الإعجاز
في ظلمات البحر
بسم
الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، اللهم لك الحمد كله،
ومنك العون كله، ومنك الفضل كله، ومنك العطاء كله، وإليك يرجع الأمر كله، اللهم لك
أسلمنا وبك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك احتكمنا فاغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما
أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء
قدير، والصلاة والسلام على خير الأخيار، وإمام الأبرار، النبي العربي المختار،
المبعوث من تهامة المنعوت بالعلامة، صاحب الشفاعة والكرامة، وعلى آله وصحبه
الكرام.
درس سلسة الآيات الكونية -بفضل الله سبحانه وتعالى- يتناول (الإعجاز في
الظلمات في البحر). إذا كنا تحدثنا عن الإعجاز في البرزخ، أو الحاجز الذي يفصل بين
البحرين، ويفصل بين الماء المالح والماء العذب كانت هذه معجزة كبيرة في حدّ ذاتها؛
لأن العلم الحديث اكتشف هذا البرزخ قريبا جدا، وكان موجودا قبل ملايين السنين.
في العصور الأخيرة والعهود
الأخيرة ستظهر علوما لم يكن يعلم أحد عنها شيئا، ومن هذه العلوم البحر اللجي،
ويعبر عن معني الظلمات اخترته عنوانا لهذا الدرس.
ليس كل البحار فيها ظلمات هذا غير
صحيح، فهناك بحار تنفذ فيها الأشعة إلى أعماقها، لكن الظلام بنسب معينة لا يتأتى
إلا في بحور معينة حتى التراث الأسطوري قديما يقال: إنه يوجد بحر اسمه بحر الظلمات
ومعروف في مسلسل إذاعي. وهذا غير صحيح، فليس هناك
بحر اسمه: بحر الظلمات.
ماذا يجري في أعماق البحر اللجي؟ يعني البحر المتوسط ليس بحرا لجيا،
المحيط الأطلنطي فيه مناطق بحر لجي البحر الأحمر فيه مناطق بسيطة جدا، وهي متوزعة
في العالم وأكثرها كثافة في شرق آسيا، وفي المحيط الهندي بالذات.
سنعرف في الدرس القادم العلاقة بين البحر اللجي، وبين البحر المسجور الذي
أقسم الله به في سورة الطور.
كل نقطة عندنا في القرآن تعطيك إعجازا ليس بعده إعجاز، وإنما الإعجاز كله
أن العالم على مدى التاريخ كله لم يصل إلى هذا قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ
بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] تأكيد إلى أن القرآن
نزل غضا طريا على قلب حضرة النبي صلى الله عليه وسلم {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا
الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا} النور هذا الذي تكلم عنه القرآن سيبدو لك
جليا في سورة النور أيضا {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ
مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ
إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ
نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40]. كانت هذه الآية كافية لدخول آلاف من
علماء البحار في الإسلام؛ لأنها موسوعة كاملة قال عنها أكبر عالم بحار في العالم
عندما ترجمت له في مؤتمر بالرياض في السعودية: لا يقولها إلا من عمل في البحر
غواصا في البلاد البعيدة والمحيطات، وفي بحر القلزم وفي البحر الأسود التي لا نعرف
عنها شيئا. فهل كان يعمل محمدا صلى الله عليه وسلم غواصا؟ قالوا له: لا، فهو لم
يركب البحر في حياته. فقال: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
من النادر أن ترى في القرآن آية تبدأ بأو للتخيير، أو كالذي أو التي هي
للتشبيه هذا تركيب عجيب في القرآن والآية كلها عجيبة ليس لها مثال، كنا ندرسها
ونحن طلبة اسمها: التشبيه التمثيلي، وهي تتداخل مجموعة من العناصر بعضها في بعض
عنصر في عنصر متركبة على بعضها، وفي الآخر تعطيك عظمة الله تبارك وتعالى.
{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} الأول الآية
نقلة من عالم المادة إلى عالم الإحساس {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ
كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ
يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ
سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ} [النور: 39، 40] فيه علاقة بين الآيتين، وهي مقدمة
لإعجاز إيماني وعلمي.
أما الإعجاز الإيماني، فإن الكافر
يعيش في ظلام داخل ظلام، وفي داخله بحر لجي، وسنعرف بعد قليل أن سمات البحر اللجي
موجودة في أعماق الكافر، وحياته ظلمات على ظلمات كما استمعت {وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} في صحراء {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ} والكافر
ظمآن؛ لأنه لم يرتو من حب الله {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} يظل يجري ويجري ويظن
أنه صح، وعلى صواب، وفي الآخر في وسط النهار لم يجد الماء فتحسر كأن الله يقول له:
إن الماء أمامك، ونور الله أمامك فلم باعدت بين نفسك وبين أنوار الله؟ هذا المثل
الأول.
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}
[النور: 40]. إشارة إلى أن القضية كلها انتقال الكافر من حالة الظلمات إلى حالة
النور مسألة صعبة؛ لأنه يعيش {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}.
الكلام عن إعجاز البحار ليس هو الأساس في الآية؛ لأن القرآن في الأساس
يقدم معلومات إيمانية، ويثبت بها الإعجاز من داخل حركة الحياة، ولكنه ليس كتاب علم
لو أراد الله تعالى أن يجعله كتاب علم لزلزل الدنيا كلها في الإعجاز، ولكن منذ
ثلاثين سنة ألف كتابا اخترت له عنوانا رشيقا اسمه: (الإشارات العلمية في القرآن
الكريم) تأمل أن الله يشير كذا داخل آيات لكنها هي عندي، وعند ابن كثير والقرطبي،
والرازي القضية اسمها: الهداية.
{وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ
يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا
فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ
اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} وأتى بعدها وقال لك: أنت ما زلت نائما
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
[النور: 41] كل آية بصراحة عبارة عن جوهرة ذهب فربنا يعطيك الإعجاز مع الإعجاز،
وتذكر قدرة الله.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ
يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} البحار
فيها إعجاز، والطيور فيها إعجاز {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور: 41] {وَلِلَّهِ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ}أما زلت
نائما أيضا؟ {أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} [النور:
42، 43] يعني معاني يستحيل أن تجدها إلا في القرآن الكريم.
البحر اللجي هذا بحر عميق على عمق
آلاف الكيلو مترات الحياة فيه غريبة جدا، كما قلنا في البرزخ أن عندنا ثلاث أنواع
من المياه كل ماء له استقلاليته في كثافته وفي ضغته، وفي كل شيء.
كذلك البحر اللجي العميق الذي لم
ينزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتشفوه عن طريق غواصة ألمانية ما كانوا
يعرفوا معنى البحر اللجي، غواصة ألمانية ماشية، فدخلت في منطقة مظلمة، كالذي يمشي
في الصحراء، ودخل في منطقة رمال متحركة بالضبط.
وجد الغواص نفسه في منطقة غريبة في خصائصها، وفي شكلها وطبيعتها، وفي كل
شيء، وفي أعماقها فانتبهوا إلى وجود معجزة غريبة جدا أن هذه المناطق التي بها
البحر اللجي مناطق محددة في العالم، كما قلت لك.
البحر تحت عميق وطبيعة المياه لا تنفذ منها أي أشعة. أنت لو نزلت في أي
بحر ستجد أثر أشعة الشمس، وأن تحت فالبحر يسمح بنفاذ الأشعة، لكن هذا البحر اللجي
يستحيل أن تنفذ منه أشعة؛ لذا لاحظوا أن الأسماك التي فيه سوداء فاحمة جدا، أو
زرقاء جدا ولا تبصر؛ لأن الحياة فيه صعبة في مكان فيه أخاديد تحت وأماكن فيها
نيران، وأماكن فيها كذا لها طبيعة غريبة وعجيبة.
ما الفرق بين البحر اللجي، وبين لجة البحر؟ كبير؛ البحر اللجي عبارة عن
مسمى لحاجة معينة. لجة البحر كل بحر له لجة حتى الترعة لها لجة، وهي العمق. لكن
البحر اللجي عبارة عن اسم مكان له طبيعة خاصة وله تركيبة خاصة سوداوية فاحمة
الظلام، كما هو قلب الكافر، وهو الأساس في ضرب المثل {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} كاف
التشبيه وليس ظلمة واحدة.
{فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} هذا البحر
اللجي عميق عميق. ممكن يكون عندنا أتوبيس له دورين، والسرير فيه دورين، وفي المقابر
عملوا دور أول ودور ثاني. هل عندك في البحر دور أول، ودور ثاني؟ فيه البحر اللجي
فيه مكان عميق عبارة عن ماء أسود كالفحم تماما. عندنا الساحل الشمالي في مصر،
والعريش ستجد الماء أزرق، لو رحت بلطيم تجد ماء رمادي عادي؛ لكن هذا عبارة عن سواد
سواد، والأسماك سواد سواد، وشعب مرجانية، وقصة من الجمال والبهاء، والعظمة لا
يعلمها إلا الله، لكن لون الأسماك واضح أنه أسود كما قلت لك.
{يَغْشَاهُ مَوْجٌ} البحر اللجي
تحت فوقه دور ثاني، وثالث ورابع فيه موج تحتاني لا يراه أحد كذلك لجة قلب الكافر،
الظلام الذي عند الكافر لا يغلف قلب الكافر فقط، لكنه مستقر في قلبه، وهذا الأساس
في ضرب المثل هم قالوا: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة: 88] يعني مغلفة بالسواد
هؤلاء السواد موجود في أعماق القلوب {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: 10] وليس
على.
{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} لا يستطيع العلم الحديث أن يجاري
قدرة الله، وهم سموا البحار كالبحر الأسود الذي يعتبر نموذجا للبحر اللجي من تحت
سواد سواد، وفوق السواد أمواج رايحة، وأمواج متلاطمة وأمواج وأمواج... هل رآها
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لم يرها. والعلم الحديث وقف عاجزا عندما شاهد هذه
الأمواج.
كيف يكون البحر فيه موجين؟ أمواج فوق، وأمواج تحت والاثنين بينها ظلام،
ولاحظوا مجموعة ملاحظات فإن أختصرها اختصارا.
{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ
مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} لاحظوا أن أي منطقة فيها بحر لجي تكون السحاب قريبة
منها جداً، ومتحركة بدرجة كبيرة جدا {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ
فَوْقِهِ سَحَابٌ} التي هي السحاب الخارجي المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم
يعقلون.
ما الارتباط الطبيعي أو الشرطي بين البحر اللجي، وبين السحاب؟ هذه معجزة
كبيرة جدا. ستلاحظ فيه اضطرابات بين هذا البحر اللجي وطبيعة الحياة فيه صعبة جدا
ولا يقدر أن يعيش فيه إلا نوع واحد من الجمبري لها تركيبة خاصة تنسجم معها بطريقة
معينة، ويأتي السمك البلطي والبوري وكذا ينزل إلى هذه المنطقة، يستحيل لو دخل
لاحترق. فربنا سبحانه وتعالى جعل جلّ قدرته في البحار {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}؟
{وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ} [النمل: 61].
بصراحة لو ظللت معك الليلة كلها كي أفرد لك هذا البحر اللجي، والبحوث
عندنا التي طالعتها، والتي لم أطالعها إلى هذه اللحظة، أنا مستمتع بها متعة عجيبة
جدا في أوصاف، والله ما قرأتها في حياتي.
{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ
مَوْجٌ} إشارة إلى تعدد أنواع الأمواج، وكل موج منها موج مستتر وموج ظاهر، وفيه
موج نسميه صامت وهو تحت آلاف الكيلو مترات هذا كلام لا يعلمه أحد من البشر إلا
الله سبحانه وتعالى، وهذه عبارة عن اضطراب عقلية الكافر، كالبحر الأسود كل ما فيه
مضطرب، وسمي بالبحر الأسود واللجي؛ لأن فيه أخاديد واضطرابات وشعب مرجانية لها
طبيعة خاصة، وفيه أماكن خاصة لها بؤر عميقة لا نهاية لها، ورغم الأقمار الصناعية،
والغواصات الألمانية لم يكتشفوا من قدرة الله إلا 2% فقط وليتهم أسلموا!! {وَهُمْ
يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13] إذن يد القدرة
من الله -سبحانه وتعالى- تصور لنا نماذج خرافية فيها جمال لا يمكن لك أن تصف هذا
الجمال إلا إذا رأيته بعينك، لكن الإعجاز في القرآن أبلغ، وفيه حاجات في الكون
نادرة جدا لم نصل إليها بعد منها هذا الموج المستتر الذي أشرنا إليه.
منها أن البحر اللجي فيه برزخ، وفيه ثلاث أنواع من المياه: الجزء الأول
الأعلى تماما، والجزء الأسفل، وهو البحر اللجي، وبينهما جزء فاصل فيه برزخ، والبحر
اللجي ثلاثة أقسام كل قسم له لونه، وحيواناته النادرة التي تعيش فيه والتي بعضها
حجمها أكبر من حجم العمارة.
وسيأتي الكلام عن البحر المسجور كي نعرف نوعا آخر من إعجاز الله، سبحانه
وتعالى.
{فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ} يعني يغطيه وجرت العادة أن الموج لا يغطي
إلا مساحة معينة {مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} يعني الأمواج جزء من تركيبته يعني
البحر فيه اضطراب، وليس ساكنا، وفيه حركة مد وجزر، والأمواج فيه مستمرة عبارة عن لجاجة {مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ
مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} سبحان الله {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} وفيه
أماكن من البحر اللجي هذا لو دخلت فيه بالسفينة، أو الغواصة ظلام لا تستطيع أن
ترجع منها كواحد دخل سرداب لا يقدر يرجع من الخارج، فما بالك من داخلها؟ يعني الذي
يدخل فيها لا يعرف يرجع مرة ثانية أصلا هذه المناطق من خارجها ظلام، هذا كلام
الملك.
{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ
بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} من؟ هل أحد يعرف ينزل تحت حتى
يطلع يده؟ لا إذا أخرج يده من يسير في جوها الإطار الخارجي أما داخلها، فهو سواد
يعلوه سواد، والأسماك سواد، وكل ما فيه سواد سواد سواد... ظلمة داخل ظلمة، هكذا
قلب الكافر عبارة عن {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ
لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} لأن نور الإيمان ابتعد عن قلبه، هكذا ضرب المثل؛ لذا ذيل
الآية، يعني ختمها بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ
مِنْ نُورٍ} يعني أن الله تعالى خلق هذا الظلام لكي يتعظ الناس بنور الله عز وجل.
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ} [النور: 35] فإذا رأيت ظلاما دامسا، فاعلم أن الظلام آية من آيات
الله حيث إنه عندما خلق الله لكون، عندما حدثتك في: كيف بدأ الخلق؟ لم يكن هناك
نور، ولا ظلام المرحلة السديمية، سبحان الملك. {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ
مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [الإسراء: 12].
لم أفرغ ما في جعبتي، فالموضوع
فيه أسرار كثيرة، وإن شاء الله نكمل هذه المعاني.
اللهم زدنا بها إيمانا، وزدنا بها
نورا، اللهم وفقنا إلى ما تحب وترضى، اللهم اجعل غايتنا رضاك، اللهم ارض عنا الآن،
واعف عنا الآن، اللهم تقبل منا الصيام، وأعنا فيه على القيام، وأدخلنا الجنة
بسلام، اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب.
اللهم الطف بنا لطفا يليق بجلالك،
آمين، اللهم الطف بنا لطفا يليق بعفوك، فإنا فقراء إلى عفوك، اللهم اعف عنا الآن،
ولا تحرمنا ليلة القدر، ولا ليلة ختم القرآن، واختم لنا بالباقيات الصالحات، اللهم
برحمتك الواسعة ورضاك عمنا، واكفنا شر ما أهمنا، ولا ما أغمنا، وعلى الكتاب والسنة
توفنا، وأنت راض عنا، يا حنان يا منان {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. صلى الله عليه وسلم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، اللهم لك الحمد كله، ومنك العون كله، ومنك الفضل كله، ومنك العطاء كله، وإليك يرجع الأمر كله، اللهم لك أسلمنا وبك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك احتكمنا فاغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على خير الأخيار، وإمام الأبرار، النبي العربي المختار، المبعوث من تهامة المنعوت بالعلامة، صاحب الشفاعة والكرامة، وعلى آله وصحبه الكرام.
درس سلسة الآيات الكونية -بفضل الله سبحانه وتعالى- يتناول (الإعجاز في الظلمات في البحر). إذا كنا تحدثنا عن الإعجاز في البرزخ، أو الحاجز الذي يفصل بين البحرين، ويفصل بين الماء المالح والماء العذب كانت هذه معجزة كبيرة في حدّ ذاتها؛ لأن العلم الحديث اكتشف هذا البرزخ قريبا جدا، وكان موجودا قبل ملايين السنين.
في العصور الأخيرة والعهود الأخيرة ستظهر علوما لم يكن يعلم أحد عنها شيئا، ومن هذه العلوم البحر اللجي، ويعبر عن معني الظلمات اخترته عنوانا لهذا الدرس.
ليس كل البحار فيها ظلمات هذا غير صحيح، فهناك بحار تنفذ فيها الأشعة إلى أعماقها، لكن الظلام بنسب معينة لا يتأتى إلا في بحور معينة حتى التراث الأسطوري قديما يقال: إنه يوجد بحر اسمه بحر الظلمات ومعروف في مسلسل إذاعي. وهذا غير صحيح، فليس هناك بحر اسمه: بحر الظلمات.
ماذا يجري في أعماق البحر اللجي؟ يعني البحر المتوسط ليس بحرا لجيا، المحيط الأطلنطي فيه مناطق بحر لجي البحر الأحمر فيه مناطق بسيطة جدا، وهي متوزعة في العالم وأكثرها كثافة في شرق آسيا، وفي المحيط الهندي بالذات.
سنعرف في الدرس القادم العلاقة بين البحر اللجي، وبين البحر المسجور الذي أقسم الله به في سورة الطور.
كل نقطة عندنا في القرآن تعطيك إعجازا ليس بعده إعجاز، وإنما الإعجاز كله أن العالم على مدى التاريخ كله لم يصل إلى هذا قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] تأكيد إلى أن القرآن نزل غضا طريا على قلب حضرة النبي صلى الله عليه وسلم {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا} النور هذا الذي تكلم عنه القرآن سيبدو لك جليا في سورة النور أيضا {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40]. كانت هذه الآية كافية لدخول آلاف من علماء البحار في الإسلام؛ لأنها موسوعة كاملة قال عنها أكبر عالم بحار في العالم عندما ترجمت له في مؤتمر بالرياض في السعودية: لا يقولها إلا من عمل في البحر غواصا في البلاد البعيدة والمحيطات، وفي بحر القلزم وفي البحر الأسود التي لا نعرف عنها شيئا. فهل كان يعمل محمدا صلى الله عليه وسلم غواصا؟ قالوا له: لا، فهو لم يركب البحر في حياته. فقال: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من النادر أن ترى في القرآن آية تبدأ بأو للتخيير، أو كالذي أو التي هي للتشبيه هذا تركيب عجيب في القرآن والآية كلها عجيبة ليس لها مثال، كنا ندرسها ونحن طلبة اسمها: التشبيه التمثيلي، وهي تتداخل مجموعة من العناصر بعضها في بعض عنصر في عنصر متركبة على بعضها، وفي الآخر تعطيك عظمة الله تبارك وتعالى.
{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} الأول الآية نقلة من عالم المادة إلى عالم الإحساس {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ} [النور: 39، 40] فيه علاقة بين الآيتين، وهي مقدمة لإعجاز إيماني وعلمي.
أما الإعجاز الإيماني، فإن الكافر يعيش في ظلام داخل ظلام، وفي داخله بحر لجي، وسنعرف بعد قليل أن سمات البحر اللجي موجودة في أعماق الكافر، وحياته ظلمات على ظلمات كما استمعت {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} في صحراء {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ} والكافر ظمآن؛ لأنه لم يرتو من حب الله {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} يظل يجري ويجري ويظن أنه صح، وعلى صواب، وفي الآخر في وسط النهار لم يجد الماء فتحسر كأن الله يقول له: إن الماء أمامك، ونور الله أمامك فلم باعدت بين نفسك وبين أنوار الله؟ هذا المثل الأول.
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40]. إشارة إلى أن القضية كلها انتقال الكافر من حالة الظلمات إلى حالة النور مسألة صعبة؛ لأنه يعيش {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}.
الكلام عن إعجاز البحار ليس هو الأساس في الآية؛ لأن القرآن في الأساس يقدم معلومات إيمانية، ويثبت بها الإعجاز من داخل حركة الحياة، ولكنه ليس كتاب علم لو أراد الله تعالى أن يجعله كتاب علم لزلزل الدنيا كلها في الإعجاز، ولكن منذ ثلاثين سنة ألف كتابا اخترت له عنوانا رشيقا اسمه: (الإشارات العلمية في القرآن الكريم) تأمل أن الله يشير كذا داخل آيات لكنها هي عندي، وعند ابن كثير والقرطبي، والرازي القضية اسمها: الهداية.
{وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} وأتى بعدها وقال لك: أنت ما زلت نائما {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 41] كل آية بصراحة عبارة عن جوهرة ذهب فربنا يعطيك الإعجاز مع الإعجاز، وتذكر قدرة الله.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} البحار فيها إعجاز، والطيور فيها إعجاز {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور: 41] {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ}أما زلت نائما أيضا؟ {أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} [النور: 42، 43] يعني معاني يستحيل أن تجدها إلا في القرآن الكريم.
البحر اللجي هذا بحر عميق على عمق آلاف الكيلو مترات الحياة فيه غريبة جدا، كما قلنا في البرزخ أن عندنا ثلاث أنواع من المياه كل ماء له استقلاليته في كثافته وفي ضغته، وفي كل شيء.
كذلك البحر اللجي العميق الذي لم ينزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتشفوه عن طريق غواصة ألمانية ما كانوا يعرفوا معنى البحر اللجي، غواصة ألمانية ماشية، فدخلت في منطقة مظلمة، كالذي يمشي في الصحراء، ودخل في منطقة رمال متحركة بالضبط.
وجد الغواص نفسه في منطقة غريبة في خصائصها، وفي شكلها وطبيعتها، وفي كل شيء، وفي أعماقها فانتبهوا إلى وجود معجزة غريبة جدا أن هذه المناطق التي بها البحر اللجي مناطق محددة في العالم، كما قلت لك.
البحر تحت عميق وطبيعة المياه لا تنفذ منها أي أشعة. أنت لو نزلت في أي بحر ستجد أثر أشعة الشمس، وأن تحت فالبحر يسمح بنفاذ الأشعة، لكن هذا البحر اللجي يستحيل أن تنفذ منه أشعة؛ لذا لاحظوا أن الأسماك التي فيه سوداء فاحمة جدا، أو زرقاء جدا ولا تبصر؛ لأن الحياة فيه صعبة في مكان فيه أخاديد تحت وأماكن فيها نيران، وأماكن فيها كذا لها طبيعة غريبة وعجيبة.
ما الفرق بين البحر اللجي، وبين لجة البحر؟ كبير؛ البحر اللجي عبارة عن مسمى لحاجة معينة. لجة البحر كل بحر له لجة حتى الترعة لها لجة، وهي العمق. لكن البحر اللجي عبارة عن اسم مكان له طبيعة خاصة وله تركيبة خاصة سوداوية فاحمة الظلام، كما هو قلب الكافر، وهو الأساس في ضرب المثل {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} كاف التشبيه وليس ظلمة واحدة.
{فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} هذا البحر اللجي عميق عميق. ممكن يكون عندنا أتوبيس له دورين، والسرير فيه دورين، وفي المقابر عملوا دور أول ودور ثاني. هل عندك في البحر دور أول، ودور ثاني؟ فيه البحر اللجي فيه مكان عميق عبارة عن ماء أسود كالفحم تماما. عندنا الساحل الشمالي في مصر، والعريش ستجد الماء أزرق، لو رحت بلطيم تجد ماء رمادي عادي؛ لكن هذا عبارة عن سواد سواد، والأسماك سواد سواد، وشعب مرجانية، وقصة من الجمال والبهاء، والعظمة لا يعلمها إلا الله، لكن لون الأسماك واضح أنه أسود كما قلت لك.
{يَغْشَاهُ مَوْجٌ} البحر اللجي تحت فوقه دور ثاني، وثالث ورابع فيه موج تحتاني لا يراه أحد كذلك لجة قلب الكافر، الظلام الذي عند الكافر لا يغلف قلب الكافر فقط، لكنه مستقر في قلبه، وهذا الأساس في ضرب المثل هم قالوا: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة: 88] يعني مغلفة بالسواد هؤلاء السواد موجود في أعماق القلوب {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: 10] وليس على.
{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} لا يستطيع العلم الحديث أن يجاري قدرة الله، وهم سموا البحار كالبحر الأسود الذي يعتبر نموذجا للبحر اللجي من تحت سواد سواد، وفوق السواد أمواج رايحة، وأمواج متلاطمة وأمواج وأمواج... هل رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لم يرها. والعلم الحديث وقف عاجزا عندما شاهد هذه الأمواج.
كيف يكون البحر فيه موجين؟ أمواج فوق، وأمواج تحت والاثنين بينها ظلام، ولاحظوا مجموعة ملاحظات فإن أختصرها اختصارا.
{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} لاحظوا أن أي منطقة فيها بحر لجي تكون السحاب قريبة منها جداً، ومتحركة بدرجة كبيرة جدا {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} التي هي السحاب الخارجي المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون.
ما الارتباط الطبيعي أو الشرطي بين البحر اللجي، وبين السحاب؟ هذه معجزة كبيرة جدا. ستلاحظ فيه اضطرابات بين هذا البحر اللجي وطبيعة الحياة فيه صعبة جدا ولا يقدر أن يعيش فيه إلا نوع واحد من الجمبري لها تركيبة خاصة تنسجم معها بطريقة معينة، ويأتي السمك البلطي والبوري وكذا ينزل إلى هذه المنطقة، يستحيل لو دخل لاحترق. فربنا سبحانه وتعالى جعل جلّ قدرته في البحار {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}؟ {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النمل: 61].
بصراحة لو ظللت معك الليلة كلها كي أفرد لك هذا البحر اللجي، والبحوث عندنا التي طالعتها، والتي لم أطالعها إلى هذه اللحظة، أنا مستمتع بها متعة عجيبة جدا في أوصاف، والله ما قرأتها في حياتي.
{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} إشارة إلى تعدد أنواع الأمواج، وكل موج منها موج مستتر وموج ظاهر، وفيه موج نسميه صامت وهو تحت آلاف الكيلو مترات هذا كلام لا يعلمه أحد من البشر إلا الله سبحانه وتعالى، وهذه عبارة عن اضطراب عقلية الكافر، كالبحر الأسود كل ما فيه مضطرب، وسمي بالبحر الأسود واللجي؛ لأن فيه أخاديد واضطرابات وشعب مرجانية لها طبيعة خاصة، وفيه أماكن خاصة لها بؤر عميقة لا نهاية لها، ورغم الأقمار الصناعية، والغواصات الألمانية لم يكتشفوا من قدرة الله إلا 2% فقط وليتهم أسلموا!! {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13] إذن يد القدرة من الله -سبحانه وتعالى- تصور لنا نماذج خرافية فيها جمال لا يمكن لك أن تصف هذا الجمال إلا إذا رأيته بعينك، لكن الإعجاز في القرآن أبلغ، وفيه حاجات في الكون نادرة جدا لم نصل إليها بعد منها هذا الموج المستتر الذي أشرنا إليه.
منها أن البحر اللجي فيه برزخ، وفيه ثلاث أنواع من المياه: الجزء الأول الأعلى تماما، والجزء الأسفل، وهو البحر اللجي، وبينهما جزء فاصل فيه برزخ، والبحر اللجي ثلاثة أقسام كل قسم له لونه، وحيواناته النادرة التي تعيش فيه والتي بعضها حجمها أكبر من حجم العمارة.
وسيأتي الكلام عن البحر المسجور كي نعرف نوعا آخر من إعجاز الله، سبحانه وتعالى.
{فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ} يعني يغطيه وجرت العادة أن الموج لا يغطي إلا مساحة معينة {مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} يعني الأمواج جزء من تركيبته يعني البحر فيه اضطراب، وليس ساكنا، وفيه حركة مد وجزر، والأمواج فيه مستمرة عبارة عن لجاجة {مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} سبحان الله {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} وفيه أماكن من البحر اللجي هذا لو دخلت فيه بالسفينة، أو الغواصة ظلام لا تستطيع أن ترجع منها كواحد دخل سرداب لا يقدر يرجع من الخارج، فما بالك من داخلها؟ يعني الذي يدخل فيها لا يعرف يرجع مرة ثانية أصلا هذه المناطق من خارجها ظلام، هذا كلام الملك.
{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} من؟ هل أحد يعرف ينزل تحت حتى يطلع يده؟ لا إذا أخرج يده من يسير في جوها الإطار الخارجي أما داخلها، فهو سواد يعلوه سواد، والأسماك سواد، وكل ما فيه سواد سواد سواد... ظلمة داخل ظلمة، هكذا قلب الكافر عبارة عن {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} لأن نور الإيمان ابتعد عن قلبه، هكذا ضرب المثل؛ لذا ذيل الآية، يعني ختمها بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} يعني أن الله تعالى خلق هذا الظلام لكي يتعظ الناس بنور الله عز وجل.
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] فإذا رأيت ظلاما دامسا، فاعلم أن الظلام آية من آيات الله حيث إنه عندما خلق الله لكون، عندما حدثتك في: كيف بدأ الخلق؟ لم يكن هناك نور، ولا ظلام المرحلة السديمية، سبحان الملك. {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [الإسراء: 12].
لم أفرغ ما في جعبتي، فالموضوع فيه أسرار كثيرة، وإن شاء الله نكمل هذه المعاني.
اللهم زدنا بها إيمانا، وزدنا بها نورا، اللهم وفقنا إلى ما تحب وترضى، اللهم اجعل غايتنا رضاك، اللهم ارض عنا الآن، واعف عنا الآن، اللهم تقبل منا الصيام، وأعنا فيه على القيام، وأدخلنا الجنة بسلام، اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب.
اللهم الطف بنا لطفا يليق بجلالك، آمين، اللهم الطف بنا لطفا يليق بعفوك، فإنا فقراء إلى عفوك، اللهم اعف عنا الآن، ولا تحرمنا ليلة القدر، ولا ليلة ختم القرآن، واختم لنا بالباقيات الصالحات، اللهم برحمتك الواسعة ورضاك عمنا، واكفنا شر ما أهمنا، ولا ما أغمنا، وعلى الكتاب والسنة توفنا، وأنت راض عنا، يا حنان يا منان {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. صلى الله عليه وسلم.