متى الموعد يا الله؟ تأتي الإجابة عن هذا السؤال: عندما يأتي الفتح، قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (الفتح: 1)، أي: إنا فتحنا لك أيها الرسول فتحًا مبينًا، يظهر فيه دينك، وينصرك على عدوك، وهو هدنة "الحديبية" التي أمن الناس بسببها بعضهم بعضًا، فاتسعت دائرة الدعوة لدين الله، وتمكن من يريد الوقوف عل حقيقة الإسلام مِن معرفته، فدخل الناس تلك المدة في دين الله أفواجًا، ولذلك سمَّاه الله فتحًا مبينًا، أي: ظاهرًا جليًّا. كل أذى بعده نصر.. وكل بلاء يعقبه فرج كل صبر على البلاء، وكل تحمل للأذى يأتي بعده فتح، فالذي يريد أن يتعرض للنفحات والأنوار والعطايا من الله لا بد أن يبتلى بلاءً شديدًا، ولا بد أن يمحص، وبعد أن يمحص يأتي الفتح والفرج، فالناس الذين يعتبون على الله، ويقولون: يا رب، أنا أصلي، وأصوم، وأزكي، وغيري لا يصوم ولا يزكي، وأنت تفتح عليه، أعطيتني ولدًا وأخذته، أعطيتني مالًا وأخذته، لماذا تفعل بي يا رب وأنا أحبك؟! يقول الله لهم: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (العنكبوت: 2). أظن الناس إذ قالوا آمنا أن الله يتركهم بلا ابتلاء ولا اختبار؟ إن الإيمان معناه الفتنة، وأن يمحص قلبك لله، هذا منتهى اليقين الذي أخبر عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فاللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، فاليقين هو الذي يهون عليك، فإذا جاءك الرزق فالحمد لله، وإذا لم يجئ لك الرزق فالحمد لله. إن الله تعالى مدح سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (النجم: 37)، نحن نحب أن نتكلم عن سيدنا إبراهيم، لأن الكلام عن سيدنا إبراهيم هو كلام عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولن تستطيع أن تدرك عظمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا إذا أدركت العطاء الذي أعطاه الله تعالى لسيدنا إبراهيم، فقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (النجم: 37) معناه: أن الله تعالى وفَّى لإبراهيم، وأن إبراهيم وَفَّى مع الله، فجميع الأخلاق الفاضلة على وجه الأرض: الصدق، الأخلاق، الوفاء، الإنفاق، العطاء لله، المنع لله، الحياء، الأمانة... جميع الأخلاق توافرت في شخصين على وجه الأرض في سيدنا إبراهيم، وفي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 68) أي إن أحق الناس بإبراهيم وأخصهم به، الذين آمنوا به وصدقوا برسالته واتبعوه على دينه، وهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به، والله ولىُّ المؤمنين به المتبعين شرعه، فقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (النجم: 37)، أي: وصل لحالة من الكمال التي لم يصل إليها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (النساء: 125)، أي: لا أحد أحسن دينًا ممن انقاد بقلبه وسائر جوارحه لله تعالى وحده، وهو محسن، واتبع دين إبراهيم وشرعه، مبتعدًا عن العقائد الفاسدة والشرائع الباطلة.. وقد اصطفى الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، واتخذه صفيًّا من بين سائر خلقه، وفي هذه الآية إثبات صفة الخُلّة لله تعالى، وهي أعلى مقامات المحبة والاصطفاء. هذه الآية درس في حد ذاته {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا} يعني: مَن أفضل الناس؟ ومَن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله؟ أسلم وجهه لله أي: جعل الله تعالى قصدًا، وجعله أمامه، ولم يجعله خلفه، فلم يعتمد إلا عليه، ولم يرج إلا رحمته، ولم يخش إلا عذابه.