رحلة الراشد ( 56) مظاهر التجديد العمري لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي

الرئيسية المقالات مقالات دينية

رحلة الراشد ( 56) مظاهر التجديد العمري لفضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم
ليس هناك شك أن الخليفةَ عمر الراشد كان أول مجدد في الإسلام
وكانت ولايتهُ على رأس المائة الأولى، وهذه المائة الأولى هي أخير قرن على وجه الأرض، وأفضل زمان على وجه الأرض؛ كما أخبر النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم
ورغم هذا جرت فيها اضطرابات كثيرة بعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب يعني من سنة 1هجريا لسنة أربعين هجريًا خلافة إسلامية راشدة
ويوم أن تولى بنو أمية الحكم من سنة أربعين لسنة مائة يعني عبر ستين سنة ساد فيها الظلم وساد فيها الجور وقل ما شئت
فكانت خلافة عضودية وراثية، ابتلي الناس فيها ابتلاءات شديدة وجرت فيها مظالم على كل الناس ما عدا الحكام والأمراء جرى الظلم على أهل البلاد الأصليين
وعلى المسيحيين الذين أسلموا والذين لم يسلموا وكل من تحت سماء العالم الإسلامي لم يرحم لا الأحياء ولا الأموات
وظلوا يسبون الإمام عليا ستين سنة على كل المنابر، يعني يسبون رسول الله، تصور ان أمة تسب نبيها؛ لأن النبي قال عن علي أنت مني وأنا منك يعني من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، فسبوا عليًا ستين سنة
هذه مهزلةٌ لا تليق بأمة الإسلام، وتفاجأ الناس يوم أن مات سليمان بن عبد الملك الذي أوصى بالخلافة بعده لعمر بن عبد العزيز أنه يصعد المنبر ويخلع البيعة
فقال بعد مقدمة طويلة وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم، فصاح الناس جميعا قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك
ماذا يعني مجدد؟ يعني كل حاجة رقم واحد لم نر هذا رقم واحد إلا مع سيدنا عمر بن الخطاب كل حاجة رقم واحد هو الأول في كل شيء
ولكن مع اتساع رقعة الحكم والبلاد وظهور قضايا جديدة وابتلاءات للأمة جديدة كان لابد من تغيير دماء المسلمين
أولا الأمراء استباحوا الظلم يعني المحافظين استباحوا الظلم، حتى قيل لك أنه كان هناك أوامر عليا لمن يجبون الجبابة للزكاة من البربر المسلمين إذا لم يقدر على دفع الزكاة تسبى أولاده
التي كانت موجودة قبله أسقطها يعني مجدد، من دخل في الإسلام وكان عليه جزية الجزية لا تسقط
ويزاد عليه ضريبة أخرى مقابل الإسلام،
مجدد لم ير الناس أن العوام الشعب يعني يدخل بيت أمير المؤمنين ويجلس معه ويحكي له قصته وشكايته، وذكرت لكم قصصًا عن حضور أناس من مصر مظلومين إلى الشام ومقابلة الخليفة
وأحدهم كانت له شكوى ضد أبيه عبد العزيز وانتصر لهذا الرجل على أبيه الميت، كلمة مجدد يعني الأول جعل لكل مريض راتبًا ولكل مريض مزمن راتبًا مضاعفًا
مزمن يعني لا يتحرك يعني مشلول وهكذا، أنا لو أردت أن أتكلم اليوم عن ملامح التجديد في الخلافة العمرية
يقول عمرو بن أسيد والله ما مات عمر بن العزيز حتى جعل أصبح الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون فما يبرح بماله كله
يعني حجة تاريخية حجة تاريخية على كل الحكام والأمراء، فعاش الناس في سعادة لم يعهدوها ولم يشهدوها من قبل
أما العدل بين الناس، وإقامة الحدود، وتحكيم الضمائر، وعدم هدم الكنائس أو البيع، وعدم الاستيلاء على دور العبادة غير المسلمين ولا على بيوت النار
كل هذا لم يحدث إلا في عهده مع إطلاق الحرية للناس في التجارة في البر والبحر وكل حاجة بل تبرأ من المظالم التي فعلها الحجاج وغيره
فلما ولي الخلافة أرسل إلى أميره في العراق، العراق زمان كانت بلدين الكوفة والبصرة، أرسل إليهم خطابا كل من كانت له مظلمة عند الدولة أرجعوا فلوسه إليه
وتبين أن الشعب كله مظلوم فأتى كل الناس إلى بيت المال فصرفوا فلوسهم المنهوبة منهم عبر سنوات طويلة حتى لم يبقى في بيت المال شيئًا
فأرسل فلوسا من بيت المال في الشام لتعويض أهل العراق.
وبعد هذا العدل فتح الله على بيت المال في العراق فدخل فيه ملايين ما كان الظلم أبدًا يوما يبني حضارة
وهو لا يمنع الناس من الشغل والتجارة والانتفاع ولكن في حدود الشريعة الإسلامية
والذي يعمل في الدولة لا يجوز له أن يعمل عملا آخر ولا أن يستغل منصبه في التجارة والتربح وكذا
وانفتح على العالم الخارجي فراسل ملوك للدول راسل ملوك الهند والسند وكازاخستان وكذا حتى فرحوا بعدله، اسمع واستمتع واسلم كثير منهم وجعلوا أسمائهم عربية، وأرجعهم إلى مناصبهم التي هم عليها لم ينزع منهم شيء
ولكن للأسف بعد أن مات عاملتهم بنو أمية معاملة شديدة فارتدوا عن الإسلام، كثيرون جدا ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة الخليفة عمر الراشد، كثيرون خاصة ممن كانوا يشعرون بالظلم قبله فرفع الظلم عنه، فلما أتى يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك أعادوا المظالم مرة ثانية فضج الناس.
ولك أن تسأل ما شروط المجدد وما صفاته؟
المجدد لابد أن يكون عالمًا بمنهج الكتاب والسنة، وهذا كان متوافرا فيه بكثرة أن يكون عالما مجتهدا في الفقه الإسلامي وهذا متوافر فيه بكثرة
أن يكون عالما مجتهدا في الفقه الإسلامي وهذا متوفر فيه بكثرة، أن يلامس حياة الناس وأن يصوب أفهام الناس وأخطاء الناس وانحرافات الناس وهذا حدث
لا يتوانى عن تغيير المنكر وهذا حدث، أن يمتد إصلاحه إلى من يأتون بعده بسنين طويلة وهذا حدث، فظلت إصلاحاته، وإن كره الكارهون نموذجًا فريدًا على صلاح الراعي والرعية
مدينة حلوان التي أقامها والده عبد العزيز لما تولى عمر الخلافة جرت فيها بعض المظالم؛ فأرسلوا في البريد خطابات إلى أمير المؤمنين فقرأ الخطابات ورد عليها وأمر والي مصر أن يرفع المظالم عن أهل مصر
لا زال الناس يذكرون هذا العدل العظيم وهذا الأمل الأكيد الذي لم يتحقق في تاريخ الإسلام إلا في هذا العهد العظيم
إن الله ليبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها من أمر دينها، وقال صلى الله عليه وسلم لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم
وقال صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبي للغرباء، وقال صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أو آخره
ما العقبات والصعوبات التي واجهت الخليفة الراشد في سبيل التجديد والإصلاح؟
أول هذه الصعوبات أن الأشرار والفجار كانوا قد سادوا البلاد كأن البلاد محتلة ولهم كلمة ولهم سيادة وهكذا
المجدد نزع منهم كل حرام أخذوه ورده إلى بيت المال رغم أنهم ليسوا اغرابا عنهم، إنهم من أبناء عمومته
وهذا كلفه الكثير حيث اتهمه المتهمون إنه أفقر بني أمية وأسعد الشعب ولكنه لم يفقرهم ولكنهم اعتادوا على البزخ والطرف والرفاهية وهو لا يعرف هذا
وبالتالي فكل اعوجاج كان يصلحه حتى أخذ مجوهرات زوجته السيدة فاطمة بنت عبد الملك وأرجعها إلى بيت المال، فلما مات عمر وتولى أخوها يزيد الخلافة، ثم هشام
أرادوا أن يعيدوا ما لها إليها بعد وفاة زوجها الخليفة فرفضت، وقالت ما كان لي أن أبر به حيًا وأن أخالفه ميتًا.
الخليفة المجدد هو الذي يصلي مع الناس الصلوات الخمس في المسجد ولم تكن هذه موجودة لمن كانوا قبله كانوا يصلون مع الناس الجمعة
وكان يصلي بالناس ويخطب الجمعة ويكتب رسائل يومية إلى الأمراء في مصر والكوفة واليمن وكذا
، وبلغ من حرصه على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع السنة، أول جمع للسنة كان في عهد عمر بن عبد العزيز
العلماء والأخيار والأكابر لم يأخذوا وضعهم إلا في عهده؛ لأنهم كانوا يضطهدون قبل هذا ويهمشون لأن الدولة غير دينية للأسف
وليس خافيا عليك أن الظالم الفاجر الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراق قبل ولاية عمر ذبح سعيد بن جبير أكبر علماء الإسلام كما تسبح النعاج على النطع
ولم يثبت عليه ذنب ، لكنه قال قبل إعدامه اللهم لا تسلطه على أحد بعدي
هذا نموذج من إهانة العلماء ذبح أكبر علماء الأمة أكبر عالم في عهده لكي يزرع الخوف والرعب في قلوب الشعب
فقال سعيد كما قلت لك اللهم لا تسلطه على أحد بعدي فكان إذا نام بعد أن أعدم سعيدا يأتي إليه سعيد ويمسكه برقبته في الرؤية
فكان يستيقظ فزعًا ويقول مالي ولسعيد مالي ولسعيد مالي ولسعيد، فلم يعش بعدها سوى أسبوعين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون إن ربك لبالمرصاد
أجل العلماء وكان لهم مجلس يومي مع العلماء وكل قضية تأتي إليه يعرضها عليهم تغيرت الأجواء العامة في الدولة فساد السلام وساد الأمن وساد الرخاء
ثم جدد الأمر المهم جدا أن أي حاكم يغلق بابه دون الناس يعزله تماما لابد أن يبقي الحاكم بابه مفتوحا أمام الرعية حتى يجأروا إليه عند الشعور بالظلم.
عمر بن عبد العزيز مجدد؛ لأنه أنشأ ما يسمى بهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لا يمكن أن أحد يشرب خمرًا في البلاد، ممنوع المعازف والملاهي وكذا والحانات التي كانت موجودة قبله
أنت لا تعرف عظمة الناس إلا إذا عرفت من كانوا قبلهم فلما تولى الخلافة استشعر الناس الحنان
ولذا للعداء التاريخي بين بني أمية وبين آل هاشم آل البيت، حرمهم بني أمية من أشياء كثيرة كانوا يستحقونها ومنها الخمس، الخمس لأهل البيت معروفة، فحجبوها عنهم
فلما تولى أرجع الخمس يعني كان آخر واحد يطلع الخمس سيدنا الإمام علي لآل البيت بنص القرآن
فلما تولى معاوية وزبانية بني أمية ظلموا آل البيت ظلما شديدًا وسبوهم على المنابر، وأخذوا حقهم الذي نزل من السماء فلما تولى عمر الخلافة أنصف أهل هاشم وأعطاهم ما يريدون.
تصور أن خليفة المسلمين لا يقدر على ثمن الحج لكي يذهب لكي يحج في إحدى السنين مشكلة، ليس معه مال شخصي
لأن راتبه ضعيف هزيل راتبه مثل أي فقير في الدولة، رغم أنه هو بيشتغل مثل ألف واحد، اشتهى العسل فلم يأكله منعه عن نفسه
اشتهى التمر من أرض الأردن فجيء به فرفض أن يأكله وباعه ووضعه ثمنه في بيت المال، لا إله إلا الله.
ملامح التجديد لم تقف عند هذا الحد ابتليت الزراعة والصناعة والتجارة أيام بني أمية ممن سبقوه بالركود والسقوط للكثرة الضرائب المفروضة على الأهالي
يعني الفلاح كان إذا لم يقدر على دفع الزكاة يُضرب ويُحبس ويُعذب فيخرج من السجن يرفض أن يزرع الأرض
فلما تولى عمر فوجئ أن كل الأراضي الزراعية أصبحت ملحة جافة جدباء
فشجع الناس على الزراعة وأعطاهم قروضا للزراعة ولم يجبرهم على دفع الزكاة وأمر عمالهم من جئت إليه كي يدفع الزكاة
فلم يستطع أمهلوه عاما أخرى للزرعة القادمة، هذا تجديد، طبعا لم يحدث هذا أبد أبدا في التاريخ
وأعاد المجد العمري أنه ما من أحد تحت سقف الدولة وتحت سماءها مسلم أو كافر أو مجوسي طفل أو كبير إلا وله راتب من بيت المال يا سلام، بل أمر بإعطاء قروض لا ترد للشباب والبنات الذين يريدون الزواج وليس معهم مال
بل أمر أمراءهم ببناء البيوت الفقيرة للناس الغلابة والفقراء مرة ثانية على نفقة الدولة
حتى تغير شكل الدولة تماما فلما ساد العدل بعد الظلم فلما ساد العدل انتشر الإسلام فلما ساد العدل انتشر الأمن
فلما ساد العدل ترعرع الإسلام في آسيا وأفريقيا وأوروبا، الإسلام أيامها خرج من أسيا إلى أوروبا وخرج من الأندلس فرنسا ثم إيطاليا
ولازالت آثار الإسلام موجودة إلى يومنا هذا.
ثم ابتلي بوفاة ابنه الحبيب القريب إليه عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز وكان رضي الله عنه من شباب العلماء الصالحين
وجاءه مرض كان سائدًا أيامها مثل الأمراض المعدية فلم ينجو منه فنعاه إلى الله ولكن وفاة ابنه كسرت ظهره
وظل متألما على هذا الشاب الصالح الذي كان يساعده في جميع المحن التي مرت عليه سنتان وخمس شهور ليس عشرون سنة ولا ثلاثين سنة ورغم هذا غيرت وجه العالم
حق له أن يكون مجددًا هذا الزمان الذي عاش فيه وهو أول مجدد في الإٍسلام وحق له أن يبقى في سمع الزمان وفي سمع الأمة وفي سمع التاريخ
وحق له أن ينطبق عليه قوله تعالى جل جلاله
"إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)" المؤمنون


تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض