المجيب

المجيب
هو اسم من الأسماء الحسنى، ومعناه أنه ينعم قبل النداء، ويتفضل قبل الدعاء، يسمع دعوة الداع إذا دعاه، فيعجل له في الدنيا ما سأل، أو يدخرها له في الآخرة، وهو الذي يقابل مسألة السائلين بالإسعاف ودعاء الداعين بالإجابة، وضرورة المضطرين بالكفاية .
واعلم أن الله – تعالى – لا يخيب دعاء داع، ولا يشغله عنه شيء، بل هو سميع الدعاء، وأنه لا يضيع لديه، وقد روى الإمام أحمد عن سلمان الفارسي – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ».
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ. وَلَا إِثْمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مِثْلَهَا ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ تَعَالَى أَكْثَرُ»( ).
قال – تعالى -: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [ النمل: 62].
ومنها قوله – تعالى -: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [ البقرة: 186].

ويختص هذا الاسم بعدة خواص:
الأولى: أن المجيب هو الذي يجيب دعوة الداعين، ويكشف ضرورة الطالبين.
الثانية: أن المجيب هو الذي يقابل مسألة السائلين بالإسعاف ودعاء الداعين بالإجابة، وضرورة المضطرين بالكفاية، بل ينعم قبل النداء، ويتفضل قبل الدعاء، وليس ذلك إلا الله تعالى، فإنه يعلم حاجة المحتاجين قبل سؤالهم، وقد علمها في الأزل .
انعكاسات وتجليات الاسم على حياة المسلم:
اعلم أخي المسلم أنه إذا ذكرت اسم الله – تعالى – المجيب، وآمنت به حق الإيمان، فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: يدفع المسلم بأن يستجيب لأوامر ربه، فلا يعارضها، ويقبلها في جميع أحوالها، ولنأخذ مثالًا على ذلك في إجابة أوامر الله، وتعاليم دينه في تربية الأبناء، والأدب مع الوالدين والأخوة ؛ لأن الأساس في التعامل معها هو السمع والطاعة، وذلك فيما يلي:
1- تربية الأبناء:
- تعهد الأولاد بالتربية الصالحة، وتعليمهم الدين، والقرآن والصلاة:
فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يُحَدِّثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] الآيَةَ.
- أن يجعل الأبوان من نفسيهما قدوة طيبة لأولادهم في الاستقامة، وحسن الخلق، والتحلي بالصفات الحميدة، والتقوى ومكارم الأخلاق، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ».
- تعليمهم الحلال والحرام، حتى يرتبط الولد من صغره بالشريعة الإسلامية الغراء.
- غرس البر والعطف والحنان في نفوسهم، عن طريق حسن معاملتهم .
- توفير ما يحتاجون إليه من متطلبات الطعام والملبس ولوازم الحياة الضرورية، وعدم البخل عليهم قال – تعالى -: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [ الإسراء: 31 ].
- عدم تفضيل بعضهم على بعض؛ لأن ذلك يولد بينهم الكراهية والعداوة والبغضاء:
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَاوُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، وَلَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا أَحَدًا لَآثَرْتُ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ».
- أن تصدق أفعال الوالدين أقوالهم، فلا يجوز لأحد الوالدين أن يأمر أولاده بشيء، ويأتي هو بنقيضه، وذلك مثل ما نراه اليوم من بعض الآباء الذين ينهون أولادهم عن التدخين (مثلًا) وهم يدخنون، أو يأمر أولاده بالتعاون فيما بينهم، بينما هو قاطع لرحمه، وهم يعلمون ذلك، قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].
- عدم النطق بألفاظ لا تليق أمام الأولاد .
2- رعاية وطاعة الوالدين:
من آداب الإسلام أنه أمر الأبناء أن يردوا الجميل إلى والديهم في كرم، وفي إحسان دون تأفف أو تبرم، وأن يحسنوا إليهما في حالة الضعف والكبر، كما أحسنا إليهم في حالة العجز والصغر، وقد جعل الإسلام هذا الحق مقدسًا، بل لقد قرنه بعبادة الله سبحانه، قال – تعالى -: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [ النساء: 36].
وفيما يلي بعض من الآداب الإسلامية التي تجب على الأبناء تجاه الوالدين:
- طاعتهما في غير معصية الله تعالى، ومن الطاعة ألا يرفض لهما طلبًا، ولا تخالف لهما رغبة، ولا تضجر منهما، قال – تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [ الإسراء: 23].
- التواضع لهما، حتى ولو وصل الأمر إلى حد التذلل، والدعاء لهما بالخير، قال –تعالى -: { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [ الإسراء: 24 ] .
- تعظيم قدرهما وإكرام شأنهما، واحترامهما عند ذهابهما أو إيابهما، وتلبية ندائهما، والمسارعة في قضاء كل ما يحتاجون إليه.
- تقديم ما يحتاجون إليه من عون ومساعدة، سواء مادية أو معنوية، وإدخال السرور عليهم، بتقديم الهدايا لهم، وفعل كل أمر يحبونه ويفرحون به.
- تفقد مواضع راحتهم، والبعد عما يسبب لهم الإزعاج، والاستئذان قبل الدخول عليهما.
- المحافظة على سمعتهم وكرامتهم، وعدم تعريضهم للسب ولا للمهانة :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ».
- استشارتهم في كل الأمور، والاستفادة بآرائهم وخبراتهم وتجاربهم.
- إنفاذ عهدهما ووصيتهما في غير معصية الله تعالى، والتودد إلى أصدقائهما من بعدهما، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أهْلَ وُدِّ أبِيهِ».
- برهما بعد موتهما :
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: «نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا».
3- التعامل مع الأخوة :
إخوة الإنسان هم أحب الناس إلى قلبه وألصقهم بنفسه، وهم الذين قضى معهم صدر حياته، أيام الطفولة والبراءة، فهم ثمرات الوالدين، وهم رحم الإنسان وعصب حياته، يقوى بقوتهم، ويضعف بضعفهم، لذلك أمرنا الإسلام بصلتهم والوفاء إليهم، ونهى عن قطيعتهم، أو الإساءة إليهم، ومن الآداب التي حث عليها في معاملة الإخوة والأخوات، ما يلي:
- احترام الكبير والعطف على الصغير :
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا».
- معاملتهم بالرفق واللين والحب والإحسان :
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُّـحِبَّ لأخِيهِ مَا يُّـحِبُّ لِنَفْسِهِ» ( ).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أيْنَ الْـمُتَـحَابُّونَ بِجَلالِي، الْيَوْمَ أظِلُّـهُـمْ فِي ظِلِّي، يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلِّي».
- عدم الإساءة إليهم سواء بالفعل أو الكلام غير المؤدب، أو المزاح غير اللائق.
- البعد عن الخصومات أو الخلافات أو المجادلات معهم حتى لا نفقدهم، ونأثم بذلك.
- عدم التدخل في أمورهم الخاصة، وعدم استخدام حوائجهم الشخصية دون إذن منهم.
- الصلح بينهم إذا تخاصموا، وتجنب التقاطع والتدابر والتحاسد، وسوء الظن بهم.
- التغاضي عن هفواتهم وزلاتهم، وعدم معاتبتهم على الصغيرة والكبيرة.
- الوقوف بجانبهم في أوقات المحن والشدائد، والانتصار لهم:
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ»( ).
- مكافأتهم على ما يقدمونه من معروف، وشكرهم عليه.
- الدعاء لهم بظهر الغيب ؛ لأن هذا من علامات الوفاء وصدق الأخوة .
الثانية: أن يتمسك بخلق التعاون ؛ لأنها نتيجة حتمية لاستجابة المسلم للبناء، ورفع الظلم لأن الإنسان بحكم طبيعته لا بد له من العيش داخل مجتمع، وهذا الأمر يفرض عليه أنواعًا من التعاون التي تعبر عن ولائه لأبناء هذا المجتمع الذي يعيش فيه، والإسلام قد دعا أتباعه إلى التعاون فيما بينهم في كل المجالات، بل إنه جعل هذا التعاون من الصدقات التي يثاب عليها فاعلها، حتى من يجد عظمًا في الطريق فيرفعه كان له بذلك صدقة، فالمجتمع الذي ينتشر فيه التعاون لا يضيع فيه أحد، ولا يشتكي فيه مخلوق ؛ لأن كل الناس فيه سوف تقضى حوائجهم، ويكون هذا المجتمع كما وصفه الرسول – صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً – وشبك بين أصابعه".
والذي يمنع العون عن إخوانه المسلمين قد يتخلى عنه ربه، ولذلك كان من الذين لا يكلمهم الله تعالى، ولا ينظر إليهم كما جاء في الحديث الكريم :
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ، أَوْ فَضْلَ كَلَئِهِ، مَنْعَهُ اللهُ فَضْلَهُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وجعل الله من رحمته بمن يتولى أمرًا من أمور المسلمين، أن يرزقه من يعينه على أمره، ويساعده على القيام بواجبه، وهذا الأمر يعتبر واجبًا من واجبات البطانة، قل من يقوم به في هذا الزمان، ففي الحديث أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ، إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ، وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ».
ولعل من أبرز فوائد التعاون في المجتمع رفع الظلم عن المظلومين، ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي، قَالَ: «ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ» قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ؟ قَالَ: «فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: «فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ» قَالَ: فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي؟ قَالَ: «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ، أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ».
فالناس إذا لم يتعاونوا فيما بينهم كثرت الخصومات، وعظمت الثأرات، وإذا كان الله عز وجل تكفل بعون أصناف من عباده ، فمن الواجب علينا أن نكون سببًا في هذا العون، وستارًا لقدرة الله تعالى في قضاء حوائج الناس.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ ".
وهكذا علينا معاونة المجاهد على التحرر من طغيان الطغاة والظالمين، ومعاونة الشباب على التحرر من رق الشهوة ومعاونة المسلم على التحرر من كل صور الذل والاستعباد، والرسول – صلى الله عليه وسلم – يحثنا على معاونة الخدم والرقيق، فيما يقومون به من أمر الخدمة، فيقول: «إِخْوَانُكُمْ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، أَوْ فَأَصْلِحُوا إِلَيْهِمْ، وَاسْتَعِينُوهُمْ عَلَى مَا غَلَبَكُمْ، وَأَعِينُوهُمْ عَلَى مَا غَلَبَهُمْ».
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم كل صور التعاون التي تخطر ببال المسلم في الحديث الذي يقول: «مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
وأخيرًا نستطيع أن نقول: إن أصحاب الأهداف العظيمة لا يصلون إلى أهدافهم إلا بتعاون المخلص مع الآخرين، فعلينا أن نتخلق بخلق الإسلام، ونتعاون للخير على الخير، ولنخرج أنفسنا من دائرة الاهتمامات الفردية والأنانية، ولنعش مشاعر الأمة الواحدة ذات الجسد الواحد.


تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض