ثبات القلوب على الطاعة من أعظم النعم
من أعظم النعم أن يظل
قلبك يرتع في رياض الطاعة ويتنقل بين بساتين الهدى يسكنه حب الله وحب طاعته وحب
رسوله صلى الله عليه وسلم، فكم من قلوب غافلة عن نعيم الله، فأن يثبتك الله على
طاعته ويختار قلبك قريبًا في سماء الأنس به فاعلم أنك على الله عزيز، واعلم أن الله
اختار لك الخير في الدنيا والآخرة.
إن قلوب العباد بين
أصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف شاء، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله
عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن قلوب بني آدم
كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف
القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) رواه مسلم.
وهذه أمُّ سلمة رضي
الله عنها تحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: (اللهم
مقلبَ القلوب، ثبت قلبي على دينك)، قالت: قلت: يا رسول الله، وإنَّ القلوب
لتتقلب؟! قال: (نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا إن قلبه بين إصبعين من
أصابع الله، فإن شاء الله عز وجل أقامه، وإن شاء الله أزاغه) أخرجه أحمد في مسنده
الترمذي في جامعه بإسناد صحيح.
وهذا أنس بن مالك رضي
الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب،
ثبت قلبي على دينك)، قال: فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، هل تخاف
علينا؟ قال: (نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلّبها كيف يشاء) أخرجه
الترمذي.
ليس بنا غنى عن تثبيته
طرفة عين، فإن لم يثبتنا الله وإلا زالت سماء إيماننا وأرضُه عن مكانها وقد قال
مخاطبًا خير خلقه وأكرمهم عليه: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ
تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74] وقال - تعالى-: {إِذْ يُوحِي
رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } [الأنفال:
12] وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قوله: (لا ومصرف القلوب) كما روى
ابن ماجه بسند جيد مما يؤكد أهمية استشعار هذا الأمر واستحضاره.
وقال عز وجل:
{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} [إبراهيم: 27] والإيمان الذي وعد أهله وأصحابه
بالتثبيت هو الذي يرسخ في القلب وينطق به اللسان وتصدقه الجوارح والأركان، فليس
الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالالتزام الصادق
في الظاهر والباطن والمنشط والمكره هو أعظم أسباب التثبيت على الصالحات.
قال الله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ
تَثْبِيتًا} [النساء: 66]، فالمثابرة
على الطاعة المداوم عليها المبتغى وجه الله بها موعود عليها بالخير والتثبيت من
الله مقلب القلوب ومصرفها.
الله هو الذي يثبتك
ويهديك، فألح على الله -تعالى- بالسؤال أن يربط على قلبك، ويثبتك على دينك فالقلوب
ضعيفة والشبهات خطافة والشيطان قاعد لك بالمرصاد ولك فيمن تقدمك من المؤمنين أسوة
حسنة فإن من دعائهم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ
لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وما ذكره الله تعالى عنهم
{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى
الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250]، وقد كان
أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك). أخرجه
الترمذي. نسأل الله العلي العظيم أن يثبت قلوبنا على طاعته، وألا يحرمنا من جنة
قربه.