الله
خير ملجوء إليه، وأرحم من وقف العبد بين يديه، وأسمع من دعي، وأرحم من حاسب، هو الأنيس
فى الوحشة، والسند ساعة الضعف، والكريم فى وقت الحاجة، والسميع لقلب ناداه، والنصير
لعبد تولاه، والهادى لقلب طلب هداه.
لن
تجد سندًا يغفر خطيئتك وقت شدتك إلا الله، ولن تجد أحدًا يرحمك حين تنقطع بك السبل
وتنقطع عنك الحيل وتنفرد وحدك إلا الله، فعلام تتعلق بغيره، وعلام تشكر سواه، وعلام
تنساه، وعلام تخشى الناس، والله أحق أن تخشاه.
كل
الناس يتركونك ولا يبقى لك إلا وجه الله، فعلام تهجر من ستعود فى النهاية إليه ووحيدًا
ستقف بين يديه. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النِّبَاجِيُّ:
ارْفُضِ النَّاسَ
فَكُلٌّ مَشْغَلَهْ |
|
قَدْ بَخِلَ النَّاسُ
بِمِثْلِ الْخَرْدَلَةْ |
لا تَسْأَلِ النَّاسَ وَسَلْ مَنْ أَنْتَ لَهْ
نعم
لا تسأل الله، وسل من أنت له الله الواحد القهار، الذى خلقك وعدلك وقدر لك كل شيء فى
الحياة وفى الممات، وكن على يقين أنك عائد إليه وحده وحيدًا تقف بين يديه يسألك ماذا
قدمت، وهل شكرت، وماذا عملت.
الله
أرحم بك من الوالدة بولدها، فعلام تلهيك الدنيا، وتتفرق بك السبل، ويأخذ بتلابيبك الشيطان.
الله سبحانه لا يغلق بابه دونك مهما عملت، ومهما أذنبت، وهل لك غيره، وهل يغفر ذنبك
سواه، وهل يملك لك الضر والنفع أحد غيره.
قال
الْخُزَيْمِيُّ:
لا تَسْأَلَنَّ
بَنِى آَدَمَ حَاجَةً |
|
وَسَلِ الَّذِى أَبْوَابُهُ لا تُحْجَبُ |
اللَّهُ يَغْضَبُ
إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ |
|
وَبُنَى آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ |
لا
إله إلا الله، قريب يسمع ويجيب ويعطى القريب والبعيد، لا إله إلا الله قريب يغيث اللهفان،
ويشبع الجوعان، ويسقى الظمآن، ويتابع الإحسان، لا إله إلا الله، قريب عطاؤه ممنوح،
وخيره يغدو ويروح، وبابه مفتوح، حليم كريم صفوح، لا إله إلا الله قريب يدعوه الغريق
فى البحار، والضال فى القفار، والمحبوس خلف الأسوار.
وأذكر
لكم قصة أثرت فى حياتى قرأتها مرارًا وتكرارًا، كم تبين أن الله سبحانه وتعالى هو الملاذ
والنصير والرحمن الرحيم الذى لا يترك عبده فى حبال الشدائد، ولا أسيرًا للمكائد.
جاءت
امرأة إلى شيخ عارف عالم، وقالت له: إن ابنى قد أسرته الإفرنج، وإنى لا أنام الليل
من شوقى إليه، فليس لى ليل ولا نهار، ولا صبر ولا قرار، فقال: انصرفى حتى ننظر فى ذلك
إن شاء الله، وأطرق الشيخ وحرك شفتيه يدعو الله لولدها بالخلاص وذهب، فما كان غير أيام
حتى جاءت المرأة وابنها معها، فقالت: اسمع خبره يرحمك الله، فقال: كيف كان أمرك؟ قال:
إننى كنت فيمن يخدم الملك، ونحن فى القيود، وبينما أنا ذات يوم أمشى سقط القيد من رجلي،
فأقبل على الموكل بى فشتمني، وقال: أفككت القيد؟ قلت: لا، قال: من فك القيد من رجليك؟
فقلت: والله لا أدري، ولكن سقط ولم أشعر، فجاءوا بالحداد فأعدّوه مرة أخرى وسمّر مسماره،
وقيّد رجله، يقول: ثم قمت فسقط مرة أخرى، قال فسألونى:هل لك والدة؟ قلت: نعم، قالوا:
اتركوه وأطلقوه، فإن خلف هذا دعوة مستجابة، يقول: فأطلقوني، فسأله الشيخ عن الساعة
التى سقط فيها القيد، فإذا هى نفس الساعة التى دعا له فيها الشيخ.
كن
على يقين أن الله لن يتركك إذا تركك الناس، ولن يرد لك دعاء فى وقت الضر والشدة مهما
كانت ذنوبك، ومهما بلغت خطاياك، فالله خير ملجوء إليه.