قصة بلقيس العاقلة الرشيدة
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: هل قرأت عن بلقيس؟
الملحد: نعم ومن لا يعرف تاريخ مملكة سبأ؟!
فضيلة الدكتور: ماذا ترى في شخصية بلقيس؟
الملحد: إنسانة متحضرة وعظيمة في قومها، صنعت حضارة اليمن، وحضارة سبأ وكانت ملء السمع والبصر، أي معروفة، وهي امرأة متميزة.
فضيلة الدكتور يستكمل الكلام، ويقول: إن بلقيس هذه صانعة حضارة، وهي تجلس على عرشها، وعندما تأتي الشمس وتشرق الشمس عليها فإذا بها تسجد لتلك الشمس.
صديقي الملحد إني أطلب منك أن تعقب على هذا الكلام وأن يقول رأيه فيما فعلت بلقيس في سجودها للشمس على الرغم من أن بلقيس امرأة عاقلة رشيدة مالكة لأمر شعبها، رجالها وأشاوسها لا يتكلمون عند حضورها؛ فهم يعرفون قدرها ويعرفون مقامها، ولكن عندما ذهب الهدهد تحسر عليهم، يقول تعالى:﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)﴾ [النمل: 24:23].
فضيلة الدكتور يطلب من الملحد، ويقول له: حدثني -أيها الملحد- عن تفسير هذا الكلام، وهو أنَّ بلقيس هذه مع عُلوّ مقامها وعلوّ همتها في شعبها، ورغم هذا فإن الشعب كان يعظمها، ويقولون لها: (والأمر إليكِ)؛ فكلهم كانوا يأتمرون بأمرها، ولا يبدي أي أحد منهم رأيا في حضورها؛ فرأيها هو السائد، وهو الصواب في كل شيء، ورغم كل هذه المكانة العظيمة والعقل القوي الراجح، فإنها كانت تسجد للشمس من دون الله تعالى.
فضيلة الدكتور يقول: صديقي الملحد دعني أسألك سؤالا، وهو: ما الذي جعلها تفعل هذا؟ أهو العقل؟!
الملحد يجيب على فضيلة الدكتور: (لا) ليس العقل هو من جعلها تفعل ذلك، وإنما لأنها كانت من قوم يتوارثون الكفر.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: أين عقلها لو كانت عاقلة؟ أجبني يا صديقي الملحد.
الملحد: إني أفهم من هذا الحوار العالي أن العقل في جميع الأحوال لا يكون حاكما ولا صائبا، وأن امرأة مثل بلقيس – بالرغم من أنها عاقلة في مجتمعها وعاقلة في رئاستها، وعاقلة في إدارة شعبها – ولكنها للأسف من حيث الإيمان تستحق صفرا عن جدارة؛ لأنها تعلم أو لا تعلم أنَّ الشمس مخلوقة، ولكن يا صديقي الملحد دعني أسأل بلقيس نفسها سؤالا مهما، وهو: يا بلقيس وأنت ملكة عظيمة، عندما كنت ملكة عظيمة، وقبل أن تدخلي الإسلام هل كنت تؤمني بأن الشمس خالقة؟ أم أنها مخلوقة؟
بلقيس ترد على فضيلة الدكتور، وتقول: إني كنت قبل الإسلام وقبل سليمان كنت على يقين أن الشمس هي الخالقة، وليس لها خالق.
فضيلة الدكتور يتوجه للملحد، ويسأله سؤالا مهما بسرعة: يا صديقي الملحد: الشمس الخالقة، من الذي خلقها؟
الملحد يقول لفضيلة الدكتور: بل اسأل بلقيس!.
أحبتي الكرام، يستحيل أن تكون الشمس خالقة، فهل هناك خالق يتغير؟! هل هناك خالق يختفي ثم يرجع مرة أخرى؟! وعندما يختفي هذا الخالق فكيف يعيش أولئك الناس الذين خلقهم؟! ومن يرزق عُبَّاد هذه الشمس - إذن - عندما كان يأتي الليل وكانت الشمس مختفية؟!
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: ما رأيك في هذا الكلام يا أستاذ يا ملحد؟
الملحد: كلامك معناه أن الشمس تختفي وتظهر، وليس لها صفة الدوام والخالق حي لا يموت، وأما الشمس فإنها يستحيل أن تكون خالقا.
فضيلة الدكتور يسأل بلقيس بعد أن عادت من الموت: ما رأيك في هذا الكلام يا بلقيس؟
بلقيس ترد على فضيلة الدكتور: لقد أفقتني بكلامك هذا.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد ويقول له: أيها الملحد ما رأيك في هذا الكلام؟
الملحد: لقد أفقتني بكلامك يا دكتور.
أحبابي الكرام، إذن العقل عندما نحتكم إليه فإن أحكامه فاسدة؛ لأنني قلت لك: إن بلقيس كانت عاقلة في قومها وسيدة في قومها، ويؤتمر بأمرها والوزراء والحاشية من حولها ليسوا شيئا، ورغم هذا كان في عقلها شطط، وكان في عقلها جنون، وكان في عقلها – معذرة – خبل.
فضيلة الدكتور يطلب من الملحد أن يسأل الملكة بلقيس السؤال التالي: عندما كنت تعبدين الشمس ثم جاءك الهدهد، ثم سليمان برسائله، ودخلت في الإسلام وقلت: ربي إني ظلمت نفسي، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
فضيلة الدكتور يطلب من الملحد أن يسأل الملكة بلقيس: عندما دخلت يا بلقيس في الإسلام، فهل دخلت فيه بالإيمان أم بالعقل؟
الملحد يسأل بلقيس: يا بلقيس هل دخلت في الإسلام بالإيمان أم العقل؟
بلقيس تجيب وتقول: دخلت الإسلام بالقلب، وليس العقل؛ فالعقل جعلني أؤمن أن الشمس إله، والعقل ضللني، والإيمان شدني والعقل ضيعني وضيع شعبي والإيمان جمعني والعقل توهني وتوه شعبي، وعندما أتى الإيمان عن طريق سليمان هذّب مشاعري وجمع قلبي، وعلى هذا فإني دخلت الإسلام بقلبي وليس بعقلي.
فضيلة الدكتور يسأل بلقيس، ويقول لها: سيدة بلقيس إن الملحد يقول: إن الله قد عرفوه بالعقل، فما رأيك في هذا الكلام؟
بلقيس تجاوب على فضيلة الدكتور: (لا) هذا غير صحيح؛ فالله تعالى قد عرفه الناس عن طريق الإيمان، وقد عرف الناس الله تعالى عن طريق الرسل - أيضا - وعرفوه عن طريق الملائكة.
فضيلة الدكتور يسأل بلقيس: سيدة بلقيس كيف دخلت في الإسلام؟ هل دخلت الإسلام بالعقل أم بالإيمان؟!
بلقيس تجاوب على فضيلة الدكتور: دخلت الإسلام عن طريق الإيمان.
فضيلة الدكتور يسأل بلقيس: سيدة بلقيس لو تسمحين لي آخر سؤال: ماذا فعل لك العقل قبل أن يأتي الهدهد، والخير في بلادكم؟
بلقيس تجاوب على فضيلة الدكتور: والله هذا العقل الذي اعتمدنا عليه دمرنا، ودمر شعبنا وأهلك ثرواتنا.
أحبتي الكرام، إن القضية هنا أوضح من الشمس، وأنا لا زلت إلى الآن أناقش مقدمة الموضوع ولم أدخل في لجته؛ لأن الموضوع ينقسم عندي إلى أمرين:
الأمر الأول يقول: إن العقل هو الذي استدل على الله على حد قول بعض الناس: "إن الله قد عرفوه بالعقل"، وقلت لكم: إن العقل أضعف من أن يحكم على الله تعالى أو أن يسير كونا بإرادة بخلاف ما أراد الله تعالى، وصحيح أن العقل ينفعنا في الفهم والاستدلال، والذكاء اللغوي والذكاء الاجتماعي، والذكاء التعبيري، فلا حرج في كل هذا؛ فكل هذا صحيح، ولكن ليس العقل بديلا عن الله تعالى، ويستحيل أن يكون بديلا.
الملحد يسأل فضيلة الدكتور، ويقول له: لماذا تحقِّرون من العقل؟
فضيلة الدكتور يجيب: معاذ الله أن نحقّر من شأن العقل، ولكن ينبغي أن توضع الأمور في نصابها، ولكن دعني أسألك سؤالا أيها الملحد، وهو: الإنسان الأول ماذا كان يعبد؟
الملحد يجيب على فضيلة الدكتور: إن الإنسان الأول كان يعبد كل شيء غامض عليه في الحياة، وكان يعبد كل أمر أقوى منه، وغامض عليه فإنه يعبده بمعنى أن الإنسان كان ضعيفا، فإذا رأى شيئا قويا فإنه يقوم بعبادته، ولها فإنه عبد الجبال والثعابين وعبد النار وخلافه.
فضيلة الدكتور يسأل سؤالا مهما، وهو: هل العقل هو الذي دله على هذا؟ أي هل العقل هو الذي قال له أن يعبد ما لا يقدر على أن يستوعبه؛ لأنه صعب عليه؟
الملحد يجيب: (لا) وإنما القضية هنا أن الإنسان الأول كان ضعيفا وكان يؤنس نفسه بآلهة وهمية من صنع خياله المريض.
فضيلة الدكتور يقول: إذن العقل هنا كان فاسدا، واستنباطه كان فاسدا، وفضيلة الدكتور يستأذن الملحد ويقول له: هل تأذن لي أن أستدرجك إلى قضية شرعية؟
الملحد: نعم لم لا تفضل؟.
فضيلة الدكتور يقول: أيهما أنجس عندك في فهمك: (البول أم المني)؟
الملحد: يسكت ولا يجيب.
العقل يخطئ في استنتاجاته واستنباطاته
فضيلة الدكتور يقول للملحد: إن الإنسان لو أنه حكَّم عقله سيقول: إن البول أنجس من المني، فماذا نبني على هذا الحكم إذن؟
ونبني على هذا الحكم -يا أحبتي- أنه طالما أن العقل قال: إن البول أنجس من المني فإنه يجب على الإنسان – إذن – كلما تبول وجب عليه الغسل، أما إذا أخرج منيًا في جماع فلا يفعل إلا أن يتوضأ باعتبار أن المني طاهر، وليس نجسا، وهذا هو كلام العقل، وعلى هذا فإن العقل يخطئ في استنتاجاته واستنباطاته.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: ماذا فهمت من ذلك؟
الملحد يقول: الذي فهمته أن العقل في أحيان كثيرة يخطئ في استنباطاته، ويخطئ في بعض الأحيان في استنتاجاته.
فضيلة الدكتور يقول للملحد: أتأذن لي في مثال آخر؟
الملحد: تفضل يا فضيلة الدكتور.
أحبتي الكرام، الصلاة أفضل من الصيام بإجماع الجميع، دعني أسألك سؤالا إذن: المرأة الحائض عندما تحيض، أو الإنسان لو عنده مرض، وأفطر في رمضان وأراد أن يعيد الأيام بعد رمضان – مثلا – في شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة مثلا، فعندما يبدأ هذا الإنسان في إعادة الصيام للأيام التي فطر فيها فإنه يعيد ماذا؟
الملحد يجيب على فضيلة الدكتور، ويقول: إن العقل يقول: إن هذا الإنسان يجب عليه أن يعيد الصلاة ولا يعيد الصيام؛ لأن الصلاة أفضل من الصيام، إذن فإن كلام العقل يقول: يجب على الإنسان أن يعيد الصيام مدمج معه الصلوات التي لم يصلها لعذر شرعي.
فضيلة الدكتور يقول: ولكن هذا الكلام -يا صديقي الملحد- لم تقل به الشريعة الإسلامية، ولم يقله الله تعالى الذي خلق الأرض والسماوات وخلق العقل أيضا.
الملحد يسأل فضيلة الدكتور: ولماذا هذا الكلام لم تقل به الشريعة الإسلامية؟
فضيلة الدكتور يجيب: لأن الشريعة تقول الذي إن الذي يعيد الصيام فإنه يعيد الصيام ولا يعيد الصلاة ولو أخذنا بقياس العقل لقلنا إنه يجب أن يعيد الصلاة قبل الصيام.
الملحد يقول لفضيلة الدكتور: لقد قدمت الآن يا فضيلة الدكتور للناس وقدمت إليَّ معلومات مهمة تبين أن الإيمان هو الذي يأخذنا إلى الله؛ لأن العقل في كثير من الأحيان تكون استنتاجاته خطأ؛ لأنه تتغلب عليه كثير من الأحوال المزاجية وكثير من الاستنتاج الباطل.
فضيلة الدكتور يوضح: إن هذه المناظرة عبارة عن مقدمة للموضوع، وهي لم تكن كافية للرد على الأمر الآخر، وهو أن العقل يغني عن الأنبياء، وهو موضوع المناظرة القادمة، إن شاء الله تعالى.
من كتاب مناظرات ايمانية لفضيلة الاستاذ الدكتور أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الاسلامى