خطبة الجمعة 74 فإني قريب لفضيلة الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض
الداعية ولمفكر الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، لك الحمد في السراء، ولك الحمد في الضراء.
"وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)".
لا عز إلا في طاعتك، ولا نعيم إلا في رضاك، ولا سعادة إلا في التذلل بين يدي عظمتك.
سبحان من علا فعلا فهو على كل شيء قدير، سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته.
وأشهد أن لا إله إلا الله، "رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)".
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسول وصفيه وخليله.
محمد أشرف الأعراب والعجم * محمد خير من يمشي عى قدم.
اللهم صلِّ أفضل صلاة وأزكاها على خير الأنام بدر التمام مفتاح در السلام كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الخطبة الرابعة والسبعون عنوانها: "فإني قريب"
إن الله تعالى جل جلاله جعل للدعاء وحده آية بين آيات الصيام.
وإذا سألك عبادي عني
وهي الآية التي أسعد بها اليوم وأتناولها في خطبتنا.
"وإذا سألك عبادي عني"، إذا دعوت أجاب الله لك، وإذا لم تدعُ لن يستجيب الله لك.
الدعاء يغير الأحول ويغير الأرزاق، بل إن الدعاء يغير الأقدار.
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الدعاء يخرج من قلب المؤمن إلى السماء، والقدر نازل من السماء فيلتقيان، فيختلجان كما يختلج الماء في القدر المغلي فأيهما غلب غلب"
"أمن يجيب المضطر إذا دعاه" مشيئة الإجابة الأساس فيها أنت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب الله عليه".
"أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون"
"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب"
أساليب الإبطاء مثل: ثم إني قريب، فإنما أنا قريب، إبطاء.
ولكن التسريع بالفاء، أسرع وسيلة في تحريك الدعاء، "ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون"
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88).
جميع الأسئلة التي كان يُسألها النبي يجيب ب: قل، ويسألونك عن الجبال فقل، ويسألونك عن الأهلة قل.
أما الدعاء فلم يقل النبي شيئا، أما الذي قال فهو الله.
كل سؤال في القرآن الإجابة عنه بقل، أما في الدعاء "فإني قريب"، يعني: لا واسطة بينك وبين الله.
سل ربك عاجلا، فإذا سألته كان أقرب إليك من حبل الوريد.
دلالة كلمة "عبادي"
إضافة كلمة عبادي، الياء تسمى ياء النسب، عبادي.
عبادي المنسوبون إلى الله، فإنه لا يدعو الله تعالى بيقين إلا العباد العبّاد، الذي يطيل في السجود، وينطبق عليه قوله تعالى: " وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩ (109)".
وكلمة عبادي في القرآن كلمة نادرة، لا تأتي إلا في سياقات الندرة، الأمور التي لا يفعلها إلا القلة، مثل قوله تعالى: "وقليل من عبادي الشكور" لأن الذين يشكرون في الدنيا قليلون.
"ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)".
كلمة عبادي، "وإذا سألك عبادي"، لن يسألك عن حال الدعاء وحال العبادة إلا عبادي، الذين يحبونني، ويخشونني، ويتضرعون إلي، فإذا سألوني فتحت لهم أبواب السماء.
ربما قبل أن يدعو أحدهم بالدعاء يستجيب الله تعالى له، لأن الله أقرب إليه من نفسه.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16).
"عني" يعني: عن سرعة إجابتي.
عن مواضع الإجابة، عن كيفية الإجابة، وعن أوقات القبول، ومتى يدعو الصائمون ربهم.
لن يكتمل صيامك إلا بالدعاء، ولن يكتمل صيامك إلا بالصلاة، والصلاة في اللغة العربية معناها الدعاء.
فمن لم يدعُ الله تعالى وهو صائم فلا صيام له.
ولم تات هذه الآية عبثا، او صدفة، أو خبط عشواء، ولكنها مقصودة أن كل صائم إذا لم يدعُ ويخبت ويتبتل بين يدي الله تعالى فليس من عبادي.
لكي يكون من عبادي تتحقق فيه مجموعة المعاني التي ذكرتها الآن.
أن يكون في زمرة من يقومون الليل، أن يكون واحدا ممن قال الله عنهم: "واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا".
أجيب دعوة الداعي إذا دعان.
تلاحظ أن كلمة "إذا" جاءت مرتين، الشرط هنا معناه أن الإنسان لن يتبدل حاله إلى الأحسن إلا إلا دعى.
اسمك الداعي، اسمك العامل، "فنعم أجر العاملين"، وغير هذا فلا صلاة لك، ولا إيمان لك.
"إذا" المفاتيح عندك أنت.
يقول عمر رضي الله عنه: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء"
المفاتيح معك أنت، إذا أردت أن تفتح القفل فلا بد أن يكون معك مفتاح.
فإذا دعوت كان المفتاح معك أنت.
"إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء"
يعني: أنا على يقين أني إذا دعوت الله تعالى أنه سيستجيب لي.
"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"
إذا دعوت فإن الإجابة حادثة لا محالة.
الاستجابة والإيمان.
"فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي"، ربما كان السياق: فليؤمنوا أولا، وبعد أن يؤمنوا يستجيبوا، لأن الإيمان هو الركيزة الأساسية، الدينامو، المحرك الذي يحرك الإنسان في الحياة.
يستجيبوا لي لكثرة الدعاء، فإن كثرة الدعاء هي اليقين، والذي لا يدعو ليس عنده إيمان.
فليستجيبوا أولا بالدعاء، فإذا ما دعى زاد إيمانه، وإذا لم يدعُ نقص يمانه.
"فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)"، لعل صيامهم يكون مقبولًا، ولن يكون الصيام مقبولا إلا إذا خصَّص الصائم وقتًا للدعاء.
دعاء الصائمين.
الصائم لا بد أن يكون له حال مع الله، إذا أتى عليك رمضان ولم يتغير منك شيء في العادات والسلوكيات والأخلاقيات فلست صائما.
إذا لم أرَ المصحف معك طوال اليوم، والمسبحة معك طوال اليوم، والسواك في جيبك فقد خالفت سنة رسول الله.
"رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش".
لا بد أن الصيام يعمل ثورة عندك، يغير فيك كل شيء.
فإذا ما رأيتك في رمضان رأيت في وجهك أنوار الصيام.
الخطبة الأخرى
الحمد لله رب العالمين، سبحان من له الجلال، وله الكمال، وله العظمة والكبرياء، سبحان من فرض الصيام علينا، نجاة لنا، وهداية لنا، وصلاحا لنا، كما قال الملك: "لعلكم تتقون".
الصيام لا بد أن يعليك، لا بد أن يغير ما فيك.
رمضان لا بد أن يشحنك.
لا بد أن يكون رمضان ثورة في داخلك.
كنت وأنا صغير من أول يوم في رمضان أضع لنفسي خارطة، حتى أخرج بمليار حسنة.
لا بد أن أراك في يومك صوتك مبحوحا لأنك طوال الليل تقرأ القرآن.
دعاء الصائمين
يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين، يا واهب السجايا، يا رازق البرايا يا كريم العفو والعطف، والحنان على عبادك الصاحين، " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ".
اجعلنا في رمضان في طاعتك، صابرين على بلائك، اجعل رمضان ثورة في حياتنا، تغييرا لعاداتنا، اجعل رمضان فرجا علينا يا الله، أذقنا في رمضان حلاوة الإيمان التي ما ذقناها العام كله، اجعل رمضان روضة من رياض الجنة.
ارزقنا فيه الدعاء الصالح "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)".
اجعلنا صائمين حقا، اجعلنا مؤمنين حقا، اجعلنا مغسولين حقا، اشحن بطارياتنا في رمضان
حبب صلاة التراويح إلينا، وارزقنا الصبر على القرآن وعلى التسبيح .
واجعل ألسنتنا معلقة بذكرك، لا تعذب ألسنة تقبل عليك، ارحمنا يا أرحم الراحمين، أنت لها ولكل عظيمة ففرجها ببسم الله الرحمن الرحيم، وبلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
"سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)".
"رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)".