مُحمد صلى الله عليه وسلم بُرِئ من زَعْمِ المُشركين
أحبتي الكرام، إن الملاحدة رغم كل هذا فإنهم
يصرون عَلَى أنَّ القرآنَ ما هو إلا كَلامٌ قَامَ محمد بن عبد الله بتأليفه
ويسمونه بـ: (قرآن محمد)، وكلام الملاحدة هذا يتشابه مع كَلامِ الكُفَّارِ الذين
قال فيهم الله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى
عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان:5]، ويجب أن تعلموا يا أحبتي الكرام، إن
الفَهمَ الجاهلي هو نفسُ الفَهمِ الذي عليه الملاحدة، ولهذا يا أحبتي الكرام، إن
الأُميَّةَ التي اتَّصَفَ بها الرسول - صلوات ربي وسلامه عليه - تُعَدّ منقبةً له
وشيئًا جميلا؛ لأنها الدَّليلُ على أَنَّ النبيَ مُحمدًا بُرِئ من زَعْمِ
المُشركين والكُفارِ والملاحدةِ من أنَّ النبي هو الذي قام بكتابةِ هذا القرآن عن
طَريقِ اقتباساتهِ المتعددةِ من الإنجيلِ والتوراةِ.
أحبتي الكرام، إن القصيدة المنسوبة إلى امرئ
القيس والتي أوَّلها:
دنت الساعة وانشق القمر |
|
عن غزال صاد قلبي ونفر |
أحبتي الكرام، يقول الملاحدة عنها إن سيدنا
محمدا صلى الله عليه وسلم قد اقتبسها، ووضعها في القرآن الذي قام هو بتأليفه، حيث
قال في القرآن: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر:1]، وقمت
بالرد على هذا الكلام، ثم انتقلنا إلى زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته التي يتحدث
فيها عن ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، والملاحدة يقولون: إن النبي
محمدًا صلى الله عليه وسلم قد اقتبس كلام زيد بن عمرو بن نفيل، ووضعه في سورتين من
قرآنه، وهما: سورة مريم وسورة آل عمران، وقد رددت على هذا الزعم في الجزء الأول من
المناظرة، وقد تبيّن لنا من تحليل شعره أنَّ هناك بونًا شاسعًا بين شعر زيد بن
عمرو بن نفيل، وبين كلام وكلمات وألفاظ وتناسق القرآن الكريم؛ وذلك لأنَّ الأسلوبَ
الذي كُتِبَت به قصيدةُ زيد بن عمرو بنُ نُفيلٍ التي جاء بها الملاحدة كَانت ذات
أُسلوب رَكِيكٍ وضَعيفٍ جدًا.
وهذا ما اتضح من الكلام الذي يقولون عنه: إنه من
شعر زيد بن عمرو بن نفيل والذي تحدثنا عنه قبل ذلك، والذي يقول:
فقالت مريم أنى يكون ولم أك |
|
بغيا ولا
حُبلى ولا ذات قيم |
فقال لها إني من الله آية |
|
وعلمني والله خير معلم |
وأرسلت ولم أُرسل غويا ولم أك |
|
شقيا ولم أبعث بفحش ومأثم |
ولا شك أنَّ قارئ هذا الكلام يتضح له – بما
لا يدع مجالا للشك – مدى ما يتصف به من الركاكة والضعف، والملاحدة – كما وضحنا
مسبقا - يُصرِّون على أنَّ النبي محمدًا قد نَقَلَ هذه الكلمات، ووضعها في القرآن
في سورة مريم، يقول تعالى: ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي
بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ [مريم:20]، ويجب أن أوضِّح لكم -يا أحبتي الكرام-
شيئا مهما جدا وهو أنَّ الملاحدة يفتقرون إلى الأمانة العلمية؛ وذلك لأنهم يجتزؤون
من النصوص ما يُحبون؛ والذي فعله الملاحدة بالضبط أنهم قد أتوا بشعر زيد بن عمرو
بن نفيل، ثم بدؤوا يطابقوه بالقرآن الكريم، وقاموا بحذف جمل معينة من القرآن حتى
يكون مطابقا لكلام زيد بن عمرو بن نفيل، ويكون الاستنتاج المنطقي حينها أن النبي
محمدا قد أخذ كلام زيد بن عمرو بن نفيل، واقتبس منه ووضعه في القرآن، وهذا الأمر
ليس بغريب عن الملاحدة، فهذا منهجهم في الكذب والتدليس، كما أنني أؤكد على شيء مهم
جدا نبعت إليه مسبقا، وهو أنني أطعن – أصلا – في هذا الشعر – إن كان شعرا أصلا –
والأمر عائد إلى خلوه من الأوزان والقوافي، وهي الأمور الأساسية التي اِعتُمِدَ
عليها في الشعر قديما، وهما عمودا الشعر الجاهلي.
وعلى أيِّ حال فإننا نفترض نظرية الانتحال التي قالها
الدكتور طه حسين، ومعناها أنَّ كثيرًا من الشعرِ الجاهلي قد اُنْتِحِلَ.
أحبتي الكرام، إن الأمر الذي يدعم ما نقول
به من أن الملاحدة بكل الطرق يحاولون دائما إلباس الباطل بالحق، وما يدعم نظريتنا
حول أن هذا الكلام الذي جاء به الملاحدة، ويزعمون أنه شعر لزيد بن عمرو بن نفيل أن
الأسلوب الذي كتب به هذا الكلام كان أسلوبا ركيكا جدا، وضعيفا جدا بسبب الآتي:
أولا- هذا الكلام يتنافى مع التقاليد
السائدة آنذاك في المنطقة العربية في قول الشعر وكتابته؛ إذ كانوا يعتمدون اعتمادا
أساسيا في قول الشعر على الأوزان والقوافي.
ثانيا- إن الأسلوب الذي كتب به هذا الكلام
كان أسلوبا ركيكا جدا وضعيفا جدا ويتنافى هو الآخر مع أسلوب زيد بن عمرو بن نفيل
في الكتابة، وقول الشعر بما ورد عنه في كتب الأدب والتاريخ، وخاصة أن هذا الكلام
يتحدث عن موضوع مهم كمثل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وطريقة الصياغة لا تناسب
قوة وروحية الموضوع على الإطلاق، ومن أجلِ أَنْ تلمسوا الفرقَ يا أحبتي في
الأساليب يكفي أَنْ آتي لكم بمثالٍ من شِعْرِ زَيدٍ بنُ عمروٍ بنُ نُفيلٍ الصحيح،
وهو على بحرِ المتقارب من بحور الشعر العربي، ويتحدث هذا الشعر ضمنيًا عن تقاليد
الديانة الحنيفية، ديانة سيدنا إبراهيم عليه السلام، ويقول فيه:
أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ |
|
لَهُ الأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالَا |
دَحَاهَا فَلَمَّا رَآهَا اسْتَوَتْ |
|
عَلَى المَاءِ أَرْسَى عَلَيْهَا الجبالا |
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَت |
|
لَهُ المُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالَا |
إِذَا هِيَ سِيقَتْ إِلَى بَلْدَةٍ |
|
أَطَاعَتْ فَصَبَّتْ عَلَيْهَا سِجَالَا |
أحبتي الكرام، إنكم إن تأملتم هذه الأبيات،
وهذا الكلام لأول وهلة لاتضح لكم الفرق الكبير بين هذا الكلام، والكلام السابق.
أحبتي الكرام، يجب أن تنتبهوا -يا أحبتي
الكرام- كما ذكرت لكم مسبقا أن القرآن يأخذ الكلمات العربية ويُكسبها ثوبا جديدا؛
أيِّ أن القرآن الكريم لا بد وأن يأتي من قُماشة الكلام العربي، والقُماشة عبارة
عن الألفاظ والجمل والتراكيب، فهل يُعقل أن يَنْزِلَ القرآن للعرب، ويأتي بألفاظ ولغة
لاتينية أو لغة فارسية أو لغة عبرانية أو لغة سريانية مثلا؟!
فالشيء الطبعي هو أن يأتي القرآن بلغة القوم
الذي قد تَنَزَّل عليهم وهم العرب، يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف:2]، أتعيبون القرآن على عروبته أيها الملاحدة؟!