الحزن يرحل بسجدة،
والفَرَج يأتي بدعوة، والصلاة صلة بين العبد والرب تشعره بالأمان، فيغترف من رحمة
الرحمن ما يملأ قلبه بالسكينة، ويذيب أمام عينيه السدود التي تحول بينه وبين شمس
الألفة والمحبة. الصلاة حصن يقيك من هجير المعاصي، وبساط أخضر ينسيك صحراء البعد
عن الله، وجنة تنبت بأينع الورود والأزهار.
الصلاة معراج العبد
المؤمن يصعد به إلى أفق القرب، ويعلو به عن منغصات الحياة وكيد الشيطان. أي شيء
يصيبك بالهم إذا كنت مع مالك الدنيا والآخرة، وأي مخلوق يستطيع أن ينزع من قلبك
ابتسامة الاستقامة وفرحة الطاعة إذا كنت في رضا خالق السماوات والأرض.
قال تعالى: {إِنَّ
الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ
الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 19 - 22]. فأنت في صلاتك
بعيد عن الهلع والجزع والخوف، أنت في مأمن من أتراح الحياة وهمومها وغمومها؛ لأنك
مع خالق الحياة، ومقدر الأقدار، أنت مع الله في سعادة تنسيك ما سواها. للوقوف بين
يدي الله في الصلاة أسرارا عظيمة في جلب الصحة والعافية، قال جل وعلا: {إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]، والصلاة هي الشفاء الأكيد
للنفس، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزن من أمر فزع إلى
الصلاة، كما أنها علاج للجسم، فقد روى ابن ماجة من حديث مجاهد عن أبي هريرة قال: (رآني
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم أشكو من وجع بطني، فقال لي: يا أبا هريرة، أيوجعك
بطنك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: قم فصل، فإن في الصلاة شفاء).
وذكر عبد الرءوف
المناوي في فيض القدير حين شرحه لحديث (قمْ فَصَلِّ، فَإِنَّ فِي الصلاةِ شِفَاءً)،
والذي رواه أحمد وابن ماجة ما نصه: (فإن في الصلاة شفاء من الأمراض القلبية
والبدنية، والهموم والغموم قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ
وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45]، ولهذا كان النبي
صلى اللّه عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إليها، والصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة،
دافعة للأذى مطردة للداء، مقوية للقلب، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح،
ممدة للقوى، شارحة للصدر، مغذية للروح، منورة للقلب، مبيضة للوجه، حافظة للنعمة،
دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعدة للشيطان، مقربة من الرحمن، وبالجملة فلها تأثير
عجيب، في حفظ صحة القلب والبدن وقواهما، ودفع المواد الرديئة عنهما، لا سيما إذا
وفيت حقها من التكميل، فما استدفعت أذى الدارين واستجلبت مصالحهما بمثلها، وسرها
أنها صلة بين العبد وربه، وبقدر الوصلة يفتح الخير، وتفاض النعم، وتدفع النقم).
قال رجل من خزاعة:
ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم – يقول: (أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها)
[رواه أبو داود].
قف بين يدي ربك مناجيًا
داعيًا خاشعًا على نهر السكينة والراحة الذي يغسل همومك وآلامك ومعاصيك فلا يبقى
في جسدك درن، ولا يبقى في قلبك هم، ولا يبقى أمام عينيك إلا نور الهدى والإيمان.
اجعل الله ملاذك، والصلاة
أنيسك تهرب إليها من سجن الدنيا، ووحشة الزحام الذي يلهيك عن ذكر الله، إلى أنس
الانفراد بربك المحبوب الذي خلقك فسواك.