سلمة بن دينار الأعرج


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، وغياث المستغيثين، وأمان الخائفين، خلق الخلق وأحصاهم عددا، رزق الخلق ولم ينس أحدا، سبحانه يعلم السر وأخفى، سبحان من خلق السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، قوله فصل، وعطاءه عميم، وقاصده لا يخيب، فهو الكريم الأكرم، ما خاب من قصده، وما ضلّ من استهدى به، لا يعذّب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

 والصلاة والسلام على خير الأوابين، ونور الهادين المهديين، وإمام التوابين المتطهرين، طهر الله به الأكوان، وأنار الله به الآفاق، وهدى الله به الحيارى، وهدى الله به العرب والعجم، وعلى آله الأخيار وصحابته الأبرار.

 لا زلنا نفرح بالصالحين، فإن الحديث عنهم فرح، وإن ذكرهم فرج فهم أهل الصلة بالله، وهم الذين يتبارك بهم، وهم الذين يستسقى بهم الماء، وهم الجبال الرواسخ، وهم البحور الواسعات، من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحل، أعطوا حياتهم لله كلها بغير حساب، فأعطاهم الله تعالى من واسع خزائن مننه بغير حساب.

إننا كلما تقربنا إلى أحدهم نستشعر أن الله تعالى اصطفاهم، وفضلهم وزكاهم ونورهم، ضيفنا هو أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، هذه الأسماء عند الناس الباحثين مثل خادمكم، يعني كالشمس وأنا أتعب على ما أختار واحد فيهم؛ لأن كلهم نجوم بصراحة، يعني أمامك ألف واحد كلهم من أهل الجنة تأخذ من وتختار من؟ حتى في اللحظات الأخيرة ربنا يرشدني لواحد فيهم ليس لقلتهم وإنما لكثرة أنوارهم، صحيح فهم الشعاع الذي يستضيء به الحائرون، ولذا قلت لك في الدرس الأول: إن الله تعالى وزعهم في الزمان، ووزعهم في المكان، ولا تخلوا الأرض من الصالحين.

 أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، له سر عجيب عند الله سبحانه وتعالى فكان لا يتكلم إلا بالحكمة حتى تفهم أن الله تعالى آتاه الحكمة، وفصل الخطاب وقلت لك بالأمس: إن بعض الباحثين يقولون عن أمثال هؤلاء: عدّ كلامهم من كلام الأنبياء، كلامهم قليل ولكن يعبر عن خبرة قلبية عظيمة مع الله، فكان يقول من نزه نفسه عن المعاصي فتح الله له فتح الفتوح، الواضح ولا أخفيكم سرا من حياة الصالحين الكبار هؤلاء أنهم لم يعرفوا طريق المعصية، ولم يشموا رائحتها، لأنهم كانوا على يقين أنها تبعدهم عن الله آلاف السنين.

 المعصية الواحدة لهؤلاء؛ لأنهم كما أنهم معروفون في الأرض متوجون في الأرض سخرت القلوب لهم فإن الملأ الأعلى يعرفهم واحدا واحدا، {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص: 69] يعني يختصمون في مكافأة المؤمنين وليس معنى يختصمون يتشاجرون الملائكة لا، هم يختصمون يعني يريدون أن يكرموا المؤمنين الصالحين إكراما كبيرا جدا، حتى صلى أحدهم مثل أبي حازم صلاة قوية مزلزلة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فظلت الملائكة تكتب ثوابها سنة كاملة، يعني الملائكة يتعجبون من كلام هؤلاء، الملائكة نفسهم، لأنهم يأتون بخوارق في العبادات تعرفها من حياتهم عندما تقترب منهم.

 أبو حازم سلمة بن دينار، يقول: عندما تصح الضمائر فإن الله يغفر الكبار، يعني طهر نفسك جيدا جيدا جيدا، فإذا ما طهرت نفسك تجاوز الله عنك مهما كان الذنب عظيما عند تصحيح الضمائر يغفر الله الكبائر.

 وكان سحاء من خشية الله، سحاء يعني أعظم من بكاء البكاء الذي يبكي بكاء متقطع، لكن السحاء الذي يبكي حتى يغرق الأرض التي حوله، سبحان الملك، وكان إذا بكى يأخذ الدموع التي مسح بها دون أن يراه أحد ويمسح بها وجهه وما تبقى من جسمه.

 ويقول: بلغني أن النار لا تصيب موضعا بكى من خشية الله، بلغني أن النار لا تصيب موضعا أصابته دمعة من خشية الله، بلغني أن النار لا تصيب موضعا أصابته دمعة من خشية الله، اللهم خشع قلوبنا وبكي عيوننا، يعني لا يجوز لك أن تقول: اللهم بكي عيوننا وخشع قلوبنا لا، إذا خشع القلب بكت العينان {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92]. أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

 لما قدم سليمان بن عبد الملك وكان خليفة عادلا، وهو الذي سبق عمر بن عبد العزيز، وهو الذي أوصى بالخلافة لعمر رغم صغر سيدنا عمر يعني هو لو ماشي بترتيب السن ما كان لسيدنا عمر أن يكون خليفة، لكنه سليمان كان صالحا فلم ير في الأمة أصلح من عمر.

 فلما قدم المدينة لكي يحج قال: دلوني على عالم يذكرني بالله، الأمراء والخلفاء كانوا علماء مع وقف التنفيذ. يعني كان عندهم علم كثير، لكن كانت السياسة وخداهم، وكانوا في مرحلة فتوحات إسلامية، فكانوا مشغولين بهموم الأمة لكن هو داخله من جواه عالم؛ لأنهم تربوا في بيوت الخلافة فكانوا يأتون بأحسن الفقهاء لكي يعلموهم في بيوتهم، فهو طالع عالم أصلا، ولكن الحياة ومشاكلها تضرب على قلوبهم صفحا، فإذا هم منشغلون عن الله، فلما يتذكر الحالة الإيمانية الوهاجة عندما كان شابا يقول: شوفوا أحد ينظفني شوفوا أحد يغسلني طيب من عنده جرأة إن هو يواجه أمير المؤمنين؟

 وهؤلاء الناس الوصول لهم لم يكن سهلا يعني فقالوا له: أبو حازم سلمة بن دينار، فلما التقى به قال له سليمان: لماذا نحب الدنيا ونكره الآخرة؟ سليمان من؟ الملك أمير المؤمنين حاجة عالية يعني يسأل أبو حازم لماذا نحب الدنيا ونكره الآخرة؟ فقال: يا أمير المؤمنين؛ لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، أرض جو، جاب من الآخرة، والنفس تكره أن تنتقل من العمران إلى الخراب، فاهتز معه سليمان بن عبد الملك فقال له: كيف القدوم على الله؟

 فقال له: أما المحسن فإنه يعود إلى الله تعالى مشتاقا كما يعود الغريب إلى أهله، وأما الآبق فإنه يعود إلى الله تعالى مرتعا خائفا، كما يعود العبد الآبق إلى مولاه، وتلا قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14] فقال له: عظني، فقال له: كيف أعظك ومظالمكم عند الناس؟ إذا أردت أن أعظك تتطهروا من ذنوب العباد.

فقال له: ادع لي. فقال له: كيف أدعو لك وكم ظلمتم وكم وكم. فقال له: انصحني، فقال له: سأنصحك احذر أن يراك الله حيث نهاك، واحذر أن يفتقدك حيث أمرك، اتق الله أن يراك الله حيث نهاك، وأن يفتقدك حيث أمرك، احذر أن يراك الله حيث نهاك، وأن يفتقدك حيث أمرك.

 بصراحة جمع فيها كل ما جاء به نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، طبعا ليس خافيا أن هؤلاء القوم الصالحين الكبار الدنيا عندهم لا تساوي شيء.

 فلما انتهى أمير المؤمنين قدم له مئات الدنانير، فقال له: أتعرض علي الدنيا وقد طلقتها من خمسين سنة؟ خذ دراهمك وأعطيها لغيري.

 طبعا كلام ناس عندهم يقين عظيم في الله سبحانه وتعالى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] جعلنا منهم أئمة يعني: بعد ألف سنة يأتي واحد يجلس مكاني، ويقول: أبو حازم ويظل ذكرهم إلى أن تقوم الساعة.

ومرّ على فكهاني ذات مرة، فاشتاقت نفسه إلى الفاكهة حدثته أن يأكل الفاكهة التي ما أكلها من قبل وشدته عيناه إلى الفاكهة، فقال لعينيه ولنفسه: موعدك الجنة، موعدك الجنة. الناس تقرأ عن فواكه الجنة، ولكن لم يشاهدوها، فما بالك لو شاهدوها؟ وفي هذا أسرار لم يسمح بها المكان، ولو سمح لتكلمت في هذا.

 وذات يوم مر على جزار ذبح ذبيحة سمينة فقال له: يا أبا حازم عندي لحم سمين ألا تأخذ منه شيئا؟ فقال له: ليس معي دراهم فقال: فإني أنظرك يعني خد على النوتة، فقال له: أتنظرني أنت؟ يعني أنت تمهلني بفلوس وتذهب إلى المجاري، بل أنا أنظر نفسي إلى لقاء الله. يعني بدل ما يبقى أحد لي فلوس عندي حتى أكل يروح في الآخر في المجاري، فإني أنظر نفسي حتى ألقى الله سبحانه وتعالى.

 هذه السير تعلم منها الشباب الصالح يعني الأجيال التي بعده أخذوا منه وسنلاحظ هذا في الدروس القادمة كيف يأتوهم ناصعي البياض جعلت أقواما ناصعي البياض، حياتهم ناصعة البياض، فجعل الله من أصلابهم وممن أتوا بعدهم أقواما ناصعي البياض.

 ولو حدثتكم عن موته وانتقاله، فإنكم تلمحون عجبا في نزول الملائكة لاستقباله {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].

 يقول سليمان بن القمري: نمت ذات ليلة، فجاءني أبو جعفر القارئ، وكان قد مات حديثا، وكان من الصالحين، فرأيته كنور أعلى الكعبة. يعني واقف فوق الكعبة، فنادى عليّ: يا فلان يا فلان بلّغ إخواني فلان وفلان وفلان أن الله راضٍ عني وأن الله تعالى ألحقني بالشهداء والصالحين، وأنا في مكانة كما ترى، ولكن بلغ أبا حازم سلمة بن دينار الأعرج قل له: إن أبا جعفر يقول لك: الكيس الكيس يعني: العقل العقل، والجمال الجمال، والدين الدين إن الله وملائكته يتراءون لدرسك كل عشية، يعني درسك كل ليلة الملك يسمعه، الملائكة تنتظره يعني انظر مكانتهم الربانية العالية العالية العالية جعلت الأموات يتحدثون فيما بينهم فأبو جعفر القاري هذا يقول: بلغ أبا حازم أن الله وملائكته يتراءون لمجلسك، لمجلس أبي سلمة كل ليلة.

 اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك، اللهم كما أصلحتهم فأصلحنا وكما نورتهم فنورنا، وكما رفعتهم فارفعنا، وكما جعلتهم أئمة للزمان ورواسخ للزمان والمكان، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران: 7].

 اللهم اجعلنا وإياكم من أولي الألباب، وأحينا على الإسلام، وتوفنا على حب القرآن وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنى وزدنا ولا تنقصنا، اللهم إنك طهرتهم بالعلم والحكمة، فنولنا ما نولتهم من العلم والحكمة، وكما جعل لهم قدم صدق يذكره الناس إلى يوم القيامة فاجعلنا وإياكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، اللهم اجعل لنا في الدنيا لسان صدق، وحال صدق وفؤاد صدق وقدم صدق وسعي صدق، وبلغنا يوم الجنة مقعد صدق.

 نقسم بك عليك يا الله اجعلها ليلة عظيمة فرج بها عنا، فرحنا الليلة فرحنا الليلة وأسعدنا بالصالحين فما أجمل مجالسهم التي يشاهدها الملك ويسمعها الملك وينتظرها الملأ الأعلى الله أكبر، سبحان من نورهم سبحان من علمهم، سبحان من زكاهم سبحان من علمهم سبحان من أعطاهم بينة من الله {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي } [الأنعام: 57].

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض