مرتبة الإنابة في القرآن
الكريم
قال تعالى:{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ
إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى
بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ
وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا
وَأَنَابَ} (ص: 24)، والمعنى: قال داود عليه
السلام: لقد ظلمك أخوك بسؤاله ضم نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيرًا من الشركاء ليعتدي
بعضهم على بعض، ويظلمه بأخذ حقه، وعدم إنصافه من نفسه إلا المؤمنين الصالحين، فلا
يبغي بعضهم على بعض، وَهُمْ قليل.. وأيقن داود أننا فتناه بهذه الخصومة، فاستغفر
ربه، وسجد تقربًا لله، ورجع إليه وتاب.
إن الإنابة
مرتبة نبوية عاش عليها سيدنا إبراهيم عليه السلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
والإنابة تعني الذكرى، فالمنيب هو الذي يتذكر، ويقول: أنا كنت فقيرًا ففتح الله
عليَّ، وكانت عندي مشكلة فقلت: يا بركة دعاء الوالدين، ففتح الله عليَّ، وكنت في
يوم مهمومًا فصليت ركعتين قضاء للحاجة ففرج الله عني...كما قال تعالى:{يُولِجُ
الليْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الليْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ
الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} (غافر: 13).
هو الذي يُظْهِر
لكم أيها الناس قدرته بما تشاهدونه من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها
ومبدعها، ويُنَزِّل لكم من السماء مطرًا تُرزقون به، وما يتذكر بهذه الآيات إلا
مَن يرجع إلى طاعة الله، ويخلص له العبادة.
قال تعالى:{فَادْعُوا
اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ} (غافر: 14)، إذًا الإنابة
معناها الإخلاص والدعاء والتضرع، والإنسان يراجع نفسه، ويقول: يا رب أشكرك كثيرًا،
أعطيتني نعمًا لا أستحقها، فصرت منيبًا، لأنك تذكرت نعمة الله عليك، فاذكروا آلاء
الله لعلكم تفلحون، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ
هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ} (التوبة: 114).
