بسم الله الرحمن الرحيم
والمقصود بهذا العنوان منهج السلف الصالح
يعني المنهج الذي سار عليه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز.
بعض الناس بيقول إن المنهج الذي سار عليه عمر
بن عبد العزيز يسمى بمنهج التصوف السني ولكني أعلم أن كلمة التصوف لها حساسية عند
كثير من الناس أو لا يفهمونها جيدًا، مؤلفات كثيرة قالت إنه اتبع منهج التصوف
السني يعني جمع بين ما يتصف برقة القلب
وتهذيب النفس الجانب الروحي يعني وبين اتباع السنة.
قلت لك الأفضل أن نقول أنه اتبع منهج السلف
الصالح لأن كلمة التصوف أو الصوفية تمثل حساسية عند بعض الناس لإصدارهم أحكاما
عاجلة على الصوفية أو التصوف أو عدم تفريقهم بين الصوفية وبين التصوف.
أنا معي رسالة دكتوراه لباحث سعودي كتب هذا
العنوان (ملامح التصوف السني عند الحسن البصري) الحسن البصري اللي هو شيخه وأستاذه
يعني هو بيسير في نفس المدرسة، هذه رسالة دكتوراه لباحث سعودي.
على أية حال اخترت عنوانا لدرس اليوم يبعدنا
عن المتاهات الفكرية التي يحب الناس أن يدخلوا أنفسهم فيه.
منهج السلف الصالح الذي اتبعه عمر بن العزيز
يقوم على ما يلي:
علاج قسوة القلب وموت القلب وإحياء القلوب
التي أماتتها الدنيا
هم يعتبرون يعني السلف الصلح أن أفضل طريقة
لعلاج القلب الميت أو القلب القاسي تغيير السلوك بخمسة أشياء: كثرة الذكر
كثرة زيارة المقابر
المسح على رؤوس اليتامى
التماس مجالس العلماء الربانيين
التماس الرفقة الصالحة
وكل كلمة لها أدلة من القرآن والسنة قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير
ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من القلب الكلام القاسي» الحديث مهم جدا جدا
جدا.
طبعا الفترة التي شهدت ازدهار الدولة الأموية
خاصة في عهدي الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك واتساع الفتوحات الإسلامية
والإسلام دخل أوروبا والعالم كله. كان
لهذا تأثير كبير على تشتت قلوب الناس عن العبادة، المساجد خلت تقريبا إلا
من صلاة الجمعة، قلت لك في الدرس الماضي زكاة الفطر لم يكن يدفعها أحد، ثوابت
كثيرة حتى الزكاة نفسها كان يمتنع الناس عنها.
السلف الصالح رضي الله عنهم ومنهم عمر بن عبد
العزيز يرى أن أول طريق في إصلاح المسلم إصلاح القلب وهذا منهج الإمام الحسن
البصري استنادًا (كله بالأدلة) لما أقولك سلف صالح يعني أدلة لا تحتاج إلى مخمخة
ولا اجتهاد بنتكلم بالأدلة. الأدلة القرآن
أو السنة، القرآن بيقول إيه: (الله نزل أحسن الحديث كتابات متشابها مثاني
تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، قيل فما جلاءها
يا رسول الله قال: تلاوة كتاب الله، وكثرة
ذكره» أحاديث كلها صحيحة.
فطبعا مسألة الذوق العالي عند السلف الصالح
في تغيير قسوة القلوب بقراءة القرآن ودروس العلم وحب السنة وحفظ السنة وحب المساجد
كل هذه الأمور بالنسبة للصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم منهج عمل، وأيضًا كان
عمر بن عبد العزيز يوصيه ولا يحتاج إلى وصية الإمام الحسن بقيام الليل، وكان من
مأثورات الإمام الحسن (إذا لم تقدر على قيام الليل ولا على صيام النهار فاعلم أنك
محروم قد كبلتك الخطايا والذنوب) اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله
عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وأتى رجل إلى الإمام الحسن فقال يا ابن أخي
أعياني قيام الليل فما أطيقه قال يا ابن أخي استغفر الله وتب إليه فإنها علامة
سوء، لا إله إلا الله، وقال الإمام الحسن من مأثوراته التي شرحتها واستمتعت بها في
برنامج الحكم الربانية: إن الرجل ليذنب فيحرم من قيام الليل، ولا زلنا في منهج
السلف الصالح في إصلاح القلب وإصلاح السلوك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أكثروا ذكر هاذم أو هادم اللذات» يا سلام، وهذا الحديث يعتبر ترطيبا على قلوب المؤمنين،
ويعتبر عودة إلى مقام عرفنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم وعرفنا إياه القرآن
الكريم، لماذا؟ لأن تذكر الموت ذكر الدار إن أخلصناه بخالصة ذكر الدار وكان يقول:
ما رأيت يقينا لا شك فيه أصبح شكا لا يقين فيه من يقيننا بالموت وعملنا لغيره.
الله أكبر.
طبعا الكلام هنا كبير ومهم جدا الانغماس في
الدنيا يجعلك أستاذا في الدنيا وصفرا في الآخرة (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا
يغرنكم بالله الغرور من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث
الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصير) وفي هذا المعنى باب ترقيق القلوب: قال
صلى الله عليه وسلم «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة»، وقال صلى الله عليه
وسلم: «ألا وإني قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» يا سلام!
طبعا المواعظ التي تحيي القلوب تعطي للقلب
نور نورا عظيما جدا لأنه يدخل في مرحلة اسمها مرحلة الإخلاص، وهذا منهجه رضي الله
تعالى عنه استنادا إلى قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي لله رب العالمين لا
شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) الله أكبر .
هناك أشياء تحبط العمل ومنها الرياء الذي إذا
دخل على قلب المسلم جعله صفرا على الشمال، اجعل لربك حالا معك واجعل حالا لك مع
الله، فإن الملائكة الكرام لا يكتبون كل شيء وإنما يكتبون ظاهر الأعمال، وأما
باطنها فسرها عند الله تعالى.
وكان يعظ رجل فيقول: هذا أحد الصالحين السلف
سعيد بن جبير رضي الله عنه من أعلام التابعين، رأى رجلا مقصرا في العبادة فقال يا
ابن أخي: إن الإسلام حيٌ فأحيه ولا تمته أماتك الله ولا أحياك الله، يا سلام!
طبعا الكلام الجميل لا يقوله إلا أصحاب
الجميل، وكانوا يتخذون القصص أو الحكايات لكي يتعظ الناس بها وتزلزل قلوب الناس
ومن لم يتعظ بعينيه لم يتعظ بأذنيه، وعندنا مجموعة قصص جميلة جدا مع الإمام الحسن
البصري وعمر بن عبد العزيز في هذا المجال، لكن الوقت لا يسمح لنا.
من منهج السلف الصالح في إصلاح النفوس
وتهذيبها دوام التفكر في خلق الله عز وجل، فهذا يجعل قلبك موصولا بمواطن رحمة الله
(إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين
يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض) وكانوا
يقولون: (رحم الله امرءا نظر ففكر وفكر فاعتبر واعتبر فأبصر وأبصر وصبر، لقد أبصر
أقوام ثم لم يصبروا فذهب الجزع بقلوبهم) يا سلام!
أيضًا النهي عن طول الأمل النهي عن حب
الدنيا، الإمام الحسن يقول: إن المؤمن في الدنيا غريب لا يجزع بذلها ولا يفرح
بعزها، الناس منها في راحة والمسلم شغله بالله طوبى لعبد كسب طيبا وقدم الفضل ليوم
فقره وفاقته) يا سلام، وكان يقول: (ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل) يا سلام!
وكان يقول: (يا ابن آدم إنما أنت أيام كل ذهب يوم ذهب بعضك) يا سلام! أساتذة
بصراحة كلام كبير، (يا ابن آدم كيف تتكبر وأنت من سبيل البول جئت) كلام يذكرك
بحقارة الدنيا وتفاهتها، يا سلام! تغيير سلوك الناس من النقيض إلى النقيض، (ألم
يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا
الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)
حج أحد السلف أربعين حجة، وكان عبيد الله بن
عمر يرتاح قلبه في موسم الحج بلقاء أقوام نور الله قلوبهم بالإيمان ومنهم أيوب
الذي حج أربعين مرة، وكان صديقا ليزيد بن الوليد بن عبد الملك، يزيد سيتولى
الخلافة بعد عمر، فلما تولى الخلافة يزيد قال أيوب: اللهم انسه ذكره يعني ينساني
أنا من طريق وهو من طريق وكان شديد التبسم في وجوه الناس.
وكان حبهم للطاعات كما هو حب عمر بن عبد
العزيز لا يتأخر عن طاعة أبدا وإنما في الصلاة أول من يصلي، في الدنيا أول من يهرب
منها، يا سلام! ولذلك اعتبروه مجددا لأنه أتى بكل أعمال الخيرات التي فعلها
الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
وفي قصة نحب أن نقولها لكم: روى أبو نعيم
بسنده إلى حماد بن يزيد قال: غدا علي ميمون أبو حمزة يوم الجمعة قبل الصلاة، وقال
إني رأيت البارحة أبا بكر وعمر في النوم فقلت لهما ما جاء بكما؟ قالا جئنا نصلي
على أيوب السختياني ولم أكن أعلم أنه مات فقلت له لقد مات أيوب البارحة يعني
الصحابة الكبار أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أتيا لكي يصليا على أحد
التابعين، هذه القصة أوردها الإمام الحافظ الذهبي حتى لا يشك فيها أحد، أوردها
الإمام الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء الجزء السادس صفحة 23، يا سلام، أبا
بكر وعمر أتيا ليصليا على رجل من التابعين ولم يكن الذي رأى الرؤية يعرف أنه مات
اسمه أيوب السختياني صلى عليه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم.
ولابد أن نقول أيضًا معلومة مهمة تبعها السلف
الصالح وهي أن عزوفهم عن الدنيا فرغهم لله، لعلي قلت لك أن لصًا دخل على أحد
الصالحين الكبار وهو يصلي الليل فلم يجد ما يأخذه، فنادى عليه هذا الصالح مالك بن
دينار فقال له أترغب في الدنيا؟ ليس عندي شيء سوى هذه الجفنة التي أتوضأ فيها،
فبحث اللص فلم يجد شيء، فقال له أما الآخرة فإنها عندي، تعال كي أربك كي أعلمك كي
أخرج الدنيا من قلبك وعلمه كيف يتوضأ وصلى ركعتين وأخذه مالك إلى المسجد فلما دخل
به المسجد تعجب الناس، كيف لهذا اللص أن يسير بجوار هذا الإمام العظيم فقال مالك
بن دينار: أتى كي يسرقنا فسرقناه، يا سلام! أتى كي يسرقنا فسرقناه، وكانوا يقولون
عنهم أنهم أشد شبها بسيدنا رسول الله في عملهم في حياتهم في سلوكهم حتى قال أنس بن
مالك الصحابي الكبير رضي الله تعالى عنه: (ما وجدت أحد أشبه بصلاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم من عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه).
هذا العهد، العهد العمري شاء الله فيه أن
يجتمع أهم علماء السلف ومنهم طاووس بن كيسان، أيوب السختياني، الحسن البصري، رجاء
بن حيوة، وهب بن منبه، محمد بن واسع، قل ما شئت، جمهرة كبيرة من علماء العصر
الكبار، اجتمعوا في حياة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فتعلم منهم وأضاف
إلى ما تعلم منهم وكان يقول الإمام الحسن
كل شيء بقضاء وقدر إلا المعاصي، يعني لا تقل إن الله فرض عليا المعصية لا تقل إن
الله تعالى فرض عليا المعصية لأن هذا كلام الكفار، (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا
عليها آباءنا والله أمرنا بها، قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما
لا تعلمون)
ومن علماء السنة الذين عاصروا عمر بن عبد
العزيز الأحنف بن قيس سعيد بن جيبر محمد بن سيرين، القاسم بن محمد وأنس بن مالك
الصحابي الذي عمر طويلا. رضي الله عنهم أجمعين.
بصراحة كلام كبير مهم جدا وددت لو أن الكلام
يطول بنا حتى نمتعكم من هذا الكلام الجميل العظيم
"إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ
رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)
وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا
آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ
رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)" المؤمنون