هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن التخمة

الرئيسية المقالات مقالات دينية

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن التخمة

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن التخمة
نحمد الله تعالى الملك، حمدًا يليق بجلالك وكمالك وعظمتك وكبريائك, لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك, والصلاة والسلام على سيد الخلق، وإمام أهل الحق، المبعوث من تهامة, المنعوت بالعلامة، عدد ما أحاط به علمك، وجرى به قلمك, وأحصاه كتابك.
وبعدُ:
فإن درس اليوم في المعايشة النبوية بفضل الله تبارك وتعالى يتناول: (هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن التخمة) أي: في النهي عن الإكثار من الطعام والشراب.
أهمية النهي عن التخمة:
(هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن التخمة)، هذا هديٌ عظيم وجانب عظيم أجمع عليه الأطباء في العالَم كله وهو: أن قليلًا من الطعام يكفي، وأن الكثير من الطعام يُمرِض ويُعطِّل.
أما أنه يُمرِض؛ فهذا لأنه يُحمِّل على كل الأجهزة في الجسم، ومنها: القلب, والبطن, والكبد, والبنكرياس إلى غير ذلك، وعلى ذلك تُصبِح الأحمال ثقيلةً على البدن كله, ولذلك يأتي النهي النبوي عن التخمة من الطعام.
وأما من ناحية أنه يُعطّل؛ فإنه يعطل عن العبادة؛ فكثير من الناس في رمضان المبارك تضيع منه صلاة القيام، أي: التراويح, وذلك بسبب إكثارهم من الطعام والشراب بعد المغرب, حيث يعتقدون أن الإنسان كان محبوسًا مُلَجَّمًا عن الطعام والشراب، والآن – بعد المغرب - فُتِح أمامه الطريق كي يلتهم الطعام الكثير, ذلك الطعام الذي يُتخِمُه ويُنَوِّمُه! وكثير من الناس – معشر السادة الكرام- يصلّي صلاة التراويح بتثاقل وتثاؤب, وذلك لأنهم أكلوا فوق طاقتهم, وفوق ما يحتاج الجسم إليه.
هدفنا من تناول: موضوع نهي الإسلام عن التخمة خاصة، وموضوعات المعايشة النبوية عامة: ومن هنا اخترت هذا الموضوع المهم في المعايشة النبوية؛ لأن الهدف من هذا البرنامج هو أن نعايش حياة النبي صلى الله عليه وسلم في كل دقيقة من حياتنا حتى نغترف من هديه صلى الله عليه وسلم, إنني لا أتكلم عن موضوع التخمة من زاوية الغنى والفقر, حيث إن الغنيَّ عنده الأطعمة الكثيرة التي يستطيع أن يغترف منها ما يشاء, ويهنأ بما شاء, وعلى ذلك فمن الطبيعي أن يُتخَم, أنا لا أقصد هذا, أو أن الفقير لا يجد قوت يومه إلا القليل, فمن الطبيعي أن يجوع, أو أن ينام طاويًا على بطنه, أنا لا أقصد هذا أيضًا, فقد سبق أن تناولنا هذه المعاني في برامجنا المتعددة ومؤلفاتنا الأخرى, ولله الحمد.
ولكنني أقصد الجانب الطبي, والصحي, والجانب النفسي, والتربوي, والجانب الاقتصادي, والجانب الاقتصادي مهم جدًّا؛ لأن كثيرًا من البيوت, والفنادق, والمؤتمرات, والندوات, والمؤسسات, وغير ذلك التي تقدم الأطعمة والحلويات؛ يزيد الطعام فيها عن اللازم, ويُرمى في القمامة دون أن ينتفع به أحد, فهذا تأثير على الجانب الاقتصادي, أو أن يُقيم الإنسان مأدُبة عظيمةً فخمة يقترض لأجلها، في رمضان أو في غيره, كي يباهي الناس, وكل هذه الأطعمة لا يؤكل منها إلا القليل, والباقي لا يُنتفع به أو تبقى في الثلاجة للمدة طويلة ثم تفسد, ثم مصيرها إلى القمامة, سلمك الله تعالى!.
لقد اتضح لك الغرض من كلامي, أن المعايشة النبوية أن نعايش هَديَ النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور الخاصة بالطعام, في كل ما يخص المأكل والمشرب, وفي التعامل مع الأشياء والنعم التي خلقها الله لك, ولا شك أن الطعام والشراب من أبرز النعم التي جعلها الله تعالى متاحة أمام الناس أجمعين, فليغترفوا منها ما يستطيعون, أو أن بعض الناس يستغل بعض الأماكن عندما يكون في حفلات مفتوحة، أو ما شابه ذلك, فيعب إلى بطنه ما يعب, ويملأ بطنه ما استطاع, على أنها فرصة قد لا يجود بها الزمان مرة ثانية, فيأكل ويأكل ثم يصاب بالتخمة أو يصاب بالمرض, أو يقوم بتقيؤ الطعام كله مرة ثانية, وهذا كثيرا ما يحدث!.
من أبرز ما جاء في النهي عن التخمة، وأهميته لدى الأطباء:
نلتقي الآن في ساحة هَدي النبي صلى الله عليه وسلم بتطبيق عملي على المعايشة النبوية, عندنا أحاديث كثيرة، منها الحديث المشهور الذي يعلمه كل الناس, وهو حديث صحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ما ملَأَ آدميٌّ وِعاءً شرًّا مِن بطنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقَيماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإنْ كان لا بدَّ فاعِلًا فثُلُثٌ لِطعامِه، وثُلُثٌ لِشرابِه، وثُلُثٌ لِنفَسِه"( ) لنفَسه: كي يتنفس به.
الأطباء في العالم كله يعتبرون أن هذا الحديث ميثاق أمان ووقاية من الأمراض, ولو كُتب الحديث بمداد الذهب ما كان كافيًا, والله ما كان كافيًا؛ لأنه دستور نبوي مأخوذ من هدي القرآن الكريم من قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] وكل هذا الذي حضك عليه حضرة النبي صلى الله عليه وسلم هو الخير لك الذي لا خلاف عليه، هذا من ناحية.
الناحية الثانية, لماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخمة؟:
ذلك لأن الإنسان إذا كان شرِهًا في الطعام، أو شرِهًا في الشراب؛ فإنه من النادر أن يقنع بشيء, وبذلك يعيش كي يأكل! ونحن كما ذكرتُ سابقًا: نحن قوم نأكل لنعيش, ولا نعيش لنأكل، أي: أن الطعام ليس هدفًا لذاته عند صاحب التفكير السليم, أما صاحب التفكير السقيم فهو يصحو من نومه على ماذا سيأكل اليوم؟.
وماذا سيتناول في الإفطار؟ وماذا سيتناول بعد الظُهر؟ وماذا سيتناول في العشاء؟ وفقط! وهذا كله تفكيرٌ مُعوَجٌّ, وأما التفكير الصحيح فهو الذي حضَّك عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث النهي عن الإكثار من الطعام.
خدعوك فقالوا: إن هذا الإنسان ظل طاويًا يومين، أو ثلاثة حتى مات.
وهذا غير صحيح؛ فإن الإنسان يستطيع أن يصبر عن الطعام يومًا أو يومين أو ثلاثة أو أربعة أيام بلا طعام, وأحيانًا بلا شراب أيضًا، ويَقوَى على أن يقوم ببعض عمله، وإن استعان ببعض من الماء فإنه يُعد كافيًا لكي يمارس هذا الإنسان حياته.
أما الذين يبيتون طاوِيين على بطونهم لعدم مقدرتهم على الطعام والشراب وهم كُثُر, فهؤلاء يُطعِمهم الله تعالى من فضله, ويشعرون بالسلوى، والسكينة، والرضا من الله سبحانه وتعالى, وإن القليل من الطعام يكفي هؤلاء.
واجبُنا (التطبيق العملي) بناء على ذلك:
ثقافتنا الأصيلة الغائبة عن تصرفاتنا:
أيها القارئ الكريم، ليتنا نستمتع بقول سيدنا صلى الله عليه وسلم " بِحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقَيماتٌ" أي: يكفيه لُقَيماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه. " لُقَيماتٌ": خمس أو ست أو سبع لقيمات.
ثقافة الاقتصاد النبوي هي ثقافة جميلة وعظيمة تعلمها الغرب، وعمل بها في دنياه، ولم نتعلمها نحن, لست مادحًا فيه, أو ممجدًا في ثقافته، أو مغردًا في سِرب حضارته, ولكنني رأيت هناك ما لم أره في بلادنا, مثلًا: لم أر مِصريًّا أو سعوديًّا أو عربيًّا عامة يدخل في محل لكي يشتري تفاحة واحدة, أو ثمن أو عُشر كيلو تفاحًا، أو ثمن أو ربع بطيخة, ولكنني رأيت هذا في محلات في أوروبا يدخل الرجل ليشتري تفاحة أو برتقالة واحدة, أو ثُمنَ بطيخة, وهكذا. وهذه إنما هي في الأساس ثقافة إسلامية.

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض