إذا ضاقت بك الأمور،
وأصبح كل أمر في بصرك عسيرا، فتذكر الله الرحيم القدير الذي يفرج الكروب، ويغفر
الذنوب. لا تدخل ليل الحزن في قلبك ما دام فجر الفرج بيد خالقك ومولاك، ولا تيأس،
فاليأس لا يليق بعبد يملأ قلبه الإيمان.
ولنا في قصص الصالحين
عبر، فقد فرج الله عنهم الكربات، وأعطاهم أعظم العطيات، لأنهم كانوا يوقنون أن
وراء كل ضائقة فرج.
عن يزيد بن هارون، قال:
غدوت إلى أصبغ بن يزيد الوراق، أريد أن أسمع منه، فوجدته شديد الغم؛ فقلت: يرحمك
الله، مم غمك؟ قال لي: إن كنت تريد أن تكتب، فاكتب وإلا فانصرف. فكتبت
وانصرفت، فلما كان اليوم الثاني، غدوت إليه؛ فوجدته قد تضاعف غمه، فسألته عن ذلك؛
فقال: إن أردت الكتاب فاكتب؛ وإلا فانصرف، فكتبت وانصرفت.
فلما كان اليوم الثالث،
رحت إليه، فوجدته طلق الوجه مسرورًا، فقلت له: أراك اليوم والحمد لله مسرورًا،
وكنت بالأمس مغموما فما الخبر؟ فقال: أما أنك لولا سؤالك في اليوم الخالي ما
أخبرتك، ولكني أعلمك أني مكثت أنا ومن عندي ثلاثًا لم نطعم طعامًا، فلما كان اليوم
خرجت إلي ابنتي الصغيرة فقالت: (يا أباه، الجوع)، فتركتها وأتيت الميضأة؛ فتوضأت
للصلاة، وصليت ركعتين، ومددت يدي لأدعو، فأنسيت ما كنت أحسنه من الدعاء، فقلت: (اللهم
إن كنت حرمتني الرزق، فلا تحرمني الدعاء، فألهمت أن قلت: اللهم خشعت الأصوات لك،
وضلت الأحلام فيك، وضاقت الأشياء دونك، وهرب كل شيء منك إليك، وتوكل كل مؤمن عليك،
فأنت الرفيع في جلالك، وأنت البهي في جمالك، وأنت العلي في قدرتك، يا من هو في
علوه دان، وفي دنوه عال، وفي سلطانه قوي، صل اللهم على محمد وعلى آل محمد، وافتح
علي منك رزقًا لا تجعل لأحد علي فيه منة، ولا لك علي في الآخرة تبعة، برحمتك يا
أرحم الراحمين).
قال: ثم انصرفت إلى
البيت، فإذا ابنتي الكبيرة قد قامت إلي، وقالت: يا أباه قد جاء الساعة عمي، وجاء
بهذه الصرة من الدراهم، وبجمال عليه دقيق، وحمال عليه كل شيء في السوق، وقال:
أقرءوا أخي السلام، وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء، فادع بهذا الدعاء تأتك حاجتك.
قال أصبغ: ولا والله ما
كان لي أخ قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير.
قال إسحاق العابد: ربما
امتحن الله العبد، بمحنة يخلصها من الهلكة، فتكون تلك المحنة، أجل نعمة.
قال: وسمعت أن من احتمل
المحنة، ورضي بتدبير الله تعالى في النكبة، وصبر على الشدة، كشف له عن منفعتها،
حتى يقف على المستور عنه من مصلحتها.
إن الشدائد – مهما
تعاظمت وامتدت- لا تدوم على أصحابها، ولا تخلد على مصابها، بل إنها أقوى ما تكون
اشتدادًا أقرب ما تكون انفراجًا، إذا أخلص أصحابها النية، وملأ الإيمان قلوبهم،
وأيقنوا أن الأمور بيد الله يصرفها كيف يشاء، وأن الأمر كله مردود إلى الله، فهو
يملك أمر الدنيا وأمر الآخرة.
الحمد لله الذي لا ينسى
من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من رجاه والحمد لله الذي من توكل عليه كفاه،
والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان
إحسانًا، وبالسيئات غفرانًا، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، والحمد لله الذي
يكشف ضرنا بعد كربنا، والحمد لله الذي هو ثقتنا حين تسوء ظنوننا بأعمالنا، والحمد
لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع حيلــنا.