العبادة بأسماء الله وصفاته

الرئيسية المقالات مقالات دينية

العبادة بأسماء الله وصفاته

العبادة بأسماء الله وصفاته :
معلوم أنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا لذة ولا سرور، ولا أمان، ولا طمأنينة للبشرية إلا بأن تعرف ربها، ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليها، ويدنيها من مرضاته .
ومن المحال أن تستقل العقول البشرية بمعرفة ذلك، وإدراكه على التفصيل؛ فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين رسالته، داعين، ولمن أجابهم مبشرين، ومن خالفهم منذرين، وجعل مفتاح دعوتهم وأساسها معرفة المعبود – سبحانه – بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة الإلهية جميعها، وإن الخوف والرجاء والمحبة والطاعة والعبودية، تابعة لمعرفة المعبود .
ولما كان مفتاح الدعوة الإلهية ورسالته معرفة الله – تعالى – قال أفضل الداعين إلى عبادة الله – عز وجل – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ بن جبل، وقد أرسله إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب»
فأساس دعوة الرسول – صلوات الله وسلامه عليهم – إلى عبادة الله – عز وجل – هو معرفة الله – سبحانه – بأسمائه وصفاته وأفعاله .
وأسماء الله الحسنى وصفاته العلى لها من العظمة ما يرتبط بالعبودية الحقة، حيث إن لكل صفة عبودية خاصة، فعلم العبد بتفرد الله – عز وجل – بالضر، والنفع، والعطاء، والمنع، والخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، يجعله عابدًا لربه متوكلًا عليه باطنًا وظاهرًا .
كما أن علم العبد بسمع الله – تعالى – وبصره وعلمه بأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يجعله عابدًا لله يحفظ لسانه، وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي ربه، ويجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، مما يدفعه إلى اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه، ورحمته، توجب له سعة الرجاء وتمنحه من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه .
وكذلك علم العبد بكمال الله وجماله وصفاته العلى يوجب له محبة خاصة بمنزلة أنواع العبودية، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات، وارتبطت بها ارتباط الخلق بها، فخلقه – سبحانه وتعالى – وأمره هو موجب أسمائه وصفاته في العالم ؛ لأنه لا يتزين من عباده بطاعتهم ولا تشينه معصيتهم، حيث قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح الذي يرويه عن رب العزة – تبارك وتعالى -: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا؛ فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني؛ فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» .
فتضمن ذلك أن ما يفعله – سبحانه وتعالى – بهم من غفران زلاتهم وذنوبهم وإجابة دعواتهم، وتفريج كرباتهم ليس لجلب منفعة منهم، ولا لدفع مضرة يتوقعها منهم، كما هو عادة المخلوق الذي ينفع غيره؛ ليكافئه بنفع مثله، أو ليدفع عنه ضررًا .
فالمولى – عز وجل – لم يحسن إلى عباده ليكافئوه عنه ضررًا، فقال: «لن تبلغوا ضري؛ فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني » إني لست إذا هديت مستهديكم، وأطعمت مستطعمكم، وكسوت مستكسيكم، وأرويت مستسقيكم، وكفيت مستكفيكم، وغفرت لمستغفركم، بالذي أطلب منكم أن تنفعوني، أو تدفعوا عني ضررًا، فإنكم لن تبلغوا ذلك، وأنا الغني الحميد .
كيف والخلق عاجزون عما يقدرون عليه من الأفعال إلا بإقداره، وتيسيره وخلقه ؟ فكيف بما لا يقدرون عليه، فكيف يبلغون نفع الغني الصمد الذي يمتنع من خلقه أن يستجلب من غيره نفعًا، أو يستدفع منه ضرًّا، بل ذلك مستحيل في حقه .
ثم ذكر بعد هذا قوله: يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا .
فبين الله – سبحانه وتعالى – أن ما أمرهم به من الطاعات، وما نهاهم عنه من سيئات لا يتضمن استجلاب نفعهم، ولا استدفاع ضررهم كأمر السيد عبده، والوالد ولده، والإمام رعيته، بما ينفع الآمر والمأمور، ونهيهم عما لا يضر الناهي والمنهي .
فالمولى – عز وجل – هو المنزه عن نفع وضر عباده به في إحسانه إليهم بما يفعله بهم، وبما يأمرهم به، ولهذا لما ذكر الأصلين بعد هذا، وأن تقواهم، وفجورهم الذي هو طاعتهم ومعصيتهم لا يزيد في ملكه شيئًا، ولا ينقصه، وأن نسبة ما يسألونه كلهم إياه فيعطيهم إلى ما عنده كلا نسبة، فتضمن ذلك أنه لم يأمرهم، ولم يحسن إليهم بإجابة الدعوات،وغفران الزلات، وتفريج الكربات، لاستجلاب منفعة، ولا لاستدفاع مضرة، وأنهم لو أطاعوه كلهم لم يزيدوا في ملكه شيئًا، ولو عصوه كلهم لم ينقصوا من ملكه شيئًا، وأنه الغني الحميد .
ومن كان هكذا، فإنه لا يتزين بطاعة عباده، ولا تشينه معاصيهم، ولكن له من الحكم البوالغ في تكليف عباده وأمرهم ونهيهم ما يقتضيه ملكه التام وحمده، وحكمته، ولو لم يكن من ذلك إلا أنه يستوجب من عباده شكر نعمه التي لا تحصى بحسب قواهم، وطاقتهم لا بحسب ما ينبغي له فإنه أعظم، وأجل من أن يقدر خلقه عليه .
ومن كمال النعمة الإلهية أن المولى – عز وجل – يرضى من عباده بما تسمح به طبائعهم، وقواهم، فلا شيء أحسن في العقول والفطرة من شكر المنعم، ولا أنفع للعبد من هذا .
ومما سبق فإنه يظهر مسلكان من حسن التكليف والعبادة والأمر والنهي:
فأولهما: يرتبط بذات الله وصفاته، وكماله، وأن أسماءه وصفاته تقتضي من عباده غاية الحب والذل والطاعة له .
آخرهما: يرتبط بأحسان الله وإنعامه، ولا سيما مع غناه، وأنه إنما يحسن إليهم رحمة منه، وجودًا وكرمًا، لا لمعاوضة، ولا لاستجلاب منفعة، ولا لدفع مضرة، وأي المسلكين سلكه العبد، أوقفه على محبته، وبذل الجهد في مرضاته، واتباع الطاعات، والالتزام بها .
وهذا عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه، وصفاته، وفهم معانيها، بل حقيقة الإيمان والعبادة لله – عز وجل – تقتضي من العبد أن يعرف الرب الذي يعبده، ويؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه، وصفاته حتى يبلغ درجة اليقين .
ومن تمام التعبد بأسماء الله – تعالى – وصفاته الالتزام بأصلين عظيمين هما:
الأول: التقرب إلى الله والدعاء بأسمائه الحسنى:
قال – تعالى -: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180] .
ويتطلب ذلك أمرين:
أولهما: تعظيمها وإجلالها، وتحقيق ما تقتضيه من فعل المأمورات وترك المحظورات.
آخرهما: عدم الاتصاف بالصفات التي يكرهها المولى – عز وجل – فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت؛ لأن اتصافه بها ظلم، إذ لا تليق به هذه الصفات، ولا تحسن منه لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية، ومفارقته لمنصبه، ومرتبته، وتعديه طوره وحده، وهذا خلاف الاتصاف بصفات العلم، والعدل، والرحمة، والإحسان، والصبر، والشكر، فإنها لا تنافي العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته، إذ المتصف بها من العبيد لم يتعد طوره، ولم يخرج بها من دائرة العبودية .
الآخر: الالتزام بالعمل بأسماء الله الحسنى، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ للهِ تسْعَةً وَتسْعينَ اسْما كُلُّهُنَّ في القُرآنِ، مَنْ أحْصَاهنّ دَخَل الجَنَّة».
قال الحافظ ابن حجر أثناء شرحه لهذا الحديث: «معنى أحصاها عمل بها، فإذا قال: الحكيم مثلا سلم جميع أوامره؛ لأن جميعها على مقتضى الحكمة، وإذا قال: القدوس استحضر كونه منزهًا عن جميع النقائص، وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل وقال ابن بطال: طريق العمل بها أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم فإن الله يحب أن يرى حلاها على عبده فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها».
والتعبد بأسماء الله وصفاته أمر واجب على كل مسلم حيث إن العبادة لا تصح إلا بها، وهي الوعاء الأكبر الذي يحوي جميع أمور العبادة من إيمان، وتقوى، وعمل صالح، ومراقبة لله عز وجل، فلا تجد أمرًا من أمور العبادة إلا وهو مرتبط بأسماء الله وصفاته العلى، وأن أكمل الناس عبودية: المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه الحليم عن عبودية اسمه الرحيم، أو يحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع، أو عبودية اسمه الرحيم والعفو والغفور عن اسمه المنتقم، ونحو ذلك .
وهو – سبحانه وتعالى – يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا من عبوديتها، وهو سبحانه وتعالى يحب موجب أسمائه وصفاته، قال الله – تعالى -: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] .
أسماء الله كلها حسنى، وكلها تدل على الكمال المطلق، والحمد المطلق، وكلها مشتقة من أوصافها، فالوصف فيها لا ينافي العلمية، والعلمية لا تنافي الوصف، ودلالتها ثلاثة أنواع:
الأول: دلالة مطابقة: إذا فسرنا الاسم بجميع مدلوله .
الثاني: دلالة تضمن: إذا فسرناه ببعض مدلوله .

الثالث: دلالة التزام، إذا استدللنا على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها، فمثلًا: «الرحمن» دلالة على الرحمة والذات دلالة مطابقة، وعلى أحدهما دلالة تضمن؛ لأنها داخلة في الضمن، ودلالته على الأسماء التي لا توجد الرحمة إلا بثبوتها كالحياة والعلم والإرادة والقدرة ونحوها دلالة التزام، وهذه الأخيرة تحتاج إلى قوة فكر وتأمل، ويتفاوت فيها أهل العلم، فالطريق إلى معرفتها أنك إذا فهمت اللفظ، وما يدل عليه من المعنى، وفهمته فهمًا جيدًا، ففكر فيما يتوقف عليه، ولا يتم بدونه، وهذه القاعدة تنفعك في جميع النصوص الشرعية، فدلالتها الثلاث كلها حجة ؛ لأنها معصومة محكمة .

تصفح أيضا

المجيب

المجيب

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض