(الملاحدة علمانيون ينكرون الحاجة إلى الأنبياء)
(الجزء الثاني من المناظرة)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، لا عزّ إلا في طاعتك، ولا نعيم إلا في رضاك، ولا سعادة إلا في التذلل بين يدي عظمتك، والصلاة والسلام على أسعد الأنام، من نشر السلام والوئام في جنبات الأرض كلها، وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين.
أحبتي الكرام، إن مناظرة اليوم هي الجزء الثاني من تلك الشبهة التي أثارها الملاحدة من أن العقل يغني عن الأنبياء، وهذه المناظرة تحمل مفاجأة في حوار مع ثلاثة من الملاحدة العلمانيين، والثلاثة كلهم ينكرون وجود الأنبياء، وينكرون الحاجة إلى الأنبياء، ولعل الملحد الذي كان معي في الجزء الأول من المناظرة كان مُصِرًّا على أن العقل يغني عن وجود الأنبياء.
أحبتي الكرام، الموضوع ليس انتصارا في مناظرة؛ فنحن لا يهمنا هذا الكلام، أحبتي الكرام لست أبغي انتصارا، ولا أبغي مجدا، وإنما أبغي حقيقة؛ إني أبحث عن جوهر الإيمان الذين فقدوه، وكل أولئك الملاحدة يقولون هذه الجملة: "كل من هو غير علماني فهو إرهابي" إذن فكل المسلمين في العالم إرهابيون.
أما العلمانيون فهم ملائكة رحمة وسلام لا يزرعون الحقد ولا التشاؤم في نفوس الناس، وطبعا كما يقول الملاحدة، فإن أول الإرهابيين هو علماء الدين، وأول الإرهابيين هم الناس الذين يحببون الناس في الإسلام، سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
(ملاحظة):
فضيلة الدكتور يوضح أنه وضح في مناظرة الأمس أن العقل يشتط في أحوال وأوقات كثيرة، كما أن العقل يخطئ في الاستنتاجات في أوقات كثيرة، وأن معرفة الله لا تكون بالعقل، وإنما تكون بالإيمان.
الملحد الأول يقول لفضيلة الدكتور: لا زلت مُصِرًّا على أن العقل يغني عن وجود الأنبياء، وأنت بالأمس يا دكتور قد أقنعتني أن العقل ليس بديلا عن وجود الله وقد اقتنعت بكلامك هذا، كما أنك بالأمس أقنعتني أن العقل يخطئ وأنا أيضا اقتنعت بهذا، كما أنك أقنعتني بالأمس أن العقل ليس حكما، وليس ضابطا وأنا اقتنعت بهذا أيضا، وقد ذهبت إلى بيتي مستاءً؛ لأن إرهابيا مثلك استطاع أن يقنعني، واليوم سوف أُغَيّرُ معك النقاش يا فضيلة الدكتور، وأنا قد جهزت لك موضوعا مهما وهو أن العقل يغني عن الأنبياء.
الملحد الثاني يقول: لقد تعمقت كثيرا في تاريخ الأديان، وتوصلت إلى أن الأديان التي جاءت من السماء أو الأديان الوضعية لا نجد حاجة إليها في دنيا البشر؛ فالبشر كانوا يعيشون في سلام اتفاقي، وبالتالي عندما جاء الأنبياء، فإنهم فرقوا الناس إلى شيع وإلى مذاهب شتى، وهاك مثالا: نبيكم المزعوم محمد عندما جاء كانت قريش على قلب رجل واحد وعندما جاء وبعث فيهم قام بتشتتيهم وفرق بينهم وجعل الابن يختف مع أبيه، ولو لم يأت محمد هذا لعاش الكفار في سلام ولم يكونوا في الأساس يحتاجون إليه؛ لأنهم في الأساس كانوا يعظمون حُرمات البيت وفي الأساس كانوا كراما، وفي الأساس كان العرب أهل نخوة، وكانوا أهل بر ولم يكونوا في حاجة إلى نبيك هذا.
الملحد الثالث، يقول: لو افترضنا أن هناك أنبياء، فإنهم يأتون إلى شعوب ضعاف في عقولهم والموهبة الذهنية عندهم ضعيفة، وبالتالي فإنهم محتاجون أناسا لكي يعلموهم ويرشدوهم؛ لأن الاستيعاب لديهم قليل جدا، وبالتالي فإن كل الأنبياء تمركزوا في المنطقة العربية؛ لأنها تحوي شعوبا متخلفة من زمن بعيد جدا وسوف أسألك سؤالا: لماذا لم يبعث الله نبيا إلى أوربا أو إلى أمريكا؟!
الملاحدة والعلمانيون عبارة عن كأس ومذاق واحد
فضيلة الدكتور يقول: سوف نعرف الخلفية الفكرية والمعرفية التي ينبعث منها كلام الملاحدة، ويجب أن تعرفوا -يا أحبتي الكرام- الملاحدة والعلمانيون عبارة عن كأس واحد ومذاق واحد وعن مشكاة واحدة، لكن العلمانيين في الأساس نشأوا في بيئات لا يعترفون فيها بالإسلام، ولا يعتقدون في الصلاة ولا في الصيام ولا في الحج، ولا يعتقدون في أي شيء.
أحبتي الكرام، القضية الأساسية في المناظرات هي قضية "الله" فالملاحدة إذا آمنوا بالله يكون معنى هذا أن التسليم بالأنبياء سهل، وأن التسليم بالرسل سهل، وأن التسليم بالرسل السماوية سهل، ولكن هناك حجرة عثرة وهي أنهم لا يؤمنون بالله، وبالتالي جميع القضايا عندهم عبارة عن طلاسم وألغاز؛ لأن قضية الإيمان هي التي تحل جميع الألغاز المعقدة في حياة البشر.
فضيلة الدكتور يقول: إن الخالق جل جلاله يرسل أنبياء لتعليم الشعوب.
الملاحدة (الأول والثاني والثالث)، يقاطعون فضيلة الدكتور، قائلين: وهل هذه الشعوب لا تستطيع أن تفكر بنفسها لنفسها؟! أي أنهم في حاجة إلى أنبياء أم لأن هذه الشعوب كانت تتسم بالغباء، فأرسل الله إليهم من يقودهم؟!
أصدقائي الملاحدة، إن الشعوب العربية لم تكن غبية؛ كي يرسل الله تعالى إليهم الأنبياء حتى يعلموهم سواء أكانت تلك الشعوب الموجودة في سبأ، أو تلك الشعوب الموجودة في البحرين والغساسنة قديما، وقوم ثمود، وقوم عاد، والفراعنة في مصر لم يكونوا أغبياء؛ فلم تكن شعوبنا غبية فكانوا أذكياء جدا، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا بأيديهم، والطرق جعلوها معبدة بأيديهم دون استخدام آلات حديثة ولازالت آثارهم موجودة إلى الآن، إذن فإن الكلام حول القدرات العقلية المنحطة للعرب هذا كلام باطل.
الملحد الثالث يقول لفضيلة الدكتور: أنت الآن قد أوضحت لنا أنَّ الشعوب العربية قديما كانت لها حضارة، والحضارة شاهدة عليهم في كل بلاد الدنيا في بابل، وفي تدمر وفي سورية وفي فلسطين وفي مصر وفي اليمن حضارة تمتد لعشرة آلاف سنة، وبالتالي فإن هذه الشعوب لم تكن غبية، ولكنهم كانوا يحتاجون إلى من يُهذِّب قلوبهم؛ فهذه الشعوب كانت تتعامل بالقوة، وتتعامل بمنطق القوة ومنطق القوة هو الذي يتغلب عليهم حتى أن قوم هود قالوا: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت:15].
أما بالنسبة للفراعنة، فالفرعون عندما يرتقي السلم ويجمع الشعب المصري الضعيف أيامها ويقول لهم:﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:38]، فالفرعون جعلها عقيدة راسخة لدى المصريين، فقال لهم: ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات:24]، فهل كان الفرعون على صواب؟
الملاحدة يجيبون على الدكتور قائلين: (لا) لم يكن على صواب.
فضيلة الدكتور يقول: إذن فما هو البديل؟ وإذا ترك الله الفرعون على فساده، وقوم ثمود على فسادهم، وترك العرب على جاهليتهم، فكيف تكون الحياة عندئذ؟!
الملاحدة: صامتون لا يتكلمون.
فضيلة الدكتور يتوجه بسؤال للملحد الأول: ألست مصريا؟
الملحد يجيب: بلى، أنا مصري متعصب ضد الإسلام بكل شدة.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: أتعرف ما الذي كان يجري على شعبك، وعلى أجدادك وعلى أجداد أجدادك؟
الملحد يجيب: نعم أعرف ما كان يجري عليهم؛ فقد قرأت بحوثا عما كان يفعله الفراعنة جعلتني أبكي ذات ليلة.
الفراعنة قتلوا الملايين من المصريين
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: لماذا بكيت ذات ليلة؟!
الملحد يجيب على فضيلة الدكتور قائلا: كنت أبكي بسبب تلك السُّخرة التي كانت سائدة وشائعة بين المصريين آنذاك؛ لأن الفراعنة كانوا يسخرون الناس وكانوا يعذبون الناس، وكانوا يقهرون الناس حتى يموت الناس في لظى الحر الشديد في أسوان، وفي القاهرة، وفي كل مكان دون ذنب فعلوا.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: كم قتلوا من المصريين؟
الملحد يجيب على فضيلة الدكتور: قُتل الملايين من المصريين.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: إلى متى كان يستمر الظلم؟ أجبني أيها الملحد.
الملحد يجيب: إن الشعب المصري وقتها ألف الظلم وقد أصبح الظلم جزءا من معتقده الأساسي، وأصبح الظلم سمة في حياته، وأصبح جزءا من معتقداته أنه عبدٌ عند أسياد، وأنهم عبيد عند سيد يسمى الفرعون.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد: إلى متى يستمر هذا الوضع؟
الملحد: لا أعرف.
صديقي الملحد أنت لا تعرف ولكن القرآن الكريم يعرف؛ إن هذا الوضع الفرعوني السيادي الظلم والتسلط والجبروت والعنفوان كان لا ينتهي إلا بنبي اسمه موسى، إذن دعني أسألك سؤالا، وهو هل جاء سيدنا موسى؛ لأن الشعب المصري كان غبيا أم جاء لأن الشعب المصري كان ضعيفا؟
الملحد يجيب قائلا: كان الشعب المصري - آنذاك - ضعيفا.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد، قائلا: دعني أسألك سؤالا، وهو: ما البديل عن النبي موسى عليه السلام؟
الملحد يقول: البديل هو أن يقوم الشعب المصري بثورة ضد الفراعنة اسمها ثورة الجياع.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد ويقول له: هل تهزأ بي؟!
الملحد يقول للدكتور : ولما تعتقد أني أهزأ بك؟
فضيلة الدكتور يجيب قائلا: قوم لا يستطيعون أن يرفعوا رؤوسهم، قوم يُلقى لهم فتات موائد الفراعنة الكبار، والشعب ضعيف فمن الذي يقوم بالثورة فهذا الأمر مستحيل، من الذي يقوم بالثورة وهم الضعفاء؟!