رحلة الراشد (65) دساتير للحياة فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي

الرئيسية المقالات مقالات دينية

رحلة الراشد (65) دساتير للحياة فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي


بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السابق الرابع والستون كان عنوانه الفهم العالي واخذنا عشر مقولات للخليفة الراشد وشرحناها وتمعنا معها وفرحنا بها.

ونواصل رحلتنا اليوم في نفس المنهج الذي يأخذ كلمات معينة لها سياق معين ونتعلم منها ونربطها بالحياة المعاصرة.

الكلمة الأولى: كيف أصبحت الموصل؟

المتابعة من الحاكم للأمة كلها متابعة واجبة ولى عمر بن عبد العزيز رجلاً محافظا على ولاية الموصل

الموصل ولاية في العراق، لكم شهد العراق من ظلم بين شديد وقسوة مبالغ فيها كل العراق أيام الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أطلق عليه عمر بن  عبد العزيز عدو الله

 فأرسل رجلاً صالحا عالما إليها فغير معالم الدولة وجعلها بلدا آخر في أيام قلائل دي بقى همة الرجال التي أتحدث عنها دائما

وأقول عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل، فلما ذهب هذا المحافظ إلى الموصل غيرها تماما

فأرسل إليه عمر بيقول له عملت ايه ماذا فعلت في الموصل؟

نتعلم منك الأدب والتواضع

قال يا أمير المؤمنين لما قدمتها وجدتها من أكثر البلاد فسادًا وسرقةً ونقبًا، فكتبت إلى أمير المؤمنين لكي أعلمه بحال البلاد أقول له الوضع عندي كذا وكذا

فقال لي خذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة إن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله

إن الله لا يصلح عمل المفسدين

 قال يحيى ففعلت ذلك وطبقت كلامه وظللت في الموصل حتى أصبحت من أصلح البلاد ومن أقلها سرقة ونقبا ونهبًا

خدعوك فقالوا: إنه من الصعب تغيير نفسية الشعوب

همة الناس بهمة الحاكم

 أيام سليمان بن عبد الملك كانوا يسألون عن الزوجات والقصور وكذا

أيام الوليد عن المال والدرهم والدينار، أيام عمر يسألون عن الصلاة والزكاة وقيام الليل

قال ولم أخرج من الموصل إلا بعد أن جعلتها من أصلح بلاد المسلمين.

وكتب عمر إلى أمير الجزيرة يعني السعودية

وقلت لمن ولاك الله أمره ناصحا فيما تعيب عليهم من أمورهم ساترا لما استطعت من عوراتهم إلا شيئًا أداه

 فإن الله لا يصلح سترك وتمسك نفسك عليهم إذا غضبت يعني لا تنفعل إلى آخر الكلام الذي يعتبر دستورا في الحكم. درس اليوم اسمه دساتير الحياة

الدستور الثاني: كفى بالقدر حاجزا وبالأجر حارسا:

كان عمر يقول لحراسه: إن بي عنكم لغنى أنا لا أحتاج إلى حراس كفى بالقدر حاجزا وبالأجر حارسًا

 ولا أطرحكم من مراتبكم من أقام منكم فله عشرة دنانير ومن شاء فليلحق بأهله، يعني الحراسة والحرس والدعاية للخليفة وموكب الخليفة دا كان فيه ألف حارس ألفين حارس

 وكل هذا كان يكلف بيت المال، فلما تولى الخلافة عمر قال لا أحتاج إلى حراس القدر هو الحاجز والحارس هو الله سبحانه وتعالى.

الخليفة الذي كان قبله كان له ثلاثمائة شرطيا و ثلاثمائة حارسا، فتخلص منهم جميعا

قال من أراد أن يبقى معنا سأعطيه مبلغا بسيطا عشر دنانير بحيث إنه لا يحب

وكتب إلى عامله كتابا عجيبا وغريبا: أدق قلمك يعني القلم دا يكتب بالحبر، فلما يكون الفرشة كبيرة بسحب حبرا كثيرا

 فلما يكون السن بسيطا يسحب حبرا قليلا، فبعث للأمراء يقول اكتب بقلم دقيق حتى لا تستهلك حبرا من أحبار المسلمين وأقل كلامك في القرطاس

طبعا كلام مهم جدا جدا جدا في منتهى العظمة، وكان أيضًا في هذا المجال الذي أتكلم فيه يكره الزينة بطبيعته

وتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع أصحابه فمر رجل له بهت وحاشية

 وهكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا يا رسول الله حريٌ به إن تكلم أن يسمع وإن خطب أن ينكح، فمر

 وأتى بعده رجل فقير يلبس ملابس مزرية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تقولون في هذا الرجل؟ قالوا يا رسول الله: حريٌ به إن تكلم ألا يسمع وإن خطب لا ينكح

فقال صلى الله عليه وسلم هو خير عند الله تعالى من طلاع الأول مثل الأول

فعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس ليسوا بالمظهر وأن المظاهر الكاذبة لطالما خدعت آلاف البشر وضيعت مستقبل الناس

 وأنتم تسمعون عن هذا المستريح بمظهره وشورته الغبراء ويضحك على الناس ويستلب أموالهم (فص ملح وداب)

 اغتر الناس بمظهره ضحك على الناس بالمحاميل والشخاشخ التي بيده والبدلة والكرافتة وهكذا

فنهى الإسلام عن التركيز على المناصب وعلى المظاهر لأنها لاتسمن ولا تغني من جوع.

الدستور الثالث: قلة الخراج لكثرة الداخلين في الإسلام:

دي نقطة تاريخية مهمة جدا

كان خلفاء بني أمية يبالغون في فرض الضرائب على المسلمين وعلى غيرهم حتى كرهوا الناس في الإسلام

 فلما تولى عمر عادت الناس إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ما كان عليه جده الفاروق عمر رضي الله عنه

واحد بيقول له  ايه: إن بيت المال هيخرب. (اسمع الكلام ومصمص في شفتيك) بيت المال هيخرب لأنك رفعت الضرائب عن المسيحيين

وبالتالي لما رفعت الضرائب عنهم دخلوا في الإسلام فلم يعودوا يدفعوا الجزية، فيقول له بيت المال عندي هيخرب أغيثني

فكتب إليه عمر، فهمت كتابك، والله لوددت أن الناس كلهم أسلموا حتى أكون أنا وأنت حراسين نأكل من كسب أيدينا حراس يعني فلاح يعني لا أهتم بالمال

 انظر إلى الكلام الجميل جدا العظيم جدا إن هو أسقط عن الناس كل تبع وفتح الطريق للناس إلى الإسلام

 لأن خلفاء بني أمية كانوا يثقلون كاهل النصراني بالجزية والإتاوات وكذا فكره الإسلام

فلما تولى عمر أسقط كل هذا فدخل كلهم في الإسلام

وكان يحسن اختيار العمال يعني الموظفين يعني المحافظين يعني الوزراء

وكتب إلى عماله: إياكم أن تستعملوا على شيء من أعمالنا إلا أهل القرآن، فكتبوا إليه يا أمير المؤمنين إن استعملنا هذا القرآن فوجدناهم كذا

 فكتب إليهم إياكم أن يبلغني أنكم استعملتم على شيء من أعمالنا إلإ أهل القرآن

الدستور الرابع: تخويفه لعماله من عقاب الله عز وجل:

ذات مرة ولى أحد الناس في العراق خلاه محافظ يعني فكتب إليه كتب يزلزله ويخوفه من الله سبحانه تعالى

 فلم يحتمل الرجل كان رقيقا فأتى بالكتاب وقال لن أتولى أمرا بعد هذا أبدًا ورفض أن يعود إلى الإمارة من شدة كلام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

وشكى إليه أحد الولاة يعني شكى إليه حاله، فكتب إليه عمر يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد بك وانقطاع الرجاء.

فلما قرأ الكتاب (يعني المحافظ) طوى البلاد حتى قدم إلى عمر، قال: ما أقدمك؟

 قال: كتابك هذا خلع قلبي لا أعود إلى ولاية أبدا حتى ألقى الله عز وجل يعني من الزلزلة القلبية دستور لن يحتاج الخليفة أو الأمير أو المحافظ أو الرئيس إلى أن يسأل الناس من أين لك هذا؟

 إلا إذا كان هو متعففا ودا اللي حصل مع سيدنا عمر إن طبق على الناس أحكام لأنه مستقيم

 حتى الخلافة نفسها كان في كل يوم يقول لا أريدها وذهب إلى مسجد بني أمية وخلع نفسه مرات عديدة فهاج الناس عليه وأجلسوه مكانه وبايعوه مرة ثانية.

أيها المسلمون: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أحد عماله، أما  بعد فاتق الله فيما وليت أمرهم ولا تأمن مكره تعالى في تأخير عقوبته فإنه إنما يعجل بالعقوبة من يخاف الفوت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكتب إلى عمل آخر دساتير: أما بعد: إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك في نفاذ ما يأتي إليهم وبقاء ما يؤتى إليك.

هذه الرسائل غيرت في نفسية الناس فضلا عن عدم انشغالهم بالمظاهر

 كتب عمر بن عبد العزيز إلى أميره في العراق عدي بن أرطأة وكان قد استعمله: فكتب إليه: أما بعد فأنك غررتني بعمامتك السوداء (

 ومجالستك الغراء

 وإرسالك العمامة من ورائك يعني الناس الأكابر وإنك أظهرت ليا الخير فأحسنت بك الظن، فقد أظهر الله أمامي ما كنت تكتم والسلام.

هو كان يعيب على عدي هذا شيء واحدا فقط أنه كان يتأخر عن صلاة الجماعة أسوة بما كان يفعله الحجاج

 هذا الأمر كان يغيظ سيدنا عمر، هو نفسه أول واحد يروح المسجد ولا مانع أن يكنسه

يعني منتهى البساطة والجمال في عهد عظيم جدا ما شاهد الناس مثله من قبل.

الدستور الخامس: حبه للعلماء وأخذ مشورتهم: خاصة الإمام الحسن البصري، العلاقة بينه وبين علماء عصره كانت علاقة فوق المتميزة

ودائما كان يرسل إلى الإمام الكبير الحسن البصري في العراق رسائل لكي يعظه يذكره لكي يتواصل معه وهكذا

وكتب إلى عدي بن أرطأة بيقول له إيه: إذا أتاك كتابي  هذا فاذهب إلى الإمام الحسن البصري

فرحم الله الحسن فإنه من الإسلام بمنزل ومكان واعرض عليه أمرك يعني سيدنا عمر فوض الحسن البصري في مسائل يفتي فيها مكان عمر بن عبد العزيز

 ولطالما جاءته رسائل من الإمام الحسن شديدة يعني فيها زلزلة في الموعظة فكان عمر يمسك ويقرأها ويبكي حتى تبتل الصحيفة بدموعه

لأن الحسن البصري من أكبر الزاهدين في تاريخ الإسلام، وكان إذا كتب لا يكتب بقلمه وإنما يكتب بقلبه

فكان يرسل الرسائل إلى سيدنا عمر رسائل في مستوى عالي من الزهد والورع والتقشف لا يقولها إلا الصالحون ولا يستقبلها إلا الصالحون.

وكتب عمر إلى أمير العراق: أما بعد: إني أذكرك ليلة تمخض بالساعة (يعني القيامة) فصباحها القيامة فيالها من ليلة ويا له من صباح كان على الكافرين عسيرا

وكتب عمر إلى بعض عماله: اعمل للدنيا على قدر مقامك فيها واعمل للآخرة على قدر مقامك فيها

وهذا الكلام قريب الشبه بكلام الحسن البصري يعني هو بياخد برضه من كلام الحسن ويعلم الناس

 يعني هذه المقولة التي قلتها لكم الآن هي من كلام الحسن وأخذها عمر ونشرها على الأمة الإسلامية. اعمل للدنيا على قدر مقامك فيها، واعمل للآخرة على قدر مقامك فيها.

أيها السادة الكرام: الدستور السادس: خطأ الوالي أو القاضي في العفو خيرا من تعديه في العقوبة.

يعني لو انت قاضي أو أمير وجاءك واحد جاني فحكمت بالبراءة رغم أن هو يستحق العقوبة، فهو يقول الحكم بالبراءة لمن كان جانيا خير عند الله تعالى لأن تظلم رجل ليس جانيا

 جاءت فقير فأعطيته مالاً، ثم تبين أنه ليس بفقير فجاءك بعده فقيرا تاني فلم تعطه مالا استئناسا على ما فعلته في أول مرة هذا خطأ كبير،

خطأ الوالي أو القاضي أو المحافظ في العفو إنه يقول عفوت خير له من أن يظلم في العقوبة

 وكتب عمر إلى الولاة هذا الكلام ادرؤوا الحدود ما استطعتم في كل شبهة، يعني لا تقم الحد على أحد إلا بعد ثبات كل الأدلة والاعترافات والإقرار والبينة

فإن الوالي إذا أخطأ في العفو خير من أن يتعدى في العقوبة، والله كلام من وجهة نظر خادمكم يكتب بماء الذهب

 لأن كثيرا من الناس ضاعوا عندما جار الناس في تطبيق هذا الكلام الخطير جدا

وكتب عمر إلى والي حمص في الشام مر لأهل الصلاح من بيت المال بما يغنيهم، لماذا؟

الناس الصالحون الكبار اعطهم رواتب طيبة حتى لا يشغلهم طلب الدنيا عن تلاوة القرآن وعن دراسة أحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

المنهج التخويفي عند عمر: كتب إلى أحد الأمراء: إذا أمكنك القدرة على ظلم العباد فاذكر قدرة الله عليك، واعلم أنك ما تأتي إليهم أمرا إلا وكان زائلا عنهم باقيا عليك

وأن الله تعالى أخذ للمظلوم من الظالم فمهما ظلمت من أحد فلا تظلمن من لا ينتصر إلا لله عز وجل

وكتب عمر إلى أحد الولاة: أما بعد إن هذا الرجف أي الزلزلة شيء يعاتب الله به العباد

 وقد كتبت إلى الأنصار يعني البلاد: من كان عنده شيء فليتصدق به ولا يدخره

فإن الله تعالى قال: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وقال تعالى كما قال أبوكم آدم عليه السلام:

 (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وقولوا كما قال يونس عليه السلام (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

أخيرا، بعد أن تكلمنا في هذا الدرس والدرس السابق عن دساتير العدالة ودساتير الحياة التي كأنها أحلام والله العظيم كأنها أحلام ما النتيجة؟

بعد سنتين وخمسة أشهر قضاها عمر في الخلافة فغيرت كيمياء الناس وحياة الناس وزهد الناس وورع الناس واستقامة الناس

حتى قال الناس: كأن عهد النبوة قد عاد مرة ثانية كأن عهد عمر والصديق عاد مرة ثانية

كأن الإسلام يبعث من جديد حق لعمر بن عبد العزيز وهو شخصية غير متكررة كنت سأقول ومن على شاكلته أنا بصراحة لم أجد أحد على شاكلته إلا سيدنا عمر الكبير حق لسيدنا عمر بن عبد العزيز

 وما تميز به من أصاله وعقائد وتميز وربانية لا مثيل لها أن يدخل في قوله تعالى:

"إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)" المؤمنون

 

 

تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض