الحمد لله رب العالمين، اللهم يا مفرح القلوب فرح قلوب الأمة في هذا اليوم العظيم ،اللهم تب علينا حتى نتوب، وأذقنا حلاوة التوبة والخشوع.
وأشهد أن لا إله إلا الله، ولي الصالحين، وأمان الخائفين، ومجيب دعوة المضطرين، أقسم بك عليك يا الله، أن تجعلها جمعة الفرج، "قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب".
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، سيرته خير السير، وعترته خير العتر.
دعا إلى الله فالمسمسكون به ... مستمسكون بحبل غير منفصم
وانسب إلى قدره ما شئت من شرف ... وانسب إلى فضله ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له ... حد فيعرب عنه ناطق بفم
خطبة اليوم الخطبة الثانية والأربعون، وعنوانها: الرسول صلى الله عليه وسلم منهم.
الأساس أن الأمة كلها مع رسول الله، وأن النبي فينا، مزروع حبه فينا، "واعلموا أن فيكم رسول الله" {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)}.
الرسول فينا، نعم، الرسول معنا، نعم، يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)}.
الرسول منهم، أي الأساس الرسول، وبعد ذلك نحن حوله، "محمد رسول الله والذين معه"، ولكن خطبة اليوم عكس ذلك، وهذا المعنى أكده الله تعالى في سورة الكهف، التي من قرأها في يوم الجمعة أضاء الله له ما بين السماوات والأرض، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}.
الله يقول للنبي: اذهب يا محمد واجلس مع هؤلاء، والأساس أنهم هم الذين يأتون ويجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى يأمره هو أن يجلس معهم.
الأشعريون، هم مني وأنا منهم
الأشعريون هم الذين عجلوا بالدخول في الإسلام من أهل اليمن، وعلى رأسهم أبو موسى الأشعري، وهم أقرب الناس قلبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أرق الناس قلوبا.
رقة القلب هي الصفة الأساسية عن الأشعريين، كانوا إذا افتقروا يفرشون مفرشا، وكل شخص عنده شيء زائد في البيت يأتي به، يجمعون أزوادهم، وبعد ذلك يعيدون توزيعها مرة ثانية، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الأشعريين كانوا إذا افتقروا فرشوا مفرشا وجمعوا أزوادهم ثم أعادوا توزيعها مرة ثانية، فهم مني وأنا منهم".
فكل من يفعل مثلما فعل الأشعريون هم مني وأنا منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ مؤمن جائع برئت منهم ذمة الله ورسوله".
كل مجموعة من الناس ليس بينهم تكافل اجتماعي وحب وتواصل في الله ليسوا منا.
قال صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من بات شبعان وجاره جائع"، ليسوا منا، من ملأ بطنه والناس فقراء من حوله فليس منا.
سلمان منا آل البيت.
سلمان فارسي، من إيران، وأخذ رحلة جميلة حتى وصل إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ظل يتخبط من كاهن إلى قسيس إلى أحبار اليهود.. وفي النهاية لم يقتنع بأحد، حتى ذهب إلى أحد الرهبان في الشام، فقال له: قرأنا في كتبنا أن هذا وقت نبي آخر الزمان، سيخرج في مكان كذا، ويذهب إلى مكان كذا، فخرج سلمان حتى أتى المدينة وفيها رسول الله، والعلامات التي دله الكاهن عليها وجدها كما هي، فدخل في الإسلام في أول هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
سلمان فارسي، والنبي عربي قرشي، فكيف يكون من أهل النبي النبي صلى الله عليه وسلم؟ لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: سلمان منا؟ كلمة منا هنا معناها العطاء الإيماني، من نفس العاطفة الإيمانية، من نفس الحالة الإيمانية، الحب الذي عند سلمان عند رسول الله.
يعني أن كل شخص إذا تخلق بأخلاق النبي فهو مع النبي صلى الله عليه وسلم، كل شخص يتمتع بأخلاق سيدنا سليمان يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكلهم من رسول الله ملتمس.. رشفا من البحر أو غرفا من الديم
كل أنوار الأنبياء في النهاية تنصب عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كل إنسان مسلم يتمتع بصفاء السريرة وحب الناس ومراعاة الناس أصبح من سيدنا رسول الله، أي أن أعماله طابقت أعمال آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سفينة أهل البيت هي السفينة الناجية، من تعلق بها نجا، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)}، فمن أحب آل بيت رسول الله طهره الله تطهيرا كما طهر آل بيت رسول الله.
جليبيب.. هذا مني وأنا مني
كان حبيبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن جميلا في خلقته، فجمال الخلقة لا يمثل شيئا في الإسلام، ولا اعتبارات له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقفسم على الله لأبره"، قيمة الناس ليس في ملابسهم أو في أناقتهم، ولا في سياراتهم، بل قيمة الناس في الإسلام: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ومنهم البراء بن مالك".
جليبيب كان جميل القلب جميل الروح، كان عظيما عند الله تعالى، لا تلتفت إلى المظاهر، لأن المظاهر خادعة، وضيعت أمما، كان النبي جالسا مع أصحابه، فمر رجل له أبهة، فقال: ماذا تقولون في هذا الرجل؟ قالوا: هذا الرجل حري به إن تكلم أنت يُسمع له وإن خطب أن يُنكح.
وبعدها أتى رجل ضعيف ملابسه رثة، فقال صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هذا الرجل؟: فقالوا: من فقراء الناس، حري به إن تكلم لا يُسمع، وإن خطب لا يُنكح، فقال: هذا خير عند الله من ملئ الأرض من الأول.
في إحدى غزوات النبي صلى الله عليه وسلم انتهت المعركة فقال النبي: هل تفقدون أحدا؟ فقالوا: لا يا رسول الله، فقال: أين جليبيب؟ لكن قلب النبي حاضر تنام عيناه ولا ينام قلبه، فقال: ابحثوا عن جليبيب، فوجدوه بين الشهداء، فقالوا يا رسول الله: قتل سبعة ثم قُتل، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا مني وأنا منه. يعني: من كان حبيبا لله تعالى كان حبيبا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أحب قوما كان معهم، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}.
ومن أحب قوما كان معهم، ومن تشبَّه بقوم كان معهم، {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69)}.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر المرء مع من أحب".
الخطبة الأخرى:
الحمد لله رب العالمين، بنورك اهتدينا، وبفضلك استنَّعنا، وبك أصبحنا وأمسينا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، والصلاة والسلام على نور الكمال وكمال النور، وعلى الآل والصحب الأخيار.
الرسول صلى الله عليه وسلم كما أنه فينا فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بعض الناس في الإسلام علامات ورموزا كي يهتدي الناس بهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عن الأشعريين: هم مني وأنا منهم، وقال عن سلمان الفارسي: سلمان منا آل البيت، وقال عن جليبيب رضي الله عنه: هذا مني وأنا منه..
دعاء معية رسول الله
يا أرحم الراحمين، يا رجاء السائلين، بك نستجير فأجرنا يا الله، بك نستعين فأعنا يا الله، في هذا الوقت العظيم، وفي هذه الساعة المباركة، تتنزل فيها الملائكة الكرام والرحمات على عمار المساجد، وعلى كل راكع وساجد، أقسم بك عليك يا الله، يا من كرمه عميم، يا من إحسانه قديم، مددنا أيدينا إليك نرجو رحمتك ونخشى عذابك، فاجعلنا في طاعة ومعية حبيبك، اجعل النبي حجتنا وأسوتنا وقدوتنا، "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)" اجعلنا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما، أقسم بك عليك يا الله، اجعلنا في رفقة حبيبك، اجعلنا في نور حبيبك، اجعلنا في زمرة حبيبك، "يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)".
اللهم أتمَّ علينا نورنا، لا تعذبنا بزلاتنا، نجنا بالإيمان، وحبب الإيمان إلى قلوبنا، وخشع قلوبنا في الصلاة، واجعلنا في رفقة حبيبك، واجعلنا في معية حبيبك، يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، وأمره بين الكاف والنون، فرج عنا ما نحن فيه، ولكل المكروبين، والمهمومين، والغارمين، والمهمشين والمديونين، أعطهم سؤلهم يا الله، لكل من أمنونا بالدعاء ممن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فرجها عليهم الآن، يا أرحم الراحمين يا الله..
{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}