انتقام الله من أعدائه
منتهى الراحة، منتهى اليقين بالله، كتب عليكم القتال، وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، خير لك في علمك أم في علم الله؟ في علم الله، الإنسان تجري عليه حادثة، وعندما يموت يجد أنه في اليوم الذي جرت فيه هذه الحادثة كان في علم الله تعالى أنه لو لم تجر هذه الحادثة لكان قد وقعت مصائب كبيرة لا يعلمها إلا الله، فأراد الله أن يحجبك، أن يمنعك، فأجرى عليك الحادثة.. الطفل الصغير يموت، الشاب قد يكون "عريسًا" ويموت، المرأة تكون حاملًا في أول طفل لها وتموت، الناس ينظرون إلى هذا على أنه شر، يقول لك: لأن الله تعالى منتقم، لا، الله ينتقم من أعدائه، وليس من أحبابه، والله يريد أن يتوب عليكم، كما في قوله تعالى {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (النساء:26)، يريد الله تعالى بهذه التشريعات، أن يوضح لكم معالم دينه القويم، وشرعه الحكيم، ويدلكم على طرق الانبياء والصالحين من قبلكم في الحلال والحرام، ويتوب عليكم بالرجوع بكم إلى الطاعات، وهو سبحانه عليم بما يصلح شأن عباده، حكيم فيما شرعه لكم.
الله سبحانه وتعالى يريد أن يتوب عليكم، فرتب لكم أسباب التوبة، فقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة:216).
لقد دخل الإسلام إلى أرض الأندلس، وظل سائدًا هناك ثمانية قرون، فارتفع ورفع الناس في أوروبا كلها، دخل إلى فرنسا ومنها انطلق إلى جميع بلاد أوروبا، ثم خرج الإسلام من الأندلس، والمآذن تحولت إلى كنائس، ماذا حدث؟ لماذا يا رب؟ هل هذا انتقام من هذه الأمة؟ لا، ليس كذلك، ولكن الذين فتح الله تعالى بهم الأندلس كانوا رجالًا من المؤمنين {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب:23).
هؤلاء أوفوا بعهودهم مع الله تعالى، وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس، فمنهم من وفى بنذره، فاستشهد في سبيل الله، أو مات على الصدق والوفاء، ومنهم من ينتظر إحدى الحسنيين، النصر، أو الشهادة، وما غيروا عهد الله، ولا نقضوه ولا بدلوه، كما غير المنافقون، جعلوا الله تعالى غايتهم لا ينشغلون بالدنيا، ولا بالقصور، ولا بالجمال، ولا بالطبيعة، فعندما انشغل الناس بالقصور، وانشغل الناس بالنساء، ماذا حدث؟ {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (الرعد:11).
لله تعالى ملائكة يتعاقبون على الإنسان من بين يديه ومن خلفه، يحفظونه بأمر الله، ويحصون ما يصدر عنه من خير أو شر، إن الله سبحانه وتعالى لا يغير نعمة أنعمها على قوم إلا إذا غيروا ما أمرهم به فعصوه، وإذا أراد الله بجماعة سوءًا فلا مفر منه، وليس لهم من دون الله من والٍ يتولى أمورهم، فيجلب لهم المحبوب، ويدفع عنهم المكروه، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، بدلًا من أن يأتي أحمد المسلم في الأندلس، ويضع يده في يد محمد المسلم، فإن أحمد كان يضع يده في يد بطرس {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (الرعد:11)، لكن هناك مبشرات.. كانت عندنا خلافة إسلامية في تركيا تكالب الأعداء على إسقاطها، ماذا سيحدث يا رب؟ ننتظر ماذا؟ ننتظر الوعد من الله، كما في قوله تعالى {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55).
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الأعمال الصالحة بأن يورثهم أرض المشركين، ويجعلهم خلفاء فيها، مثلما فعل مع أسلافهم من المؤمنين بالله ورسله، وأن يجعل دينهم الذي ارتضاه لهم، وهو الإسلام، دينًا عزيزًا مكينًا، وأن يبدل حالهم من الخوف إلى الأمن، إذا عبدوا الله وحده، واستقاموا على طاعته، ولم يشركوا معه شيئًا، ومن كفر بعد ذلك الاستخلاف والأمن والتمكين والسلطة التامة، وجحد نعم الله، فأولئك هم الخارجون عن طاعة الله تعالى.
لقد وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخلافة الإسلامية تعود مرة أخرى، وأن الأندلس تعود مسلمة.. تعود مسلمة، هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وضع يده على رأس أبي حوالة الأسدي، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوق البشرى لهذه الأمة اقترب مني يا أبا حوالة، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسه، فقال له: "لن تقوم الساعة حتى تعود الخلافة الإسلامية إلى أرض بيت المقدس، والساعة أقرب إليك من يدي هذه إلى رأسك"، أنت واثق في يدي الآن على رأسك؟ فقال: نعم يا رسول الله، إذًا لابد أن تثق في أن الخلافة الإسلامية تعود مرة ثانية، ولكنها تعود كإحدى علامات الساعة، هذا هو الإيمان بالقدر، لا تقل هلك الناس، لا تقل ضاعت الأمة، لا تقل ضاع الإسلام، لا تقل لم يعد هناك خير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال هلك الناس فهو أهلكهم، يعنى هو أشدهم هلاكًا {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (إبراهيم:12)، وكيف لا نعتمد على الله، وهو الذي أرشدنا إلى طريق النجاة من عذابه باتباع أحكام دينه؟ ولنصبرن على إيذائكم لنا بالكلام السيئ وغيره، وعلى الله وحده يجب أن يعتمد المؤمنون في نصرهم، وهزيمة أعدائهم.