الحسيب
اسم من أسماء الله – تعالى – الحسنى، ومعناه أن الله – تعالى – سيحاسب عباده
على أعمالهم، وأقوالهم، وأنه تعالى سيحاسب المؤمنين حسابًا يسيرًا، ويدخلهم الجنة،
ويحاسب الكافرين حسابًا عسيرًَا، ويدخلهم النار، فهو الذي بيده الحساب يوم القيامة،
ولا سلطان إلا سلطانه الأبدي الخالد .
والحسيب اسم من أسماء الله الحسنى، ذكر في القرآن الكريم، قال – تعالى -: {
وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6]،
وقال – تعالى -: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [ النساء: 86]، وقال – تعالى -: { وَلَا
يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [ الأحزاب: 39].
يختص هذا الاسم بعدة خواص:
الأولى: أن الحسيب هو الشريف بشرف الألوهية وكل كمال .
الثانية: أن الحسيب هو الذي يحاسب عباده على أعمالهم، يحاسب الطائعين
فيثيبهم على طاعته، ويحاسب العاصين فيجازيهم على معصيتهم، وهو حسيب كل إنسان .
الثالثة: أن الحسيب هو المحاسب الذي يحاسب الخلق يوم القيامة، والذي ينتهي
إليه كل شرف في الوجود، وإلى جنابه كل مجد يعود .
انعكاسات وتجليات الاسم على حياة المسلم:
اعلم أخي المسلم أنه إذا ذكرت اسم الله – تعالى – الحسيب، وآمنت به حق
الإيمان فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: يجعل المسلم دائمًا واقفًا على أفعاله، يزن فيها ؛ لأنه يؤمن بأن له
ربًّا سيحاسبه .
قال – تعالى - : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا
لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [ الأنعام: 62]، وقال – عز وجل -: {
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 26 ].
الثانية: يجعل المسلم دائمًا في خوف من ربه الذي سيحاسبه على أقواله وأفعاله:
قال – تعالى -: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [ البقرة: 40].
وقال – تعالى -: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12].
وقال – عز وجل: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ
ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ
خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ
مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ
لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}
[هود: 102 - 106].
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ
القِيَامَةِ رَجُلٌ، عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا
دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ وَالقُمْقُمُ».
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ، وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:
6] تَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ
ذَاتَ لَيْلَةٍ، أَوْ قَالَ يَوْمٍ فَخَرَّ فَتًى مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَوَضَعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ، فَإِذَا هُوَ
يَتَحَرَّكُ، فَقَالَ: «يَا فَتًى، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» فَقَالَهَا
فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ
بَيْنِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي
وَخَافَ وَعِيدِ}[إبراهيم: 14]
الثالثة: أن إيمان المسلم بأن الله الحسيب سيحاسبه فإنه يكون على استعداد
دائم للقائه:
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ
القِيَامَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا
وَمَالًا وَوَلَدًا، وَسَخَّرْتُ لَكَ الأَنْعَامَ وَالحَرْثَ، وَتَرَكْتُكَ
تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ مُلَاقِي يَوْمَكَ هَذَا؟ فَيَقُولُ:
لَا، فَيَقُولُ لَهُ: اليَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ".
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَبْعَثُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدًا لَا
ذَنْبَ لَهُ فَيَقُولُ اللهُ: بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ
أَجْزِيَكَ بِعَمَلِكَ، أَوْ بِنِعْمَتِي عِنْدَكَ قَالَ: رَبِّ، إِنَّكَ تَعْلَمُ
أَنِّي لَمْ أَعْصِكَ قَالَ: خُذُوا عَبْدِي بِنِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِي، فَمَا
تَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ، إِلَّا اسْتَغْرَقَهَا تِلْكَ النِّعْمَةُ فَيَقُولُ: رَبِّ
بِنِعْمَتِكَ وَرَحْمَتِكَ فَيَقُولُ: بِنِعْمَتِي وَرَحْمَتِي، وَيُؤْتَى
بِعَبْدٍ مُحْسِنٍ فِي نَفْسِهِ لَا يُرَى أَنَّ لَهُ ذَنْبًا، فَيَقُولُ لَهُ:
هَلْ كُنْتَ تَوَالِي أَوْلِيَائِي؟ قَالَ: كُنْتُ لِلنَّاسِ سَلْمًا، قَالَ:
فَهَلْ كُنْتَ تُعَادِي أَعْدَائِي؟ قَالَ: يَا رَبِّ، لَمْ يَكُنْ بَيْنِي
وَبَيْنَ أَحَدٍ شَيْئًا، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَنَالُ رَحْمَتِي
مَنْ لَا يُوَالِي أَوْلِيَائِي ويُعَادِي أَعْدَائِي ".