كل يوم جديد هو نعمة وشكرها طاعة الله فيه
اغتنام الوقت
في صالح القول والعمل، هو المتجر الرابح والفوز العظيم عند الله عز وجل فطولَ
العمُر خيرٌ للمؤمن المسلم، وشرٌّ للفاسق والكافر، فالمؤمن يزداد بطول العمر خيرا
وطاعة.
روي أن
(رَجُلانِ مِنْ بَلِيٍّ -حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ- أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الآخَرُ سَنَةً)،
قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: (فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ
الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا، أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ،
فَأَصْبَحْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)،...
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَيْسَ قَدْ
صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ، أَوْ كَذَا وَكَذَا
رَكْعَةً صَلاةَ السَّنَةِ؟). مسند أحمد (14/ 126، ح 8399).
لقد كان ذلك
الصحابي يغتنم أيامه ولا يضيعها هباء، فكن سالكًا طريق هؤلاء الذين اتخذوا الله
صاحبًا، وتركوا الناس جانبًا لم يضيعوا أيامهم بل رافقوا طاعة الله ففازوا برحمته
ورضوانه.
إن المؤمن
يغتنم الأوقاتَ من العمر، وينتهز اللحظات من الحياة، في طاعة وذكر، وتدبُّر وفكر،
تزيده إيمانا وتسليما، وطاعة وعملا، «طوبى لمن طال عمره وحسن عمله».
عن ابن عباس - رضي الله
عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعمتان مَغبون فيهما كثيرٌ
من الناس؛ الصحة والفراغ) رواه البخاري.
يعني: أن
هذين الجنسين من النعم، مغبون فيهما كثير من الناس؛ أي: مغلوب فيهما، وهما الصحة
والفراغ؛ وذلك أن الإنسان إذا كان صحيحًا، كان قادرًا على ما أمره الله به أن
يَفعله، وكان قادرًا على ما نهاه الله عنه أن يَتركه؛ لأنه صحيح البدن، مُنشرح
الصدر، مطمئن القلب، كذلك الفراغ إذا كان عنده ما يُؤويه وما يكفيه من مُؤنة، فهو
متفرِّغ، فإذا كان الإنسان فارغًا صحيحًا، فإنه يُغبَن كثيرًا في هذا؛ لأن
كثيرًا من أوقاتنا تضيع بلا فائدة، ونحن في صحة وعافية وفراغ، ومع ذلك تضيع علينا
كثيرًا، ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا، إنما يعرف الإنسان الغبن إذا حضَره
أجلُه، وإذا كان يوم القيامة، والدليل على ذلك قوله - تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ
أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا
تَرَكْتُ } [المؤمنون: 99 - 100]، وقال - عز وجل - في سورة المنافقون: {وَأَنْفِقُوا
مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ
رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ
الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 11].
قالَ
الطّيّبيُّ: ضربَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمُكلَّف مثلًا بالتَّاجر الَّذي لهُ رأس مال، فهو يبتغي
الرِّبح معَ سلامة رأس المال، فطريقه فِي ذٰلك أنْ يتحرَّىٰ فيمَنْ يُعامله ويلزم
الصِّدق والحذق لئلَّا يغبن، فالصِّحة والفراغ رأس المال، وينبغي لهُ أنْ يُعامل
الله بالإيمان، ومجاهدة النَّفس وعدوِّ الدِّين، ليربح خيري الدُّنيا والآخرة،
وقريب منه قول الله تعالىٰ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ} [الصف: 10، 11] الآيات.
على المؤمن
أنْ يجتنب مُطاوعة النَّفس، ومُعاملة الشَّيطان لئلَّا يضيع رأس ماله مع الرِّبح.
قالَ ابن
الجوزيُّ: قد يكون الإنسان صحيحًا ولا
يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا، ولا يكون صحيحًا، فإذا اِجتمعا
فغلب عليه الكسل عَنِ الطَّاعة فهوَ المغبون، وتمامُ ذٰلكَ أنَّ الدُّنيا مزرعة
الآخرة، وفيها التِّجارة الَّتي يظهر ربحها فِي الآخرة.