(أخطاء معرفية لدى مصابي الوسواس القهري)

الرئيسية المقالات مقالات دينية

(أخطاء معرفية لدى مصابي الوسواس القهري)

(أخطاء معرفية لدى مصابي الوسواس القهري)

في البداية أريد أن أقرر مجموعة من الحقائق، ومنها:
الحقيقة الأولى: يعتقد كثير من الناس أن حالات الوسواس القهري لا علاج لها وأن صاحبها يموت، وهذا خطأ كبير جدا، والوسواس القهري إن كان له علاج في الطب الإكلينيكي أي طب الكليات؛ فالعلاج هو عبارة عن مهدئات لا تعالج، والأطباء الكبار يعرفون أنها مهدئات تهدئ من قوة الوسوسة، ولكن العلاج الذي يساعد الإنسان على الانتهاء من الوسوسة موجود في القرآن الكريم وفي سنة النبي الكريم، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الكرام.
و هناك شعرة دقيقة جدا بين الوسواس وبين سوء الظن ومتى يتحول سوء الظن إلى وسواس أو يتحول الوسواس إلى سوء ظن؟
إنسان – مثلا - يسيء الظن بزميله - مثلا - بأن أخلاقه - مثلا - ليست طيبة، أو يسيء الظن بزوجته أو أولاده، وهكذا، فمتى يتحوّل سوء الظن هذا إلى حالة من الوسوسة؟ وهل هناك علاقة بينهما؟ وما رأي السنة النبوية في هذا؟
الحقيقة الثانية: هل هناك علاقة بين الوسواس وبين حديث النفس، بمعنى أن هناك إنسانا يُجري حوارا ذاتيا بينه وبين نفسه، فمتى يتحول هذا الحوار إلى نوع من أنواع الوسوسة؟
وسأقدم لكم في البداية حقيقة صادمة؛ وهي أن الإنسان، أي إنسان مبتلى بالوسوسة ستكون عند هذا الإنسان كل  الأمراض القلبية التي يمكن أن تأتي على ذهنكم أو لا تأتي، وسيكون عنده وسوسة في العقيدة، وسيكون عنده وسوسة في الطهارة، وسيكون عنده وسوسة في الطعام والشراب، وسيكون عنده وسوسة في سوء الظن بالناس، وسيكون لديه وسوسة من جهة حديث النفس، وسيكون لديه وسوسة في التعامل مع الناس، وسيكون لديه وسوسة في الملبس، وسيكون لديه وسوسة في النظافة، وكل مرض من هذه الأمراض التي أشرت إليها تؤدي إلى انتكاسات قلبية شديدة لأصحاب هذه الوساوس التي إذا تمكنت من الإنسان، وأصبح الإنسان يأخذ لقب: فلان موسوس، وفلانة موسوسة – إن صحّ التعبير – فإن هذا الموسوس أو هذه الموسوسة يمكن أن يأتي له توتر وانفعالات زائدة وغضب واكتئاب – أعزك الله تعالى وأحبك – ولذلك فإنكم ستلاحظون أن كثيرا من حالات الاكتئاب أساسها يعود إلى هذه الوسوسة إلى درجة توصل الإنسان الموسوس إلى حالة من الخوف لدرجة أنه لا يحب أن يرى الناس ولا يحب أن يراه الناس، ولذلك أقول لكم في البداية إن من ابتلي بهذه الوساوس فإنه سيصاب بأمراض كثيرة جدا قلبية وباطنية، تلك الأمراض التي تعصف بالإنسان، وتترك الإنسان – سلمك الله تعالى – بقايا إنسان محطم، وبين المرض النفسي وبالتالي فإن الوساوس تصيب الإنسان بالهموم وتصيب الإنسان بالحزن الدائم والسرحان وقلة التركيز وربما تأتيه حالة من اللا مُبالاة.
أما ما يتعلق بحديث النفس أشير إلى أن الله تعالى تجاوز عما يجيش في نفوسنا، وهناك روايات عديدة في الصحيحين تشير إلى أن الله تعالى تجاوز عن أمتى ما جاش في صدورها، أي ما أتى في صدرها ولم تحدث به نفسها أي ما لم يتلفظ به الإنسان، وعلى هذا فلو حدث الإنسان نفسه بأشياء مهما كانت لكنها لم يفعلها أو يتلفظ بها على لسانه فقد تجاوز عنها الله تعالى، حتى ولو حدثته نفسه عن المعصية أو همَّ بالمعصية في ذهنه غير أنه لم يتلفظ بها، أو يفعلها فإن الله تعالى يتجاوز عنها طالما لم يهم بها على سبيل الحقيقة وعندئذ يتحول هذا الخاطر بالمعصية إلى حسنة؛ لأنه لم يفعلها في الحقيقة وعصم نفسه منها فالله يكافئه على ذلك، إن شاء الله تعالى، وهذا معناه أن الإنسان لا يحاسب على هذه الخواطر إلا إن انتقلت من أعمال القلب إلى أعمال الجوارح، وبالتالي فإن العبرة في الشريعة الإسلامية تكمن في القول، وبالتالي فإنها –كذلك -  تكمن في العمل ولا تحاسب على هواجس النفس، ولهذا كان الحديث النبوي الشريف: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) [صحيح البخاري، باب إكرام الضيف، 8/ 32، رقم: 6135].
وينبغي في ذلك الوقت أن نفرق بين الهواجس وبين الخواطر، وقد سمى شيخنا ابن القيم الخواطر بالخطرات، وهي ما يأتي على خاطرة الإنسان وفكره وعقله، فهل الإنسان يحاسب على هذه الخطرات؟ والإجابة: أنه ما دامت الخاطرة خاطرة محبوسة في صدرك، محبوسة في أنفاسك، ما تكلمت بها - أعزك الله تعالى وأحبك  - فإنك لا تؤاخذ عليها، أما الهواجس فهي الوساوس على اختلاف أشكالها وأنواعها.
هناك حديث صحيح عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (يوشك الناس حتى يقول قائلهم: هذا خلق الله أو يقول قائلهم: هذا الله، فمن خلق الله؟!).
قلت لكم مسبقا: إن أمثال هذه القضايا الفلسفية المعقدة لا تؤدي فقط إلى الوسوسة، وإنما تؤدي إلى الوسوسة الشِّركية والشرك بالله والعياذ بالله، وهي أيضا لها علاج.
وإذا جاء هاجس للناس أوصلهم لهذا السؤال: "فمن خلق الله؟" فيرد النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه ويقول: "فإذا قالوا ذلك"، أي قال الناس ذلك كالملاحدة وغيرهم حينما يقولون كل مخلوق له خالق حتى نصل إلى الله عز وجل فأين من خلق الله، ويجب أن يعلموا أنَّ الله تعالى ليس مخلوقا فهو الخالق وهو الخلاق وهو الأول فلا شيء قبله وعندما يصل الإنسان إلى هذه النقطة فإنه يصل إلى مرحلة الضلال يحاول الشيطان أن يقوم بإضلاله وعلى الإنسان المسلم أن يقوي إيمانه وأن تكون عنده قناعات ثابتة وقوية تجاه الله عز وجل.
ثم يستكمل الرسول الكريم كلامه الشريف كما جاء في البخاري ويقول:" فإذا قالوا ذلك، كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء".
إذن على الإنسان المسلم أن يُسلم بكلام النبي تسليما صادقا حتى يصل الإنسان إلى مرحلة الواحدية؛ فعندما يصل الإنسان إلى مرحلة الواحدية، وأن الله هو الذي خلق وذرأ وبدأ الكون وهو المبدئ وهو المعيد، فإن الإنسان يستريح نفسيا تماما.
ونعود لحديث النبي الكريم: "يوشك الناس حتى يقول قائلهم: هذا الله، وهذا خلق الله؛ فمن خلق الله؟" فيقول حضرة النبي:"فإذا قالوا ذلك؛ فقولوا: قل هو الله أحد، الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ثم ليتفل عن يساره ثلاثا".
ويجب أن تعلموا أن هناك فرقا بين الواحدية والأحدية، وتنبهوا إلى أن الله عز وجل لم يقل: "قل هو الله واحد"، وإنما قال: "قل هو الله أحد"؛ فقد سمى الله نفسه بـ "الأحد"، أي لا تعدد له وهذا هو معنى الأحد، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ند له.

تصفح أيضا

المجيب

المجيب

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض