الاعتدال..فضيلة غائبة عن بيوتنا لا بد أن نعلم علم اليقين أن خير أرض تنبت فيها تعاليم الإسلام وأوامره ونواهيه هى أرض البيت المسلم تلك التربة الطيبة التى يتربى فيها رجال المستقبل ونساء المستقبل، فإذا بذرت فى هذه التربة بذور الصلاح أينعت بساتين الإسلام وأعجبت الزارعين وأدخلت السرور على قلب الناظرين. وإن من أهم البذور التى تشيع السعادة فى البيت المسلم نعمة الاعتدال، فلا إفراط فى أمر من أمور هذا البيت ولا تفريط فيه، فلا إثقال على كاهل الزوج بالإسراف فى النفقات وشراء الغالى والنفيس، ولا شح وبخل بما من الله به من الخيرات، وأسبغ الله من النعم، ولا تفريط فى تطبيق ما أمر الله به من الستر والعفاف والحجاب، ولا إفراط فى الغيرة على الزوجة أو الزوج من غير ريبة بحيث تتسرب الظنون إلى القلوب ويدب الشك إلى النفوس، ولا استبداد للرجل برأيه فلا يرى رأيا غير رأيه ولا يعتقد سواه، ولا تفريط فى القوامة بحيث يترك أمره إلى زوجته أو أبنائه ويتخلى عن القوامة التى أقامه الله فيها راعيًا يحاسب يوم القيامة عن رعيته. بين الإفراط والتفريط تبرز قيم الإسلام وشريعته يانعة مثمرة، فنرى أشجار الشورى وإعطاء حق الزوجة والاستقامة والعفاف والمودة والإنفاق والعطاء والمحبة والصدق فى ظل بستان بيت سعيد. جاء سلمان الفارسى لأبى الدرداء رضى الله عنهما يزوره، وقد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أم الدرداء مبتذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له فى الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار!! فجاء أبو الدرداء، فرحب به، وقرب إليه طعامًا فقال له سلمان: كُلْ. قال: إنى صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرن، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان. وقال: إن لجسدك عليك حقًا، ولربّك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، صُم وافطر، وائت أهلك، وأعط كل ذى حق حقه، فلما كان وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت، فقاما، فتوضآ ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فأتى النبى صلى الله عليه، فذكر ذلك له، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان" [رواه البخارى 4/209]. ففى هذا الحديث ينبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خير العبادة ما كان وسطًا وأن العابد الحق هو الذى لا يهمل حقوق زوجته، بل يجعل لها من وقته وحياته النصيب الذى أمر الله سبحانه وتعالى به. وأكثر من ذلك، ما يقع من إهمال كثير من النساء لزينتهن أمام أزواجهن، أصحاب الحق بالزينة وقد تمرُّ بالواحدة الأيام والليالى لم تبدُ خلالها بمظهر حسن لزوجها، وهذا ينافى الاعتدال فكما للزوجة حق على زوجها كذلك للزوج حق على زوجته أن تظهر من الكلف به والرعاية والمحبة والتزين ما يجعله يزداد منها قربًا ومحبة. وإن من خير ما تحلّت به المرأة المسلمة من الصفات مع زوجها مراعاتها لطاقته وقدرته فى النفقة، فلا إلحاح فى حالة العسر، ولا شراهة فى وقت اليسر، بل تلبس لكل حالة لَبُوسها، وترضى منه باليسير، وشر ما اتصفت به المرأة الشراهة وكثرة المطالب وهذا لا يزيدها من زوجها إلا بُعدًا، ولا من قلبه إلا بُغْضًا. من كتاب الأدعية البيوت السعيدة لفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي