شمولية الشريعة الرسالة الإسلامية رسالة عالمية، لا تختص بها دولة من الدول، أو شعب من الشعوب، أو بقعة من بقاع الأرض، بل هي رسالة تعم كل مكان وكل إنسان على سطح الأرض داعية للتوحيد وشهادة الحق. قال تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء: 105].{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله: ((وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)) . وعن أبي ذر –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوتيت خمسا لم يؤتهن نبي قبلي: وذكر فيها- وبعثت إلى الأحمر والأسود)). من بداية الدعوة كانت نظرة الإسلام أن تصل إلى العالم كله، والدليل على ذلك أن الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم - لم يكن رجلا إقليميًّا أو زعيمًا وطنيًّا، ولم يسر في قومه سيرة القادة السياسيين ولم يسع لإقامة إمارة عربية قوية موحدة يرأسها، وإنما أرسل صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ولم يكن خطابه لأمة أو وطن، ولكن خطابا للنفس البشرية والضمير الإنساني. كما أن الشريعة الإسلامية تعم كل شأن من شئون الإنسان في حياته الخاصة، وفي حياته العامة بالإضافة إلى مخاطبتها للأجيال المتعاقبة من البشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. يقول ابن القيم: ((فَلِرِسَالَتِهِ عُمُومَانِ مَحْفُوظَانِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِمَا تَخْصِيصٌ: عُمُومٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ، وَعُمُومٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ بُعِثَ إلَيْهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ؛ فَرِسَالَتُهُ كَافِيَةٌ شَافِيَةٌ عَامَّةٌ)). ((وقد اشتمل القرآن الكريم على أصول الشريعة وقواعدها من الحلال والحرام، وجاءت أكثر أحكامه مجملة تشير إلى مقاصد الشريعة، وتضع بيد الأئمة والمجتهدين المصباحَ الذي يستنبطون في ضوئه أحكام جزئيات الحوادث في كل زمان ومكان، وهذا سر خلود الشريعة وشمول قواعدها الكلية ومقاصدها العامة لما يحدث في الناس من أقضيات، وإنما فصَّل القرآن ما لا بد فيه من التفصيل الذي يجب أن يسمو عن مواطن الخلاف والجدل كما في العقائد وأصول العبادات، أو لأنه يبنى على أسباب لا تختلف ولا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة، وذلك كما في تشريع المواريث ومحرمات النكاح، وعقوبة بعض الجرائم))