في الكونين، وجعلت الناس مؤمنين أو كافرين، من أحسن الظن في الله، أعطاه الله تعالى كل ما تمنى، ومن أساء الظن بالله تعالى فهذا عنده خلل في العقيدة، وهذا معناه أنه كافر، وليس مسلما.

الظانون بالله إما أن يكون ظنهم طيبا، وهو ظن أهل الإيمان، وإما أن يكون ظنهم سيئا، فيقول: الله يظلم وحاشاه.. فيبدأ يسيء الظن بالله تعالى، وعندما يسيء الظن بالله تعالى فإنه قد كفر بالله، مثله كمثل الملحد.

{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)}.

يقول: الكون خلق نفسه بنفسه، وُجد من غير خالق، وهذا كلام غير منطقي، مستحيل أن الكون ينشء نفسه بنفسه.

الذي ضيع الكافر والمنافق هو سوء الظن بالله تعالى.

ظنّ الإيمان

ظن الإيمان هو ظني وظنكم، وظن جميع المسلمين، أن الله هو الخالق وهو العظيم والجليل والمكون والمكور، وأن الله تعالى عادل لا يظلم، وقوي لا يضعف، وعزيز لا يهان أبدا.

الصفات أربعة: صفات الجلال، وصفات الجمال، وصفات العظمة، وصفات الكبرياء وهي عقيدة أهل السنة والجماعة.

التوحيد ثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، أي شخص ينكر هذا فهو كافر.

ظن الإيمان: يؤمن بالله ورسوله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)}.

ظن الإيمان عندما تصلي تعلم أن الله يراك، ويعلم ما يجري في صدرك الآن، إنه عليم بذات الصدور، هذا هو ظن الإيمان.

إذا عملت معصية في الضوء وفي الظلمات فإن الله تعالى يراك.

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ** خلوت ولكن قل: علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل لحظة ** ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

الله تعالى يعلم السر وما هو أخفى من السر.

ظن الإيمان أن الله تعالى يعلم بك قبل أن يخلق الكون بخمسين ألف سنة، كل صفاتك الوراثية .. لك صفحة عند

 الله من خمسين ألف سنة، فيها كل شيء، {إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)}. الفارق بين المؤمن والكافر ظن الإيمان.

ظن الجاهلية

{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)} أي شخص يسيء الظن بالله يدخل في هذه الآية.

الذين أساؤوا الظن برسول الله المخلفون والأعراب عندما قالوا أن النبي إذا ذهب إلى مكة سيعود مقتولا، {بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ}، قالوا: لن نخرج مع محمد لأن محمدا إذا ذهب إلى مكة سيقتله أهل مكة، {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)}.

كل من يسيء الظن بالله وبرسول الله اسمهم الظانون بالله تعالى ظن السوء.

عندما تقول في التشهد: السلام عليك أيها النبي فإن النبي يسمعك الآن، إذا ظننت غير هذا فأنت أسأت الظن بالله تعالى رب العاليمن.

يقول تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}، ظن الجاهلية يعني: كل ما هو ضد الإيمان جاهلية، الشرك بالله جاهلية، النفاق جاهلية، المظهرية جاهلية..

يظنون أن الله لن ينصر الإسلام أبدا، بل يعتقدون أنه ليس هناك إله ولا رسول ولا كتاب ولا قرآن، وهذا ظن الملاحدة، كل كلام الملاحدة ظن الجاهلية.

ظن الإيمان يقوم على كلمة واحدة: الذين يؤمنون بالغيب.

نحن الآن معنا ملائكة، ومعنا جن مسلم، أنا أتكلم بيقين، ولو قال أحد: لا يوجد جن ولا ملائكة ولا غيب فهذا ظنّ الجاهلية. {كراما كاتبين.. يعلمون ما تفعلون}

ظن الجاهلية مرتبة تؤدي بالإنسان إلى هذا الكلام: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)}، كل إنسان يسيء الاعتقاد في الله هذا جاهل بالله تعالى، {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

حسن الظن

الناس بين حسن الظن بالله وبين سوء الظن بالله، شخص لا يصلي، فسألناه: لم لا تصلي؟ فقال: الله مشغول عني، لأن الله خلق ستة مليارات ونصف، الذي خلقهم يرزقهم، والذي خلقهم يحاسبهم.

من حسن الظن بالله أن الإمام عليا يقول: لو كشفت الحجب بيني وبين الله ما ازددت يقينا، أنا عندي اليقين الكافي، ولست في حاجة أن أرى الله جهرة.

يوم بدر كان الموقف عصيبا على النبي، قريش جاءت بكل خيلائها لكي يهجموا على النبي، أعداد الكفار قدر المسلمين ست مرات، معركة غير متكافئة، فقال الصديق: يا رسول الله إنا نعلم أنك لو دعوت الله لاستجاب الله لك، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يدعو حتى رؤي عفر إبطيه. حتى قال النبي في آخر الدعاء: اللهم نصرك الذي وعدتني وأرخى يديه، ثم قال: كأني أرى مصارع القوم، هنا يقتل فلان، وهنا يقل فلان، وهنا يصرع فلان، فكان كما قال صلى الله عليه وسلم.

ثم قال الملك: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، أي أن الله تعالى دعمكم ونزلت الملائكة وقاتلوا مع سيدنا رسول الله، بل سمعوا صوت الملائكة، سمع أحدهم صوتا يقول: أقدم حيزوم، فقاتلت الملائكة مع رسول الله، هذا هو حسن الظن.

من أحسن الظن بالله تعالى أحسن العمل.

النجاة بظن اليقين

ظن اليقين هو الذي ينجيك الآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل".

المصيبة أن تعتقد أن الله تعالى غافل عنك، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل". على قدر ما تحسن الظن بالله تعالى فإنك تعمل لله بقدر معرفتك بالله، وإن الله تعالى حاشاه أن تعزب عنه كبيرة ولا صغيرة، {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)}.

الذي ينجيك في الدنيا حسن الظن بالله تعالى، والذي ينجيك في الآخرة أيضا حسن الظن بالله تعالى.

{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}.

الخطبة الأخرى

الحمد لله رب العالمين، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}.

والصلاة والسلام على نور الكمال، خير من أحسن الظن بالله، عندما كان في غار ثور مع الصديق رضي الله تعالى عنه، فقال الصديق: لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا".

دعاء حسن الظن بالله

يا سميع يا قريب، يا سامع نجوانا، يا كاشف بلوانا، يا من يطلع علينا ويرانا، يا من لا يغيب عن سمعه شيء، ولا عن بصره شيء، يا أسمع السامعين، يا الله، يا أبصر الباصرين، يا ولي الصالحين، ارزقنا حسن اليقين بك يا الله، وحسن الظن بك يا الله، وحسن اليقين بلقائك، وحسن الظن بالقضاء والقدر، وحسن الظن بالملائكة الأطهار، وحسن الظن بالغيب والشهادة، وأن الله تعالى يعلم السر وأخفى، يا من أحاط بكل شيء علما، يا من وسعت رحمته الآفاق، {ورحمتي وسعت كل شيء، فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}..

اللهم أدخلنا في رحمتك الواسعة، كلنا يرجو عفوك، وكرمك، نحسن الظن بك يا الله، اللهم إنا نسألك إيمانا يباشر قلوبنا حتى لا نحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت.

اللهم عجل لنا في هذه الساعة بالفرج يا الله، أنت الفرج كله، وأنت الأمان كله، وأنت الحب كله، وأنت الرضا كله، وأنت اليقين كله، وإليك يرجع الأمر كله، توفنا على حسن اليقين بك، وعلى حسن الرضا عنك، توفنا وأنت راض عنا، يا حنان، يا منان، فوضنا أمرنا إليك، ففرح قلوبنا الحزينة، وفرج عنا ما نحن فيه، وأدخل الفرح علينا وعلى بيوتنا وعلى بيوت المكروبين والمضطهدين والمديونين والغارمين، ومن تعبوا تعبا شديدا، فرج عنهم يا الله، يا أرحم الراحمين يا الله.

{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}

 

 

 

 

 

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض