زرع النبي صلى الله عليه وسلم التسامح مع الكفار

ولعلّ هذا الكلام الذي أقوله يكون جديدًا على أولئك الملاحدة؛ لأنهم لا يعرفونه، وهي قصة تاريخية مُزَلْزِلَةٌ بصراحة، وعلى الرُّغم من أنَّ الملاحدة كان حكمهم القتل الفوري على أولئك المشركين؛ لأنهم كانوا مسلحين هجموا على مسالمين نائمين، وهذا يدل على الغدر الشديد من المشركين على المسلمين، يقول تعالى:﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾ [آل عمران:160]، وهكذا فقد أمسك الصحابة بأولئك المشركين الغادرين ينتظرون حكم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حكم الرسول بالعفو التام لهم، والسؤال الآن: ما تأثير هذا العفو؟ ويجب أن تعلموا أن تأثير هذا العفو قد أَشْعَرَ أهلَ قُريشٍ أنهم صغار بجوار عظمة رجل عظيم اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وقد أَشْعَرهم هذا العفو بأنهم قلة لا تفهم ولا تعي، وهكذا زرع النبي صلى الله عليه وسلم التسامح مع من قاتلوه، وأرادوا قتل دينه، وأرادوا إيذاءه فكان النبي صلى الله عليه وسلم صفيا نقيا من ناحية أعدائه، ومن ناحية إخوانه، ومن ناحية أمته.

موقف اليهود والنصارى الفاتحين من المسلمين

وأنا لن أقدم آيات قرآنية تحضّ على التسامح؛ فهي معلومة لكل الناس وموجودة في القرآن بكثرة، ولكنني سأتوغل في التاريخ، والتاريخ لا خلاف عليه.

أحبابي الكرام، هل تدرون ما الذي فعله اليهود الفاتحون كُلَّما دخلوا قرية أو مدينة؟ سأخبركم أحبابي الكرام، إن اليهود كانوا يقتلون كُلَّ من في هذه القرية، وهذه حقائق تاريخية معلومة، كما أنهم يَسْبُون نِسائهم، ويأخذون أموالهم ويحولونهم إلى عبيدٍ بعد أن كانوا سادة.

أحبابي الكرام، هل تدرون ماذا فعل صلاح الدين الأيوبي عندما دخل بيت المقدس بعد مائتي سنة، وأخذها من أيدي الصليبيين، وما الذي فعله الصليبيون – كذلك - عندما دخلوا بيت المقدس؟

سأخبركم أحبابي الكرام: إن الصليبيين عندما دخلوا بيت المقدس قبل مائتي سنة من دخول صلاح الدين الأيوبي قاموا بقتل الناس لدرجة أنهم في يوم واحد قاموا بقتل خمسين ألفا، ولم يفرقوا بين طفل أو شاب، أو رجل كهل، أو امرأة مسنة؛ فقاموا بقتل الكل، وحولوا مدينة القدس إلى أنهار من الدماء، حتى قال ابن الأثير: إن الناس كانوا يمشون في أمطار من الدماء، وبحور من الدماء.

فإذا كان الصليبيون قاموا بقتل خمسين ألفا من سكان بيت المقدس عندما دخلوها، فكم عدد من قتل صلاح الدين الأيوبي عندما دخل بيت المقدس؟!

ستتعجبون من الإجابة يا أحبابي الكرام، إن صلاح الدين لم يقتل أحدا وقت دخوله بيت المقدس، ولم يفعل مثلما فعل الصليبيون ومثلما فعل اليهود، وهذه حقيقة تاريخية.