(ملاحدة
يعتقدون بتناقض الخلق) - (الجزء الأول)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب
العالمين، لا عزّ إلا في طاعتك، ولا نعيم إلا في رضاك، ولا سعادة إلا في التذلل
بين يدي عظمتك، والصلاة والسلام على أسعد الأنام من نشر السلام، والوئام في جنبات
الأرض كلها، وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين.
أقدّم إليكم الملاحدة، وأفكارهم ضيوف هذه
المناظرة، كالآتي:
الملحد الأول يقول لفضيلة الدكتور: أنا لا
يشرفني أن أجلس إليك أصلا؛ فقد جئت اليوم كي أبرهن على اضمحلال أفكاركم، وعلى قلّة
علمكم بربكم الذي تزعمون.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: ولماذا تقول
ذلك؟
الملحد الأول يرد على فضيلة الدكتور قائلا:
إن قرآنكم الذي تزعمون يقول:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:4]،
وعلى الرغم أن قرآنكم يقول هذا فإنك ترى أناسا كثيرين عندهم أمراض، وعندهم تشوهات؛
فهناك الأعمى وهناك الأصم والأبكم والأعور والأعرج والأحول، أو إنسان معاق حركيا
أو متخلف عقليا أو إنسان ناقص الأطراف، أو قبيح الشكل وهذه التشوهات تناقض أن ربكم
خلق الخلق في أحسن صورة، وأحسن تقويم كما يقول كتابكم، وأنا عشت في مجتمع عربي
يكثر فيه المشوهون خلقيا، وهؤلاء كانوا بالنسبة إلينا يمثلون حالة من الشفقة حتى
قلنا: لماذا لم يرحمهم الذي خلقهم ويخلقهم في صورة حسنة؟ وإذا أراد الذي خلقهم أن
يعذبهم بنقصان أطرافهم، أو عدم استواء أعضائهم، فهل خلقهم – أصلا – لكي
يعذبهم ويعذب أهلهم.
معشر السادة الكرام إن الملحد الثاني يقول:
إذا كان الله تعالى يحرم أشياء معينة على الخلق أجمعين، مثل تحريمه للحم الخنزير،
وهو يعلم سلفا أن لحمَ الخنزير يؤذي الإنسان، وسيجلب عليه الأمراض، فلماذا خلقه
أصلا؟
الحكمة من خلق الخنزير
أحبابي الكرام، إنَّ الملحد الثالث يقول: إن
الشعوب الغربية تعيش على لحم الخنزير فترات طويلة، ولم تحدث أي مشكلات، ولكنَّ
المشكلة في أدمغتكم أنتم أيها الإسلاميون، ولأنكم تعتقدون في شيء يُسَمَّى الحلال
والحرام، وليس هناك ما يسمى الحلال والحرام إلا عند المتخلفين من أمثالكم، والملحد
الثالث يستكمل كلامه، ويقول: لماذا خلق الله ربكم الحشرات المؤذية التي يتأفف منها
الإنسان، مثل: الفئران والثعابين والحيات والأسود وغيرها من الحشرات التي يمكن أن
يُستغنى عنها وأن يستريح البشر من شرها؟.
فضيلة الدكتور يستأذن لبدء المناظرة: اسمحوا
لي -يا أحبتي يا كرام- أن أبدأ المناظرة، وأن أبدأ الحوارات العقلية مع أولئك
الملاحدة.
فضيلة الدكتور يلقي السلام على الملحد
الأول، ويقول له: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الملحد يرد على فضيلة الدكتور قائلا له: لا
تقل لي مثل هذا الكلام، فلا أحب التشدق بالسلام، والصباح فهذه ثقافة بائدة
رَوَّجْتُم لها في عقول الناس، وقد جئت إليك اليوم كي أصارعك مصارعة عقلية؛ كي
أنتصر عليك، وإني على يقين أنني على صواب، وهو أنَّ ربكم لم يكن عادلاً عندما خلق
أناسًا مشوهين، وغير أصحاء يعيشون على عذاب، ويعيش معهم غيرهم على عذاب، ويعيشون
في ضنك ويجعلون غيرهم يعيشون هم الآخرين في ضنك شديد، وهذه الحالة التي يمرون بها
بمثابة حالة تمثل عقدة نفسية عندهم، وعند أهليهم.
بكاء الفضيلة لمريض بضمور خلايا المخ
الملحد يسأل فضيلة الدكتور: هل تذكر ذات مرة
عندما تحدثت في برنامج قبل عشرين سنة أنك ذهبت لكي تزور طفلا مريضا بضمور خلايا
المخ وضمور العضلات فلما رأيته نائما على السرير في المنوفية، وقال لك أهله: إنه
على مدى عشر سنوات لم يتحرك، ويعلوه الذباب ويعلوه الغبار، ولا يعرف جوعا ولا عطشا
ولا ماء ولا شرابا ولا يشكو ولا يبكي ولا يتألم ولا يئن، فلما رأيته أنت اعتبطه
وإذا بك تنتحب انتحابًا طويلاً حتى رفعك الناس عنه، وأبعدك الناس عنه، فلماذا بكيت
عندما رأيته؟.
يا سادة يا كرام، إن الملحد لا زال يقول: إن
الله تعالى لو خلق الناس في أحسن صورة ،كما يزعم القرآن الكريم أنَّ الله تعالى
خلق الناس هكذا لكان قد خلق الناس جميعا أصحاء أسوياء؛ فلا ترى كفيفا ولا ترى
ضعيفا، ولا ترى سقيما، ولا ترى منبوذًا، ولا ترى مريضًا بمرض جلدي يتعاف منه الناس،
ولا ترى مريضا معاقا حركيا لا يستطيع أن يلعب مثلما يلعب الآخرون، ولم يستمتع
بطفولته البريئة، ثم يزعم الملحد، ويقول: "ولو كان ربكم عادلا ما فعل هذا ولو
كان ربكم عادلا لخلق كل الناس أسوياء أصحاء على سجية واحدة".
والملحد لا زال يقول: "لقد رأيت كثيرين
معذبين في حياتي أمامي، وكنت أشفق عليهم دون ذنب فعلوا، ودون جريرة ارتكبوها،
فلماذا يخوضون مراحل العذاب في حياتهم؛ فهؤلاء لا يتزوجون ولا يتناكحون، ولا
يتناسلون حياتهم الأرض، حياتهم الفراش، حياتهم الأمل الذي لا يعرفون له طريقا،
وأما أهلوهم فإن حياتهم أشد، ومرارتهم أشد، وإن نكبتهم في أولادهم الذين كانوا
يريدون أن يفرحوا بهم، وأن يبشوا بهم أصبحت منعدمة؛ فكيف حال الأم التي كانت تنتظر
وليدا يسعد بهجتها، ويملأ حياتها فرحة وسعادة، ثم عندما جاء ولدها، فإذا به على
النقيض مما كانت تبغي وتنتظره؛ إذ كان طفلها يمشي ويلعب ويجري، ثم فاجأته الحمى
فأصابت المخ في قراره فدُمِّرت خلايا المخ تماما، فماذا عساه أن يفعل العمر كله
وأن يعيش قعيدا سليب الحركة؟!
الملحد يستكمل كلامه، ويقول لفضيلة الدكتور:
لقد جئت بي إلى هذا المكان وليس لي الشرف، ورغم هذا فإني سأتعبك، وسأرهق أعصابك
كما لم تر حوارا في حياتك من قبل؛ فحياتكم -أيها المسلمون الإرهابيون- عبارة عن
ضلال، حياتكم أساطير، حياتكم خرافات، تعبدون ربًا لم تشاهدوه، وتعتقدون في جنة لم
تشاهدوها، تعتقدون في صراط لم تشاهدوه، تخافون من نار لم تألفوها.
أحبتي الكرام الآن أصبحت القضية واضحة، وهي
أن الملحد يقول: لماذا خلق ربكم أطفالا ورجالا ونساءً غير أسوياء، وغير أصحاء، ولو
كان قادرا لجعل الناس جميعا على هيئة واحدة من الصحة والكمال، والجمال والتنعم.
عزيزي الملحد اسمح لي أن أقول لك: إن كلامك
كله خطأ.
الملحد يقاطع الدكتور ويقول له: من أنت؟! من
أنت؟! أنت جرثومة وحشرة، من أنت؟! ألم أقل لك: إني وحيد عصري وفريد عصري
وأواني؟!من أنت حتى تجادلني؟!
صديقي الملحد إنني إنسان متواضع، بسيط جدا،
أبسط من البساطة، أحمل الأستاذية العالية من الجامعة، وهذا لا يعنيني أنني أستاذ
وبروفسير كبير، وهذا لا يعنيني، فأنا أتجادل معك وأتحاور معك بالمنطق، والحق وليس
بالأستاذية التي أحملها؛ فأنا أتعامل معك بكل لطف وحقّ، وإني أطارحك الرأي وأشاطرك
الكلام كي أقول لك: إن ما ذهبت إليه وما قلته كان خطأ كبيرا، ويعبر عن أن عقلك لم
يقدر أن يستوعب المعاني التي تقوم عليها الحياة.
لا يُسأل الله عما خلق ولا عما فعل
أحبتي الكرام، سأبدأ كلامي أيها السادة
بسؤال، وهو: لماذا لم يخلق الله الخلق على سجية واحدة؛ فخلق الضعيف وخلق القوي،
وخلق المريض، وخلق السقيم، وخلق المسن، وخلق الصغير وخلق العجوز، وخلق الأعمى
والأبكم ولا يُسأل عما خلق ولا عما فعل، وأما قوله تعالى:﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين:4]، يعني أن معظم الناس على أحسن تقويم، فلو
افترضنا أننا سنصلي الظهر بعد قليل سيصلي خلفنا مائة من الرجال والشباب، وبعض
النساء أحيانا، وهؤلاء المصلين لو استعرضتهم الكاميرا في مرة ستجدهم أسوياء؛
يركعون، ويسجدون، ويتحركون، ويسلمون، ويصافحون، إذن فإن القاعدة الأساسية في الكون
هي الاستواء، وأما ما يعرض للناس من حالات استثنائية فهي لا تمثل شيئا من الأشياء
التي جعلها الله تعالى لكي تكون مَثَلا، وتذكرة للناس بنعم الله عليهم.