أهمية دراسة خصائص الأسلوب القرآني، وفوائده، ونجمل بعضها فيما يلي:
1- بيان علو هذا الكتاب "القرآن" ورفعته، وحين أدرك العرب هذه الخصائص لم يخفوا إعجابهم بالقرآن واستحسانهم، رغم مناصبتهم العداء له، والإعراض عنه، ويؤكد ذلك ابن عاشور في إدراك علو هذا القرآن وإعجازه، فيقول: "من شاء أن يدرك الإعجاز كما أدركه العرب فما عليه إلا أن يشتغل بتعلم اللغة وآدابها وخصائصها، حتى يساوي، أو يقارب العرب في ذوق لغتهم ثم ينظر بعد ذلك في نسبة القرآن من كلام بلغائهم، ولم يخلُ عصر من فئة اضطلعت بفهم البلاغة العربية، وأدركت إعجاز القرآن وأدب العربية الصحيح".
2- أنها تحول دون أن تحمل بعض أساليب القرآن على غير محملها الصحيح؛ لأن دراسة هذه الخصائص يبرز سمات هذا الأسلوب ومظاهره، وما يتميز به عن غيره.
ومن أمثلة ذلك ما ورد في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ}[البقرة:215]؛ حيث حمل السؤال على أنه غير مطابق للجواب عند بعض العلماء، حيث ورد الاستفها بـ "ما" التي يُستفهم بها عن الجنس، والجواب بيان لمن ينفَق عليه، لا لمن ينفِق، ثم خرجوا ذلك على أسلوب الحكيم، بما اصطلح عليه أهل المنطق، والصحيح أن أسلوب الاستفهام يشمل الأمرين جميعا
3- تفيد في تقعيد القواعد المتعلقة بالتفسير، بحيث تكون هذه القواعد دائرة في فلك الخصائص ومدللة عليها، إذ القواعد مبنية على فهم هذه الأساليب وخصائصها
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن الكريم إما نادر، وإما معدوم وقل أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه"
4- تعين على فهم أشمل لمعاني القرآن الكريم ومقاصده، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: "إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها"
5- تفيد الكاتب والقارئ في تهذيب فكره، ورقيّ أسلوبه. فالدارس للقرآن الكريم وما اختص به من سمو الألفاظ وجمال التعبير لا شكّ أن ذلك يؤثر على فكره وطريقة تعبيره، وتحسين أسلوبه، فقد اطرد أسلوب القرآن في عدم نسبة الشر إلى الله تعالى وذلك في مثل قوله تعالى: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء،79: 80]، وقوله عن الجن: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)} [الجن:10]، أو التكنية عما يُستحيا من ذكره، مع ما يتضمنه من جمال المعنى، كقوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:187]، وكقوله تعالى: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُون}[المائدة:75].
6- تفتح للدارسين بابا في معرفة واستخراج الأساليب التي انفرد بها القرآن الكريم، يقول د. محمد أبو موسى: "ومثل ذلك أسلوب القرآن، فإنه على كثرة ما كتب فيه لم يتحدد لنا بوضوح ما نهجه للغة من طرق، وما فتق لها من أساليب البيان وصور التراكيب، وهذا درس صعب جدا، ولكنه ضروري في تاريخ التراكيب، ورصد نمو الأساليب ويجد فيه النابهون من طلاب العلم ومحبيه مجالا فسيحا لجهود صادقة"
7- أنها تقطع السبيل أمام المشككين في إعجاز القرآن الكريم، ومثيري الشبه حول صدقه وأنه من عند الله تعالى؛ فبيان هذه الخصائص يقطع الطريق على من يزعم أن في القرآن الكريم تناقضا، أو اضطرابا، أو غير ذلك من المزاعم التي يدَّعونها
8- أنها مهمة جدًّا للمشتغلين بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى
9- أنها نافعة جدًّا في الدعوة إلى الله تعالى، يقول ابن الأثير في بيان هذه الفائدة للدعاة إلى الله تعالى: "أنه إذا عرف مواقع البلاغة وأسرار الفصاحة المودعة في تأليف القرآن اتخذه بحرا يستخرج منه الدرر والجواهر ويودعها مطاوي كلامه، كما فعلته أنا فيما أنشأته من المكاتبات، فعليك أيها المتوشح لهذه الصناعة بحفظه والفحص عن سره وغامض رموزه وإشاراته، فإنه تجارة لن تبور، ومنبع لا يغور، وكنز يرجع إليه، وذخر يعول عليه"
10- الاشتغال بها يطلعك على كثير من مقاصد الكلام، ويغنيك عن كثير من علوم المتفلسفة.